تقرير

كتب بوعز بسموت في «إسرائيل اليوم»:

قبل أسبوع، عندما خطب الرئيس أوباما خطاباً موجّهاً إلى الأمة، ذكر قضية المشروع النووي الإيراني ومعارضته تشديد العقوبات على إيران. وقال إنه في جميع الأحوال سيفرض الفيتو إذا ما قرّر الكونغرس فرض العقوبات على إيران. وعندما ردّد هذه الكلمات، ركزت عدسات التصوير على السيناتور الديمقراطي من نيوجرسي، روبرت ماندز.

ماندز هو من يقف على رأس لجنة الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، وهو أحد المعارضين الكبار لأوباما في القضية الإيرانية. وهو الذي بادر إلى مسيرة تشديد العقوبات على إيران مع زملائه الجمهوريين. وقد سجّلت الكاميرات التعابير غير الراضية لوجه السيناتور من خطاب أوباما، خصوصاً في موضوعين مهمين: الموضوع الإيراني والموضوع الكوبي. وفي حين يسعى أوباما إلى إحراز الانجازات وتسجيل المجد لنفسه، يضع له ماندز العراقيل.

إلا أن أوباما هو الرئيس، ولمن نسي ذلك فإنه من المعسكر الديمقراطي. وبكلمات أخرى، أوباما يخطئ حقاً. ولكن ما العمل إذا كان ماندز هو الصادق، وهو الأمر الذي لا يستسيغه البعض هنا في البلاد، ولا يقبلونه. والهرم السلطوي الأميركي يفرض أن الرئيس هو الذي يثني سيناتور من الحزب نفسه عن رأيه لا العكس.

أوباما مخطئ إلى حدّ كبير في سياساته الخارجية، وأيضاً في الموضوع الإيراني. ولكن الموضوع سياسي ـ أمني، أساسي وجوهري، ويتحول الآن فجأة ليصبح عاصفة سياسية أميركية انجرّ إليها نتنياهو. وعلى ضوء علاقاته المتوترة مع أوباما، كان يجب على رئيس الحكومة أن يطلع البيت الأبيض على موضوع وصوله إلى الكونغرس حتى لو كان هذا من اختصاص موجّهي الدعوة ـ رئيس مجلس النواب. ولكن هذه هي المشكلة في هذه القصة: المشكلة أننا قريبون جدّاً من اتفاق سيّئ أكثر من وضع عدم الاتفاق. لذلك فإن نتنياهو ملزم بالذهاب إلى الكونغرس وإلقاء الخطاب أمامه. وهذا ما هو متوقع منه.

منذ تجدّدت المحادثات النووية مع إيران في جنيف في تشرين الاول 2009، رأينا عدة تغيرات في التوجه في أوساط بعثات الدول العظمى. وفي اللقاءات الاولى مع الإيرانيين، كان هناك الكثير من الارتفاع والهبوط، خصوصاً الهبوط. وهذا لم يمنع الطرفين من التوقيع في تشرين الثاني 2014 على الاتفاق المرحلي، وهذا الاتفاق المرحلي كان يجب أن يقود إلى اتفاق دائم، وقد تأجل مرتين، والتاريخ المحدد لإنجازه 24 آذار، ويبدو أنّ لحظة الحقيقة في هذه القضية قد وصلت.

في واشنطن أيضاً، حصل تغير في المواقف بين البيت الأبيض والكونغرس، وحصلت خلافات في الآراء بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولكنها وضعت جانباً عندما طُرح موضوع المشروع النووي الإيراني. إذ إنّ الخشية من إيران نووية نتيجة اتفاق سيئ والادارة المتعجلة لنظام آية الله، أدّت إلى امتعاض الديمقراطيين وعلى رأسهم السيناتور الديمقراطي ماندز من نيوجرسي قبل بضعة أيام قال إن موقف أوباما يبدو وكأنه يُسمع من إيران ، وهذا ما يشكل تحدّياً للبيت الأبيض إذ بادر الكونغرس إلى اقتراح عقوبات جديدة ضدّ إيران. ولكن شيئاً لم يتغير منذ ظهور التعبير المعارض لوجه ماندز، واعتراضه على سياسة البيت الأبيض. وأعلن ماندز نفسه بعد ذلك الخطاب عن دعوة نتنياهو، وقال إنه يدرس إمكانية إعاقة قانون العقوبات المقترح.

لقد دُعي نتنياهو من قبل رئيس مجلس النواب جون باينر ليقول «إنني أعتقد» الخاصة بنتنياهو في القضية الإيرانية. إن لدى رئيس الحكومة أمران مهمان ليناقشهما: علاقته المتوترة مع أوباما والعاصفة السياسية الأميركية الداخلية التي أثارها موضوع دعوته إلى البيت الأبيض. والأكثر أهمية من كل هذا: الانتخابات في «إسرائيل» التي تحوّل كل خطوة لرئيس الحكومة إلى خطوة سياسية.

أجرى نتنياهو حساباته وتوصل إلى استنتاج مفاده أنه على رغم المخاطرة في صنع عناوين سلبية، فمن الأفضل له الخروج إلى الكونغرس لوقف النووي الإيراني الذي يغير موازين القوى في الشرق الأوسط في غير مصلحتنا. وفي جلسة للجنة التجارة الخاصة بالكونغرس الأميركي، أعلن ماندز أمس أنه يؤجل مبادرة تشديد العقوبات على إيران كما يريد البيت الأبيض، وبحسب أقواله، فإن في ذلك ما يمنح الوقت للرئيس، ولكن إلغاء قانون العقوبات الجديدة. ويجب أن نذكر أن السيناتور من نيوجرسي وزملاءه في الكونغرس يشككون في استعداد طهران للتنازل عن برنامجها النووي، وسيعجزون عن الاثبات أن برنامجها النووي هو لأغراض سلمية.

يجب الافتراض أن رئيس الحكومة خلال زيارته سيتعرض للنقد من وسائل الاعلام، ولكن نتنياهو هو الشخص الذي نقش على رايته عنوان وقف النووي الإيراني. وسيتم اتهامه بتجميد مسيرة العقوبات ومواصلة التسهيلات لإيران.

إن المنطق والعقلانية يلزمانا بالاعتراف بأن الغالبية في مجلسَي الكونغرس والشيوخ من الديمقراطيين والجمهوريين ما زالت مهدّدة بفيتو الرئيس الذي يستطيع فرضه على أيّ قانون. ولهذا السبب من المهم أيضاً وصول نتنياهو إلى الكونغرس، إذ إنّ المعركة الحقيقية ستبدأ في 24 آذار ولم يعد لذلك الكثير من الوقت.

إن السيناتور روبرت ماندز رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ قد قيّم موقفه واقترب من موقف الرئيس، لكن يصعب أن نصدّق أنه تنازل عن ضميره.

والملاحظة الأخيرة لأولئك الذين يدّعون أن نتنياهو أسقط قانون العقوبات فقط من أجل أن يحظى بالصور في الكونغرس، نذكّرهم أنه قبل بضعة أيام فقط، كانوا يعتقدون أنه يجب منح أوباما الفرصة. فما بالهم الآن؟ ربما يكون نتنياهو صادقاً.

صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى