«الإتصال والإعلام والثقافة: عتبات التأويل» كتاباً بحثيّاً لنصر الدين لعياضي

يهتمّ كتاب مجلة «الرافد»، في عدده الأخير، كانون الثاني 2015، بالإعلام المحلي والعالمي كوسيلة معاصرة للتواصل والتفاعل المجتمعي بين الأفراد والدول، من خلال بحث عنوانه «الاتصال والإعلام والثقافة: عتبات التأويل» للباحث الجزائري نصرالدين لعياضي، محاولاً الوصول عبر المحاور والنقاط المطروحة إلى رؤية حاضرة وأخرى مستقبلية تلف الوضع بأكمله.

الكتاب فاتحة للتأويل وفتح أفق جديد للتفكير في موقع وسائل الإعلام داخل المجتمعات، وموقع هذه المجتمعات في وسائل الإعلام، لتقديم معلومات جديدة أو مكررة، إنما للتفكير في العديد من المواضيع الشائكة والراهنة، مثل: الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية للتغييرات التقنية للتلفزيون، والضوابط القانونية للبث التلفزيوني في الزمن الرقمي، ورهانات الثقافة المجانية، وتذويبها في اللعب، وما بعد أزمة الصحافة الورقية.

إحدى النقاط التي يتمّ التركيز عليها هي حول سبب يقتصر الحديث عن الصحافة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية فحسب لوصف ما تشهده الأزمة القاتلة، ونستثني وضع الصحافة العربية وغيرها من التجارب الهندية والصينية واليابانية على سبيل المثال؟ ولماذا يتم التطرق إلى الصحافة دون سواها لدى الحديث حول التحوّلات التي تشهدها البيئة الإعلامية الجديدة مثل الإذاعات والتلفزيون؟

يذهب الكاتب كذلك إلى أن التكنولوجيا ليست مسألة تقنية فحسب، أثناء حديثنا عن تأثيراتها في الوسائل الإعلامية والصحافية المختلفة، إذ «استنتج مسؤولو القنوات التلفزيونية الكلاسيكية من التغيّرات الكبرى التي يعيشها قطاع الإنتاج السمعي ـ البصري ومؤسسات بثه أن الصناعات الثقافة والإعلامية المرئية تعيش عملية إعادة هيكلة اقتصادية كبرى ستؤثر لا محالة في الممارسة الثقــافية والإعلامية والاتصالية في المستقبل. وثمة نقطة محورية أخرى يبدو طرحها الآن غاية في الأهمية، هي ضرورات ضبط البث التلفزيوني وشروطه، إذ يشير إلى أن الحاجة إلى إعادة ضبط البث التلفزيوني في المنطقـة العربية أجّلت على نحو واضح منذ فترة.

بيد أنّ المناقشة حولها لم تفعّل بعد. وبالتالي ثمة توجيه لنشاط القنوات التلفزيونية نحو الارتقاء بالثقافة الوطنية وحمايتها، خاصة في المجتمعات التي تقاوم ذوبان ثقافتها في مدّ «العولمة» أو التي تسعى إلى الحفاظ على لغتها الأصلية أو تعدديتها اللسانية والثقافية.

من ناحية أخرى، يقول الباحث عن برامج المنوعات كظاهرة فنية وثقافية تغزو المجتمعات العالمية: «خلافا للبرامج التلفزيونية التي تعمّر طويلا في الدول الغربية والتي تتحول إلى مؤسسات ثقافية واجتماعية، يتوارثها المذيعون والصحفيون، نلاحظ أن برامج المنوعات في الشاشات العربية، شأنها شأن العديد من البرامج التلفزيونية، تظهر لتختفي باختفاء مذيعها أو منشطها، لأن مركز ثقلها لم يكن الموضوع أو طبيعة الضيوف. يتناول الكتاب مسألة الإعلام البديل في ظل التطور التكنولوجي، بل المذيع ذاته إلى درجة أن عنوان بعض البرامج التلفزيونية اتخذ اسم المذيع كأنه ملكيته الخاصة». وكخلاصة للمستوى الإذاعي بين الأمس واليوم في المنطقة العربية، يورد الكاتب مثلاً فيسأل: «من يتذكر صوت المذيع عبد الستار فوزي يصدح يوم 30 حزيران 1936 معلناً عن ميلاد الإذاعة العراقية لا يشدّه الحنين إلى ذلك الزمان فقط، بل يجزم بأن ما يسمعه اليوم في مختلف المحطات الإذاعية العربية يختلف اختلافاً كبيراً عمّا كان يسمعه في إذاعة العراق في سنوات ميلادها الأولى رغم أنها لم تكن تبث يومياً».

ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى مسألة الإعلام البديل في ظل التطور التكنولوجي الخيالي وتدفق المجتمعات وراءه، وتهديده للصحافة الورقية التي تعيش لحظات صعبة اليوم. ويدخل بعض التجارب لدول ومؤسسات إعلامية اختارت أن تحتوي هذا النوع من الإعلام قانونياً لتضمن وجودها، وخطابها الصحافي العام، أما السؤال الأهم الذي يلخص كل الإشكاليات السابقة، فهو: «هل أصبحت الثقافة في هذا العصر مجانية؟». ويجيب موضحاً أن هذا ما تكشف عنه قائمة المواد والخدمات الثقافية التي أصبحت في متناول الجمهور دون مقابل مادي.

كانت هذه القائمة تقتصر على قراءة الكتب في المكتبات العامة وغيرها من التفاعلات الثقافية الحية التي تتطلب جهداً مادياً وجسدياً. إلاّ أن شبكة الإنترنت بمصادرها المفتوحة الشرعية أو غير الشرعية عززت مفهوم التحميل المجاني للأفلام والأعمال الموسيقية والكتب والمجلات وغير ذلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى