ما بين «العميد» و«العماد»… «جهادٌ» تغتاله «إسرائيل»

ناجي سليمان

في أحد الأيام من صيف أو شتاء 2003 أو 2004 وحتى 2006، كلّ التواقيت تصحّ، كان العميد محمد سليمان يقضي إجازته في مدينة دريكيش الواقعة على إحدى القمم في جبال الساحل السوري.

في بيتٍ ريفيٍّ بسيط كان يعرّف سليمان زائريه على رجلٍ غالباً ما كان يرافقه، يقولُ لهم: «سلّموا على الحاج رضوان».

حينها لم يكن أحد من الزائرين يعرف من هو الحاج رضوان، وإنْ عرفه لم يكن يعلم ثقل أيّ من الرجلين، فالعميد محمد سليمان كان رجل الظلّ في النظام السوري وخزّان أسراره ومنسّق الكثير من ملفاته، فيما الحاج رضوان الاسم الذي عُرِف به الشهيد القائد عماد مغنية، كان مهندس انتصار تموز 2006 والرجل الأخطر في العالم وفقاً لتصنيف أكثر من 42 جهاز استخباراتٍ دوليّ.

لم تكد تنتهي حرب تموز، حتى بدأت استخبارات العدوّ «الإسرائيلي» في البحث عمّن لعب أدوار البطولة في ذلك الانتصار، إلى أن كان اغتيال الشهيد عماد مغنية في شباط 2008.

كان مغنية كثير التردّد إلى سورية حتى أنّه كان يمضي في دمشق وقتاً أطول مما كان يمضيه في بيروت، نظراً إلى حريّة التحرّك فيها ولظروفها الأمنية الجيّدة في تلك الفترة، كما أنّ ذلك يوفّر له التنسيق بشكلٍ شخصيّ مع النسق الأول من الشخصيات في القيادة السورية، وكذلك مع بعض قادة الفصائل الفلسطينية التي اتّخذت حينها من دمشق مقرّاً لها.

عملية الاغتيال تلك أخذت من «الموساد الإسرائيلي» أشهراً من التخطيط وربما أكثر بحسب ما سُرّب عبر صحافة العدو، وبحسب ما أشارت إليه تحقيقات حزب الله لاحقاً.

ستة أشهرٍ فقط، فصلت تلك العملية عن موعد اغتيال العميد محمد سليمان نظراً إلى دوره المنسِّق بين قصر الروضة في دمشق وبين مكانٍ ما، من ضاحية بيروت الجنوبية أثناء حرب تموز 2006، هذا ما أكدّه السيد حسن نصرالله في حواره مع صحيفة «الأخبار» الصّيف الماضي، إضافة إلى كونه مسؤولاً عن موقعٍ كانت تعدّه سورية لإنشاء مفاعلٍ نوويّ قرب دير الزور وذلك بحسب كتاب «الموساد العمليات الكبرى».

من أعطى أمراً بقصف موقع «الكبر» في دير الزور، هو ذاته من أمر باغتيال العميد سليمان، هذا ما يوضّحه الكتاب نفسه. طلقتا قناص استقرّت إحداها في رأس سليمان والأخرى في صدره، حدث ذلك في منتجعٍ صيفيّ على شاطئ مدينة طرطوس.

سيناريو حرب الاغتيالات تكرّر هو نفسه الأسبوع الماضي ولكن بأحداثٍ وشخصياتٍ أخرى، وبخرقٍ استخباريّ خطيرٍ هذه المرة.

فمن هو ذا الذي يستطيع تحديد خروج 6 قياديين من صفوف الحزب برفقة ضابطٍ إيراني، في جولةٍ ما إلى مكانٍ محدّد وفي زمانٍ محدّد؟ بالتأكيد هو سؤالٌ لا يغفل عنه المعنيون في حزب الله، ومن المرجّح أنهم يبحثون عن جوابه قبل الشروع في أيّ عملٍ آخر.

ثمّ أنّه ليس من المقنع أن تتجرأ طائرةٌ «إسرائيلية» وتستهدف سيارتين لمجرد افتراض وجود قياديين مجهولين فيها من دون توفّر معلوماتٍ دقيقة وقرارٍ مسبق من مستوى قياديٍّ عالٍ في كيان العدوّ، باغتيال من أُريدَ اغتياله.

جهاد عماد مغنية، الشاب اليافع الذي عرفناه راثياً لأبيه، كان من بين الشهداء، شكّل استشهاد جهاد حالة تعاطفٍ مضاعف من/ومع بيئة حزب الله الشعبية.

بعد سبع سنوات ردُّ حزب الله رسميّاً على اغتيال مغنية الأب لم يأتِ بعد، وهذا يؤكد فرضية أنّ الحزب لا يعمل بردّ الفعل، بل هو يتعمّد الردّ على ساعته، لا في التوقيت الذي ينتظره العدوّ، وهذا يعني أنّ الردّ الذي بات مضاعفاً، قد يقترب موعده وقد يبتعد قليلاً، فهناك حليفٌ سوريّ يضغط بقوّة على جرحه النازف منذ سنواتٍ أربع، وعملية الاغتيال وقعت على أرضه، وكذلك في خلفية الصورة هناك شريكٌ إيرانيّ يعي الحزب جيداً أهمية استشارته والتنسيق معه على توقيت ردٍّ قد يُدخل المنطقة في حربٍ جديدة مع العدوّ «الإسرائيلي».

ما هو مؤكّد أنّه ثمّة خياراتٍ عديدة على طاولة الحزب الآن، أهمّها الثأر في أقرب فرصة لدماء رجلين يرقدان تحت التراب ويفصل بينهما مترٌ واحدٌ فقط، أحدهما أبٌ للآخر، وكلاهما يمثّل حالةً عاطفية في ضمير مناصري حزب الله والمقاومة، كما كلّ مقاوم بطل ارتقى شهيداً على طريق الجهاد والنضال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى