إبراهيم: المعارضة في الخليج سياسية وتهدف إلى الإصلاح الذي سيكون حتمياً

حاورته روزانا رمّال

رأى المعارض السعودي الدكتور فؤاد إبراهيم أن الملك السعودي الجديد سلمان بن عبدالعزيز هو رمز الجناح السديري داخل العائلة الحاكمة، لافتاً إلى أن «سلمان هو اللاعب الوحيد في الميدان وما يقوم به سيؤدي الى تهميش الغالبية الساحقة من الأمراء السعوديين».

وأشار إلى «وجود نزاع شرس يجري الآن داخل العائلة ويتصاعد ويتسع ما سيزيد في ضعف الدولة» موضحاً أن تعيين الأمير مقرن ولي ولي العهد في عهد الملك الراحل عبدالله بدعة لم تكن موجودة وغايتها أن يكون مقرن سلاحاً يستخدم لمنع سلمان من استهداف جناح الملك عبدالله، مستبعداً أن تنجح هذه الخطة التي وضعها الأخير».

وأشار إبراهيم في حوار مشترك مع صحيفة «البناء» وقناة «توب نيوز»، إلى تطلع أميركي لأن يحكم الجيل الثاني باعتباره تعلم في الغرب وصار يفهم لغته بعكس الملوك الآخرين الذين تربوا في القصور.

واستبعد أن «يحتل الأمير بندر بن سلطان منصباً جديداً بل الآن يجب تطويق تداعيات ما ارتكبه من صيف 2012 وفشل رهانه بإسقاط النظام في سورية».

وإذ أوضح أن زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الرياض جاءت لرسم معالم المرحلة الجديدة، أكد إبراهيم أن السعوديين يدركون بأن المفاوضات النووية بين الغرب وإيران تتجه إلى توقيع اتفاق نهائي». واستبعد أي تواصل بين إيران والسعودية، معتبراً ان الظروف غير ناضجة الآن لأن المتغير اليمني أحدث زلزالاً في الرياض لأن السعودي يعتبر أن ايران اصبحت على حدوده.

وشدد على أن «المعارضة في الخليج هي سياسية وليست مسلحة، فهناك حاجة للإصلاح السياسي ترتقي الى مستوى الحتمية في دول الخليج».

وأكد أن «الرهان السعودي في لبنان سيبقى على آل الحريري لكن التدخل السعودي في لبنان سيكون أقل لأسباب مالية واقتصادية».

وفي ما يلي وقائع الحوار:

ماذا تغيّر في المملكة العربية السعودية بعد رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟

– الملك عبدالله مثّل منذ عام 2005 إلى عام 2015 مرحلة بالغة الحساسية والأهمية على المستوى الداخلي والإقليمي وحتى الدولي. أما التغييرات التي أحدثها فقد كانت على درجة كبيرة من الأهمية من حيث تركيبة الحكم في المملكة والمقاربات للملفات المهمة، لذا مثّل الملك عبدالله علامة فارقة في تاريخ السعودية بسبب تبنيه لمجموعة مشاريع لم يكن قد ألفها البلد في مراحل سابقة، فهو تبنى الأفكار الإصلاحية وإنْ لم يطبقها على الأرض وكان عهده عهد المشاريع والتمنيات التي نختلف كثيراً معه في توصيفها ما سبب أحباطاً لدى الإصلاحيين، وهذا ما يلقي بثقله على المرحلة الجديدة لأن الرجل اكتسب زخماً إعلامياً غير عادي، داخلياً ودولياً، وبالتالي هناك ضغوطات كبيرة على الماكينة الإعلامية لبناء رمزية تضاهي رمزية الملك عبدالله للمرحلة المقبلة.

هناك مجموعة من المؤسسات التي تشكلت في عهد عبدالله مثل هيئة البيعة، ليس معروفاً ما سيكون مصيرها، فالملك يملك صلاحيات واسعة جداً وهو يقرر ما إذا كان سيترك المؤسسات التي أنشأها سلفه أم سيستحدث قرارات وتعيينات ومؤسسات جديدة، الملك سلمان ليس مفصولاً عن تجربة عبدالله بل كان جزءاً منها.

هل يمثل الملك سلمان لدى السعوديين ثقلاً أو قائداً أم ماذا؟

– سلمان يمثّل رمز الجناح السديري وعندما نتحدث عن الجناح السديري يعني عن جناح داخل العائلة الحاكمة مؤلف من 7 أشقاء يتحدرون من أم واحدة من عائلة السديري وما تبقى منهم على قيد الحياة ثلاثة بعد وفاة أربعة منهم وهم الملك فهد والأمير سلطان والأمير نايف والأمير تركي. ومن تبقى هم الملك سلمان والأمير احمد الذي أعفي من منصبه كوزيرٍ للداخلية العام الماضي والأمير عبد الرحمن، وسلمان يمثل رمزاً لهذا الجناح السديري وآخر امتداد له ما يعول عليه في إحداث تغييرات كبيرة جداً وإعادة إنتاج هذه السلطة المفتتة من خلال الأوامر السريعة التي أطلقها منذ اللحظة الأولى لوفاة عبدالله، ومنها تعيين إبن أخيه محمد بن نايف ولي ولي العهد وابنه محمد بن سلمان وزيراً للدفاع ما يمهد لتغييرات أخرى في الدولة بما يؤدي الى إضعاف منافسه جناح عبدالله الممثل بالأمير متعب قائد الحرس الوطني. فالملك سلمان هو اللاعب الوحيد في الميدان وما يقوم به سيؤدي إلى تهميش للغالبية الساحقة من الأمراء السعوديين.

هناك من يقول إن ما حصل هو انتقال سلس للسلطة؟

– هذا غير صحيح، لأن ما حصل هو أن الملك لم يكن قد ووري في الثرى، حتى بدأت تصدر القرارات وتنسف ما قام به الملك السابق ما يؤشر إلى وجود أزمة كاملة لتصدر هذه القرارات المبيتة بل أوحي للرأي العام الدولي أن هناك انتقالاً سلساً للسلطة. ففي داخل العائلة الآن يوجد ما يشبه النزاع الشرس، فهناك 13 أميراً داخل الأسرة المالكة لم يبايع أحد منهم ولي ولي العهد محمد بن نايف قبل وفاة عبدالله إلا أمير واحد وغاب الآخرون.

صراع الأجنحة كان دائماً موجوداً لكن هذا الصراع يتصاعد والنزاع يتسع وبالتالي تآكل للمشروعية والوحدة وضعف الدولة يزيد خطورة. والخلاف ليس مقتصراً فقط على انتقال للسلطة من جيل إلى جيل، بل شعور عددٍ كبير من الأمراء بأن السلطة تتقلص وتقتصر على بيت أو أسرة واحدة، فالسلطة تقتصر اليوم على ثلاث بيوت بيت عبدالله وسلمان والأمير نايف وبقية الأجنحة خارج السلطة.

هناك نزعة لدى كل ملك أن ينقل السلطة الى أبنائه وهناك وثيقة أميركية عبارة عن تقرير قدمته لجنة الشؤون الخارجية للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في بداية عهده تظهر طلباً من الملك فهد للأميركيين ان يدعموه في ترشيح ابنه عبد العزيز بن فهد خليفة له، وما يدل على ذلك ان كل القرارات التي اتخذها الملك عبدالله هدفت بالدرجة الأولى الى ايصال ابنه للحكم، وتعيين الأمير مقرن ولي ولي العهد بدعة لم تكن موجودة وذلك ليكون هذا ملزماً للملك سلمان وهذا سلاح يستخدم لمنع سلمان من استهداف جناح الملك عبدالله ما يشير إلى عمق الخلاف، واليوم مقرن أصبح ولي العهد وبالتالي ضمن مكانه في العرش وهناك نية مبيتة للجناح السديري باستبعاد مقرن وتعيين الأمير احمد بن عبدالعزيز مكانه وهو الذي أعفاه الملك عبدالله من منصبه سابقاً وعين مكانه محمد بن نايف، ولو قرر سلمان إعفاء مقرن من منصبه وهذا يشكل تجاوزاً للخطوط الحمراء، ولكن قد يرغم على التنازل لسبب او لآخر والإتيان بأحمد بن عبدالعزيز ولياً للعهد وعندها يكون الحكم للسديرية بالكامل، الملك سديري وولي العهد سديري وولي ولي العهد سديري فيصبح مقرن وجناح عبدالله خارج السلطة. ووجود مقرن في منصبه الحالي هو الضمانة الوحيدة لوصول متعب بن عبدالله إلى العرش وفي حال موت سلمان يصبح مقرن ملكاً ويصبح محمد بن نايف ولي العهد ثم يصبح متعب ولي ولي العهد.

لا اعتقد ان هذه الخطة التي وضعها عبدالله ستسير كما خطط لها بل سيحدث سلمان تغييراً بحيث يقطع الطريق على وصول متعب إلى العرش والتنافس اليوم بات مفضوحاً والصراع مفتوح.

إلى أي مدى تدخل الأميركي في اختيار الملك؟

– لا شك في أن لأميركا دوراً مركزياً في عملية انتقال السلطة واختيار الأشخاص المناسبين لمناصب سيادية وحساسة، مثلاً في العام الماضي كان هناك سباق بين محمد بن نايف ومتعب بن عبدالله باتجاه واشنطن لتقديم أوراق اعتمادهما، وفي النهاية الأميركيون قرروا من هو مناسب لهذا المنصب ومحمد بن نايف هو الأوفر حظاً بالنسبة الى الأميركيين قياساً الى أمراء آخرين، لذلك بارك الأميركيون محمد بن نايف لأنه يحتفظ بعلاقة وثيقة معهم ممتدة بعلاقة والده الأمير نايف الذي وقع اتفاقيات كبرى في عهده بمشاركة ابنه محمد وهناك مباركة أميركية لهذا النظام وللتشكيلة والقيادة في السعودية، ويوجد في الداخل الأميركي تطلع لأن يحكم الجيل الثاني باعتباره تعلم في الغرب وصار يفهم لغته بعكس الملوك الآخرين الذين تربوا في القصور، لذلك كان الأمير بندر بن سلطان أقرب اليهم لأنه يفهم لغتهم وتربى عندهم ويستجيب لمتطلبات السياسة الأميركية في المنطقة.

ما هو مصير وزير الخارجية سعود الفيصل وبندر بن سلطان الذي اتهم بالارهاب وتأسيس «القاعدة»؟

– سعود الفيصل سيبقى في وزارة الخارجية لأن هذه الوزارة كانت تاريخياً في بيت الملك فيصل وليست من الوزارات التي تكون موضع تنافس، ولأن الفيصل صاحب تجربة طويلة وآل فيصل لا يتطلعون للمنافسة على العرش، ولا يمكن أن نستبعد رؤية الفيصل في دمشق ويلتقي مع وزير الخارجية السورية وليد المعلم إذا ما تغيرت السياسات. بالنسبة الى بندر هو رجل مهمات وليس مناصب وأشبه بالمغامر، إما ان يربح ربحاً صافياً وإما خسارة صافية، لذا هو ليس رجلاً ديبلوماسياً، بل مقامر وتميز بإدراكه لملفات معينة وقربه من الأميركيين ما يعطيه دفعة للعودة الى منصب ما لكن تطلعه، الذي يفوق كل الأمراء، لأن يصبح ملكاً يجعله غير مرحب به في هذه المرحلة. وطالما أن محمد بن نايف يدير الملف الأمني، فدور بندر معطل، بل هناك من يحسبه على جناح متعب بن عبدالعزيز أي الملك عبدالله، واليوم لا أتوقع ان يحتل بندر منصباً جديداً وذلك لعدم وجود ملفات تدار، بل الآن يجب تطويق تداعيات ما ارتكبه من صيف 2012 بعد أن أتى بكل مقاتلي الدنيا إلى سورية لإسقاط النظام فيها، فيما تبين انه فشل وعليه أن يتلقى الضربات ويطوق تداعيات هروب المقاتلين وتنامي ظاهرة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي.

إلى أي مدى ستتغير السياسة الخارجية مع سلمان ومع زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرياض مع الوفد المرافق؟

– الوفد الذي أتى مع أوباما يرمز إلى استمرار التحالف التاريخي بين السعودية وأميركا وأن تغيّر الملك لا يغير موقفها وتحالفها مع المملكة. وقد جاء أوباما إلى الرياض ليقدم رؤية وتقييماً للمرحلة السابقة ويحاول المزاوجة بين الرؤيتين الديمقراطية والجمهورية، وتؤشر الى ذلك طبيعة القضايا التي طرحها أوباما للملك سلمان، الصراع العربي – الإسرائيلي والعلاقة مع إيران وروسيا والملفان اليمني والعراقي. فالزيارة هي رسم لمعالم مرحلة جديدة، ويدرك السعوديون بأن المفاوضات النووية بين الغرب وإيران تتجه إلى الحسم وتوقيع اتفاق نهائي، والأميركيون أبلغوا السعوديين سابقاً بضرورة الانفتاح على إيران لذلك لم يطلب سلمان بعد لقائه أوباما الحرب على إيران أو وقف المفاوضات بل فقط منع إيران من امتلاك السلاح النووي، إذ إن الرياض توصلت إلى قناعة بأنها غير قادرة على ايقاف المفاوضات.

هل سنشهد تواصلاً بين إيران والسعودية؟

– الظروف غير ناضجة الآن والمتغير اليمني أحدث زلزالاً في الرياض لأن السعودي يعتبر أن إيران أصبحت على حدوده.

كيف سيواجه سلمان التحدي اليمني؟

– هناك ما يشبه اليد المفتوحة من اليمن للسعودية لطمأنتهم بأن الذي حصل هو مطلب شعبي لا علاقة له بالواقع الاقليمي بل حاجة شعبية للانتقال بالسطة الى دولة ديمقراطية وللسلم والشراكة وبالتالي ما يتغير لا ينطوي على تهديد لأي قوة إقليمية أو دولية، فالسعودية دائماً حساباتها قائمة على صراعات النفوذ، فهل يمكن ان ننفي وجود تدخل سعودي في لبنان؟ هل يوجد قوات سعودية على الأرض اللبنانية؟ كلا، بل لديهم حلفاء ينفذون أجندتهم ويمكن السعودية ايضاً ان تتدخل ايجابياً وليس سلبياً بأن تدعم حراك الشعب اليمني وحقوقه، والسعودية تسطيع أن تكون القوة الأكثر نفوذاً في اليمن لو تدخلت ايجابياً من دون ان تدعم الفتن او شراء قيادات سياسية وعسكرية يمنية بما يؤدي إلى تمزيق النسيج السياسي والاجتماعي اليمني، فالوهابية دخلت الى المجتمع اليمني وأحدثت هذا الانقسام.

كيف ستكون سياسة سلمان بالنسبة الى الأقليات في الخليج، لا سيما في البحرين والسعودية؟

– المعارضة في الخليج هي سياسية وليست مسلحة وهي على درجة كبيرة من الوعي والرقي في خطاباتها التي تتبنى الإصلاح وتحرص على وحدة وأمن وطنها على رغم ما ارتكبته الأنظمة من ارتكابات فاضحة، واليأس لدى المعارضة ليس خياراً بل ستستمر الحركة المطلبية طالما هناك خلل في النظام السياسي، هناك حاجة للاصلاح السياسي ترتقي الى مستوى الحتمية في دول الخليج.

كيف ترى علاقات الرئيس سعد الحريري بالسعودية في العهد الجديد؟

تاريخياً علاقة آل الحريري كانت بين الرئيس رفيق الحريري مع الجناح السديري الممثل بالملك فهد، وكان من المتوقع ان تتراجع مع الملك عبدالله لكنه حافظ على زخمها وأهميتها وعلى مركزية آل الحريري في لبنان ولم ينقلها الى بيوتات أخرى، وسيبقى الحال كما هو عليه ولكن مع وجود علاقة غير مستقرة بين سعد الحريري ومحمد بن نايف بسبب وصفه بالسفاح ما ازعج محمد بن نايف لكن سيبقى الرهان السعودي في لبنان على آل الحريري وأي رهانات أخرى غير مضمونة، وهناك مصالح تجارية وسعد سعودي الجنسية وسيكون التدخل السعودي في لبنان أقل لأسباب مالية واقتصادية وتراجع اسعار النفط.

يبث هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة مساءً ويعاد بثه الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» تردد 12034

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى