عن اضطراب العلاقة بين العسكريين والمدنيين: هل تورّط الكيان الصهيوني مع إيران مباشرة!

أحمد أشقر

في الثامن عشر من شهر كانون الثاني 2015 قامت طائرة «إسرائيلية» أو أكثر بقصف موقع عسكري في القنيطرة السورية مما أدّى إلى استشهاد ستة مقاتلين من حزب الله واللواء الإيراني محمد عليّ الله داداي. بعدها أجمع المراقبون أنّ «إسرائيل» اقترفت «حماقة» غير معهودة، وأنّ ردّ حزب الله وإيران آتٍ لا محالة. و«إسرائيل» التي سرعان ما أدركت حماقتها تحاول تطويق تداعيات هذه الحماقة بأساليب تكشف عن ذعرها وعدم إدراكها لما يجري حولها بدقة متناهية. فبعد يومين أعلنت حكومتها المستوى المدني أنها لم تستهدف اللواء الإيراني… أما جهاز «الموساد» المستوى العسكري فقد نقلت عنه وكالة «بلومبرغ» الإخبارية في 22. 1. 2015 أنّ مسؤولين رسميّين فيه بعثوا برسالة إلى المشرّعين الأميركيين تعبّر عن وجهة نظره يؤكدون فيها أنّ فرض عقوبات إضافية على إيران سيمسّ بالمفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وذلك خلافاً لموقف رئيس الحكومة «الإسرائيلية» «بنيامين نتانياهو». وكشفت القناة العاشرة «الإسرائيلية» في نشرتها مساء يوم الجمعة في 23 من الشهر ذاته أنّ «إسرائيل» وسّطت روسيا مع إيران وحزب الله وإذا كان لا بدّ من ردّ من إيران وحزب الله فليكن ولكن ليس على أهداف مدنية… واحدة بواحدة يقول «الإسرائيليون».

على خلفية هذه المسألة: القرارات «الإسرائيلية» التي يشترك فيها المستويان العسكري والمدني، يجدر بنا تحرّي العلاقة بينهما وكيفية اتخاذ القرارات المختلفة. ولفهم هذه الخلفية لدينا مادة نوعية عبارة عن تلخيص ليوم دراسي بحث المشاركون فيه علاقة المستويين المدني الحكومة والعسكري الجيش وأذرعة الاستخبارات المختلفة قبل صدامات عسكرية وحروب واتفاقيات مختلفة، وخلالها وبعدها، مثل عدوان عام 1967، وزيارة السادات عام 1977، والانتفاضة الأولى عام 1987، واتفاقية أوسلو عام 1993، والانسحاب من لبنان عام 2000.

وقد تحدث في ذلك اليوم سياسيون وضباط جيش ممّن شهدوا على تلك الصدامات والحروب والحوادث الأخرى من داخل الجهاز والنظام بمُستوييه السياسي والعسكري. أي أننا أمام وثيقة هامة تشهد على تلك العلاقة وتحللها وتنتقدها. وفي ما يلي سنقوم بتقسيم عرضنا كما عرضها المحرّر على ثلاثة أقسام، ونلخصّ المقالات ونتحدث عن كاتبيها:

القسم الأول يناقش هذا القسم إذا كان الجيش ذراعاً تنفيذية لقرارات الحكومة أم شريكاً في إعدادها وصياغتها أيضاً. وفيها نقرأ مقالين يعبّر كلّ كاتب عن وجهة نظر مختلفة حول الموضوع:

1 – النقاش بين المستوى السياسي والمستوى العسكري: المرغوب والموجود… المقال لـ«موشي يعالون» رئيس الأركان السابق ووزير العدوان الحالي . ويقول بضرورة التواصل والحوار الدائم بين المستويين المدني والعسكري كي يتمّ إنتاج مفاهيم ومدارك وخطاب من أجل بلورة الخطة الصحيحة. لكنه عندما انتقل إلى السياسة ادّعى بأنه أصبح للجيش وزن كبير باتخاذ القرارات، لذا طالب بإقامة أطر مدنية مثل «مجلس الأمن القومي» الذي ترأّسه عند تشكيله لفترة ما ص 15- 18 . ويمكن القول إنّ يعالون انقلب على قناعاته قبل دخوله السياسة، لأنه قوبل بمعارضة شديدة من قبل الجيش لتوجهاته المختلفة، خاصة أنه قال ذات مرة: من يريد أن يدخل قيادة الأركان عليه أن يلبس الجزمة لأنها مليئة بالأفاعي. أي أنّ تلك «الأفاعي» لم تنس ما قاله ضدّها.

2 – منطلقات المُستَوَيين في الصدامات العسكرية… لـ«يهودا بن مئير» أستاذ جامعي في علم النفس ونائب وزير خارجية سابق وباحث في مركز يافِه للدراسات الاستراتيجية … ويقول فيه إنّ الجيش هو أحد الأذرع التنفيذية للحكومة، إلا أنّ قيادة الجيش تميل إلى نسيان هذا دائماً. وتعتبر نظرة بن مئير تجاه العلاقة بين المُستويين نظرة تقليدية تنتمي إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أي كما عرفها قانون أساس الجيش عام 1976 ص 19- 23 . وإذا علمنا أنّ بن مئير في العقد الثامن من عمره نفهم من أين تنبع آراؤه التي تعبّر عما ما هو مكتوب وليس عما هو موجود.

القسم الثاني يقول الكتّاب الذين اشتركوا في هذه الجلسة إنّ العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري تنطوي على خلل وغير واضحة المعالم، وتختلف من رئيس حكومة إلى آخر من حيث قبوله موقف الجيش مثل بيغن أو عدم إشراك الجيش في اتخاذ القرارات مثل رابين وشارون وباراك الذين هم من خلفيات عسكرية والوسطي مثل نتنياهو . وعلى كلّ حال يتحدث الجميع عن صراع داخلي حول الولاية على اتخاذ القرارات الاستراتيجية والعسكرية:

-1فترة الانتظار أيار 1967 : حالة بحث لعلاقات المُستويين… يكتب «عامي جلوسقا» عقيد في الاحتياط وأستاذ في علوم الدولة في الجامعة العبرية وكلية أشقلون ، عن علاقة المستوى السياسي بالجيش عشيّة عدوان حزيران 1967. يقول إنّ الجيش والمجتمع ضغطا على المستوى السياسي كي يشرع في العدوان، إلا أنه – أي الجيش – لم يكسر الجرّة في ضغطه وانتظر قرار المستوى السياسي ص 25- 34 . وما يقوله «جلوسقا» بالغ الأهمية، لأنه يشير إلى أنّ المجتمع والإعلام أكثر عدوانية من المستويين المدني والعسكري.

2 – الخطوات باتجاه حرب يوم الغفران… يكتب «شلومو غازيت» جنرال احتياط وباحث في «مركز يافِه للدراسات الإستراتيجية» ، قائلاً: إنّ النقاشات التي تدور بين المستوين السياسي والعسكري تأخذ مستوى «الميكرو» وليس «الماكرو»، وإنّ النقاشات قبل حرب 1973 كانت في هذا المستوى فقط، لذا حمّل المستوى السياسي الجيشَ نتيجة الإخفاق في الحرب. وما يقوله العسكري غازيت، عَكْس أو لا يتفق مع ما تقوله الحكومة والمستوى المدني في ما يخصّ هذه الحرب أو أية حرب أخرى ص 35- 40 . باختصار: إنّ النقاش والحوار بين المستويين لا يأخذ كلّ الأبعاد المحيطة، المحلية والإقليمية والدولية بالقضايا المصيرية، لذا تتمكن «إسرائيل» من حلّ عقدة ما في عدوان أو اتفاقية ما، إلا أنها تقع في شرك عُقَدٍ جديدة لم تأخذها في الحسبان.

3 – حرب لبنان: من خطة واسعة إلى مختصرة وعود على بدء… يكتب «آريه نائور» باحث وأستاذ جامعي في علم الإدارة بجامعة بن غوريون في بئر السبع ، عن تأثير كل من «شارون» وزير الحرب و«رفائيل إيتان» رئيس الأركان على «مناحم بيغن» رئيس الحكومة في قراره لشنّ عدوانه على لبنان عام 1982، ويقول لم يكن لـ«بيغن» أيّ قرار مستقلّ أو مغاير أمامهما. ويستذكر بالقول إنّ «رابين» و«باراك» و«شارون» اتخذوا قراراتهم العسكرية بمعزل عن تأثير الجيش. أما «بيغن» فقد فعل ما أراده الجيش، ونتنياهو كان وسطياً في مواقف وقضايا عدة بين المستويين السياسي والعسكري ص 40- 48 . وباختصار: إن بيغن لم يختبر الحياة العسكرية الرسمية في حياته في ظلّ الدولة، وكان ضعيفاً جداً أمام العسكر هنا لا نتحدث عن دوره في العصابات الإرهابية قبل وأثناء عدوان 1948 .

4 – اللاعب المُطيع: المستوى السياسي في فترة حرب الخليج 1991 … يكتب «موشي أرينز» وزير دفاع وخارجية أسبق كيف أطاعت حكومة «شامير» أوامر أميركا بعدم الردّ على العراق في حال هجومه على «إسرائيل». وفعلاً هذا ما حصل إذ لم تردّ على الصواريخ التي أطلقها العراق عليها 49- 53 . وهذا يدلّ على أن ليس لـ«إسرائيل» الدور الكبير في القضايا التي تبدأ وتنتهي في المستوى الدولي.

القسم الثالث يدور نقاش هذه الجلسة حول الانتفاضتين الأولى والثانية و«الحرب على الإرهاب». فيتحدث الكتّاب الثلاثة عن عدم وجود تواصل بين المُستويين السياسي والعسكري، وعدم وضوح رؤية السياسي في ما يخصّ تلك الأحداث:

-1علاقات المُستَوِيين خلال الانتفاضة الأولى… يكتب «عميرام مِتسناع» قائد المنطقة الجنوبية خلال فترة الانتفاضة الأولى ورئيس بلديتي حيفا ويروحام سابقاً والمرشح لرئاسة حزب العمل مرتين ، عن علاقة الجيش بالمستوى المدني. فيقول إنّ المستوى السياسي لم يعط الجيش أوامر واضحة من أجل تصفية الانتفاضة، لذا تعرّض للنقد والهجوم مرتين مرة من المستوى السياسي ومرة من وسائل الإعلام. وفي ظلّ هذا التعقيد يحاول الجيش «ابتزاز» المستوى السياسي كي يعرّف ويحدّد له ما هو مطلوب بوضوح ودقة متناهيتين ص 55- 60 . ويبدو أنّ النقاش الذي يدور بينهما هو في مستوى «الميكرو» المحلي من دون التفكير بالأبعاد الإقليمية والدولية.

2 – الحرب على الإرهاب: الحاجة إلى نموذج جديد في علاقات الجيش بالدولة… يكتب «عامي أيالون» رئيس جهاز الأمن العام/ الشاباك/ وقائد سلاح البحرية سابقاً ، مقالاً يبيّن فيه أنّ على الجيش أن يكون شريكاً في إعداد وصياغة السياسة في «إسرائيل»، لأنّ العلاقة بين القضايا الأمنية والسياسية الأخرى متبادلة ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. أيّ أنه يدعو إلى تغلغل الجيش في صناعة القرارات في كلّ المستويات في الدولة، لدرجة أنه يقول: لا يحقّ للمستوى السياسي أن يرسم للجيش سياسته الاستراتيجية والعسكرية ص 61- 68 . وما يقوله «أيالون» في غاية الأهمية فالتقارير التي تصله عن كلّ سياسي بصفته رئيساً لـ«الشاباك» أقنعته بما لا يقبل الشكّ أنّ المستوى المدني غير جدير باتخاذ القرارات العسكرية لـ«إسرائيل».

3 – علاقات المُستويين في انتفاضة الأقصى: ماذا تغيّر؟ يكتب «عوفر شِيلح» كاتب صحافي في «معاريف» سابقا وعضو كنيست حالي من قبل حركة «يِش عتيد/ في مستقبل» عن العلاقة المفقودة بين المستويين السياسي والجيش. فيقتبس من «يعالون» الذي كان قائد أركان في حينه، أنه اطلع على خطة الانفصال عن غزّة من الصحف وأن الجيش لم يكن شريكاً أبداً في التخطيط لزيارة السادات عام 1977 واتفاقية أوسلو عام 1993 والانسحاب من لبنان عام 2000 ص 69- 74 . يبدو الأمر منطقياً فزيارة السادات التي حدثت عام 1977 تمّ إعداها بشكل سرّي نسبي، وكذا أوسلو، والانسحاب من لبنان في فترتي رابين وباراك اللذين لم يُشركا الجيش في قراراتهما.

مما تقدم نفهم أنّ «إسرائيل» لا تلمّ بكلّ معطيات «الماكرو» الإقليمية والدولية وبقيت أسيرة معطيات «الميكرو» الداخلية . لذا سارعت الحكومة من جهة، و«الموساد» من جهة أخرى، يناقض الطرف الآخر، إلى محاولة تطويق ما قدّ يحدث من تداعيات لم تأخذها في الحسبان. على العموم تفيد معطيات «الماكرو» أنّ محور المقاومة لم يعد يجني أرباحا تُذكر من حالة «الهدوء واللاحرب» الحالية وأنه بحاجة ماسّة إلى التخلي عنها لصالح حالة صدامية جديدة لأسباب أربعة:

أولها- باتت المقاومة اللبنانية تدرك أنّ عدم تمكّنها من تحرير مزارع شبعا ولجم «إسرائيل» من عدوان محتمل على لبنان والبقاء في موقع ردّ الفعل والدفاع ليس بالحالة الصحية لها ولجماهيرها. لذا يصرّح السيد حسن نصرالله أنّ المقاومة قادرة على نقل المعركة المقبلة إلى الجليل ووجود مقاتلين للحزب في الجولان والإشارات التي يتلقاها الحزب من إيران العلاقت القوية جداً والنظام السوري زيارة وزير الدفاع إلى القنيطرة في 23. 1. 2015 والمقاومة الفلسطينية رسالة محمد الضيف في 23. 1. 2015 إلى السيد نصرالله حول الأهداف المشتركة للمقاومة ومن الطرف الروسي لقاء السيد بوغدانوف، نائب وزير الخارجة الروسي، مع السيد نصرالله بتاريخ 8. 12. 2014 ، تؤكد له أنّ المقاومة لن تبقى وحيدة في المعركة المقبلة. بالمناسبة: يأخذ «الإسرائيليون» تصريحات السيد نصرالله على محمل الجدّ.

ثانيها- أدرك النظام السوري أهمية فتح معركة تحرير الجولان لإفشال مخططات تدمير سورية والتأكيد على أنّ معركة سورية الرئيسية ليست داخلية بل من أجل تحرير الجولان. خاصة أنّ حزب الله والطرف الإيراني أخذا عنه مسئولية المعركة العسكرية لأنه مشغول بمعركته مع أعداء الداخل. ويؤكد تواجد مقاتلي حزب الله واللواء الإيراني على ضرورة أن يصبح الجولان ميدانَ صدامٍ مقبل. وتأتي زيارة وزير الدفاع السوري العماد جاسم الفريج في 23. 1. 2015 إلى القنيطرة لتبارك أيّة معركة مقبلة.

ثالثها- رغبة حركة المقاومة في فلسطين بإصلاح فشلها بعدما تصرفت بغباء منقطع النظير وسلّمت بطولاتها أثناء العدوان الأخير على غزة في العام 2014 وائتمنت عليها خالد مشعل والقطري والمصري والتركي، أطراف لا يمكن ائتمانها حراسة دراجة طفل ريثما يخرج من بقالة الحي، وبقاء أكثر من 150 ألف غزيّ في عراء البرد والحرّ. وتأتي رسالة محمد الضيف المذكورة إلى السيد حسن نصرالله لتقول بضرورة أن تكون المعركة هذه المرّة مشتركة وشاملة.

ورابعها- بات الطرفان الروسي والإيراني يدركان أنّ التصدّي لعملية خفض أسعار النفط التي تقوم بها السعودية وحلفاؤها، يتوجب عليهما نقل المعركة إلى قلبها أو أطرافها. وفي الآونة الأخيرة يحقق كلّ من الروسي والإيراني نجاحات على أطراف العباءة السعودية والخليجية عموماً بتقدم الحوثيين في اليمن وإلى باب المندب، بوابة النفط السعودي إلى العالم. وتأتي الاتفاقيات التجارية بالعملتين الوطنيتيّن التي تمّ توقيعها مؤخراً بين الدولتين، وزيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بين 19 و 22. 1. 2015 إلى إيران وتوقيعه اتفاقيات عسكرية مختلفة لتصبّ في هذا الاتجاه واتجاهات حزب الله والنظام السوري. وعلينا أن نضيف أيضاً أنّ الإيراني يتقدم في مشروع انتزاع الشرعية الدولية لمشروعه النووي من خلال المفاوضات مع الخمسة + واحد.

يبقى القول: هذا تحليل وليس يقيناً. فاليقين عند من يطلق ويتلقى الرصاص بجسده.

ashkar33 hotmail.com

علاقة المستوى المدني والمستوى العسكري في «إسرائيل» على خلفية صدامات عسكرية ـ تحرير: رام إيرِز ـ مركز يافه للدراسات الاستراتيجية، 2006، 78 صفحة، بالعبرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى