ولادة الشرق الأوسط الجديد

كتب المحرر السياسي:

ستستمع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة غونداليسا رايس بكلّ انتباه وتمعّن إلى خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في خطابه التاريخي اليوم، كما سيسمعه العالم، وقادة كيان الاحتلال وجمهوره، ومحبّو المقاومة ومساندوها، وكلّ مهتمّ بخريطة العالم الجديد.

رايس ستنتبه إلى تكرار معادلة ولادة شرق أوسط جديد، في خطاب «السيد»، وتتوقف أمام هوية هذا الشرق الأوسط الجديد الذي يعلن السيد نهاية اللعبة فيه مجدداً رغم أنف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي سيستمع إلى ما يشجعه على المزيد من العقلانية في التعامل مع المعادلات الجديدة، في الشرق الأوسط الجديد الذي سيهمّ رايس التعرّف كثيراً إلى معالمه من خطاب السيد، شرق أوسط لا مكان فيه لـ«إسرائيل» صاحبة يد عليا ولا صاحبة جيش لا يُقهر يقرّر مواعيد وأمكنة الحروب في المنطقة، فهذا زمن قد ولى، شرق أوسط جديد، يتكامل فيه القتال ضدّ الإرهاب بالقتال من أجل استقلال الدول وكرامة الشعوب ورفعتها، ونيلها لحقوقها بالعيش الكريم واختيار أنظمة الحكم والحكام، شرق أوسط جديد تمتلك فيه الدول والشعوب كلّ التقنيات والعلوم التي تمكّنها من التحكّم بثرواتها الطبيعية، وتوطّن فيه هذه التقنيات وتنتجها لتشارك في الحضارة الإنسانية كمنتج لا كمجرّد مستهلك فقط، ولا يجرؤ أحد على تحديد لائحة المسموح والممنوع لها خارج نطاق القوانين الدولية، شرق أوسط جديد، لا مكان فيه لقرارات بعين واحدة ومعايير مزدوجة لمن يمثلون القوانين في العالم، ولا لمن ينشئون المحاكم لتجريم الأبرياء وتبرئة المجرمين، شرق أوسط جديد يتعايش فيه أهل الديانات السماوية في ما بينهم بروح التشارك والتسامح، والفرح، ويشاركون كلّ أبناء بلدهم ومنطقتهم بلغة الحوار لحلّ مشاكلهم المشتركة وتحقيق مصالحهم، من دون تدخل أحد من الخارج يملي عليهم إرادته، ويفرض عليهم أجندات لا تعبّر عن حقيقة تطلعاتهم ولا تشبه حضارتهم وتاريخهم ولا تناسب جغرافيتهم.

شرق أوسط جديد، يتعامل مع الدول بلغة احترام المصالح المشروعة، ويشارك في بناء نظام عالمي جديد قائم على التعدّد والعدل والندية، ليست القوة ما يقرّر الحق فيه، ولا حجم ترسانة أسلحة الدمار الشامل ما يمنح حق الفيتو لدوله وحكوماته.

في هذا الشرق الأوسط الجديد فلسطين هي البوصلة، والموقف من حقوق شعبها المظلوم هو المعيار للعلاقة بكلّ دولة وحكومة ومنظمة، حيث الإرهاب شريك للاحتلال وصنيعة للاستعمار، ومكوّن هجين لزواج غير شرعي بين تخلف الأنظمة وعسف الحكام ومشيئة الأجنبي.

سيستمع نتنياهو ويعضّ على الجرح، لـ«إسرائيل» الأوهن من بيت العنكبوت، التي تتجرّع سمّ الهزيمة، وتضطر أن تصمت، وفقاً لقوله وقول منافسه أفيغدور ليبرمان الذي هبط عليه وحي العقلانية فجأة فصار يعتبر الردّ على عملية مزارع شبعا تلبية لرغبة حزب الله باستدراج «إسرائيل» إلى حرب استنزاف.

موشي يعالون صاحب عبقرية إنكار معادلة «إسرائيل» أوهن من بيت العنكبوت، والقائل إنّ زمن خطاب بنت جبيل قد انتهى، ربما سيسمع أكثر من سواه أجوبة تضعه خارج اللعبة السياسية والحكومية المقبلة، فبقاؤه في المشهد سيجلب على الكيان والمستوطنين الكوارث، والنصيحة هي احذروا من توريطكم بالكوارث على يد هذا المشعوذ.

لا مكان في المشهد المقبل لـ«جبهة النصرة» على حدود فلسطين، ولا لعرّاب العلاقة مع «جبهة النصرة»، ومن وصفها بقوة الاعتدال، وبلور ونفذ خطط حزام الأمن على حدود الجولان، ومن يقول إنّ الاغتيالات هي خطة المرحلة المقبلة يفتح حرباً من نوع جديد، سيسمع رداً من «السيد» بأنّ الحساب المفتوح لم يغلق بعد والمقاومة لم تردّ على عملية استشهاد قائد نصريها الشهيد عماد مغنية، وبنك الأهداف قيد التجهيز، ليمسح يعالون يده على رقبته جيداً ويتحسّسها بعناية.

شرق أوسط جديد يرتسم من معالم لعبة تنتهي، يضع السيد النقاط على حروف جملتها الأخيرة.

بينما لا يزال المستويان السياسي والعسكري «الإسرائيليان» تحت وطأة العملية النوعية التي نفذتها المقاومة في مزارع شبعا أول من أمس ضد قافلة عسكرية معادية، يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الاحتفال التكريمي الذي يقيمه الحزب الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت «تعظيما لذكرى شهداء المقاومة في القنيطرة».

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن السيد نصر الله سيتحدث في الكلمة التي سيلقيها عن عملية شبعا «التي ثبتت معادلة الردع ووسعت نطاقها من لبنان إلى سورية لتنسحب على كامل محور المقاومة، وأن هناك متغيرات جديدة في الإقليم تعتبر نتاج صمود محور المقاومة في معركته الدفاعية».

محور المقاومة حاضر

وعشية إطلالة الأمين العام لحزب الله وصل مستشار رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي إلى بيروت على رأس وفد من نواب مجلس الشورى للمشاركة في إحياء ذكرى شهداء القنيطرة، في تأكيد على «أن تكريم الشهداء هو من محور المقاومة».

وأشارت أوساط مطلعة لـ«البناء» إلى أن كل مكونات محور المقاومة ستكون حاضرة في الاحتفال لتأكيد رسوخ هذا المحور»، لافتة إلى «أن الجمهورية الإسلامية في إيران لم تكتف بمشاركة سفيرها في بيروت محمد فتحعلي، إنما أرسلت وفداً ليؤكد هذا الاتجاه».

ولفتت المصادر إلى «أن إيران رغبت في إيصال رسالة مفادها أن الإيراني كان متابعاً لكل تفاصيل عملية شبعا، ويعتبر نفسه معنياً في هذه القضية من عدوان القنيطرة، إلى اليوم وصولاً إلى التطورات في المستقبل».

وأكدت مصادر عسكرية لـ«البناء» أن بعد معادلة الردع التي كرسها حزب الله، باتت هناك معادلة إضافية تقوم على أن الضربة يقابلها ضربة»، ولفتت إلى «أن إسرائيل فهمت أن أي عدوان تشنه على لبنان أو محور المقاومة لن يمر من دون ثمن».

إلى ذلك، يلتقي بروجردي اليوم عدداً من المسؤولين السياسيين من بينهم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، بعدما كان زار أمس والوفد المرافق روضة الشهيدين في الضاحية الجنوبية، والتقى وفد الفصائل الفلسطينية في السفارة الإيرانية.

وأكد بروجردي وقوف إيران إلى جانب المقاومة في لبنان ومساندتها ودعمها في مواجهة العدوان الصهيوني، وأمل «أن نشهد مخرجاً سياسياً لائقاً للأزمة التي تعصف بسورية وحلاً مناسباً. كما نأمل من الدول والجهات والأطراف التي عززت حمام الدم في سورية أن ترتدع عن تلك السياسات الخاطئة وأن تكون شريكاً ومساهماً في مجال إخراج العملية السياسية لتبصر النور وتضع حداً للأزمة».

وفي السياق، بحثت المنسق الخاص وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ في الوضع الأمني في جنوب لبنان مع رئيس الحكومة تمام سلام مبدية تقديرها لإعلانه التمسك بالقرار رقم 1701. وأجرت كاغ اتصالاً بمساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان الذي أكد حق المقاومة بالدفاع عن نفسها أمام اعتداءات الكيان الصهيوني.

وأعرب عبد اللهيان عن أسفه لـ«عدم إبداء الأمم المتحدة أي ردود فعل تجاه العدوان الصهيوني على القنيطرة»، معتبراً «أن عملية حزب الله جاءت في إطار حق الدفاع المشروع عن لبنان».

مجلس الوزراء: التضامن

وفي مجلس الوزراء مرت العملية بهدوء. وأوضح وزير الإعلام رمزي جريج «أن بعض الوزراء عرضوا مواقفهم في إطار نقاش هادئ أظهر الجميع فيه حرصاً على تجنيب لبنان الانزلاق نحو تدهور أمني واسع في الجنوب تكون له انعكاسات خطيرة على البلاد».

وبعد عرض المواقف المختلفة، ندد مجلس الوزراء بالاعتداءات «الإسرائيلية» التي تعرضت لها بعض قرى الجنوب اثر العملية التي نفذت في مزارع شبعا المحتلة، ودعا هيئة الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة إلى تحمل مسؤولياتها في منع «إسرائيل» من تعريض السلم والأمن في هذه المنطقة من العالم للخطر.

كما أكد موقف لبنان الثابت الملتزم قرار مجلس الأمن رقم 1701. وشدد «على أهمية رص الصف الداخلي في هذه المرحلة الدقيقة والابتعاد، فعلاً وقولاً، عن كل ما يسبب الفرقة»، معتبراً أن «التصدي لأي عدوان إسرائيلي يتم في المقام الأول بوحدة اللبنانيين وتضامنهم».

وعلمت «البناء» أن وزير العمل سجعان قزي تحدث في الجلسة عن العملية قائلاً: «مع كل تضامننا مع حزب الله وترحمنا على شهدائه، كنا نتمنى أن يكون رده خارج الأراضي اللبنانية». ودعا قزي إلى التمسك بـ 1701، «لأن الوضع خطير في المنطقة ولا يجوز القيام بأي عمل يعرض سلامة لبنان للخطر». فرد الوزير محمد فنيش على قزي مشدداً على «أن الرد حصل من منطقة متنازع عليها وهي أرض محتلة من قبل العدو الإسرائيلي».

وبعد الجلسة اعتبر وزير البيئة محمد المشنوق أن عملية مزارع شبعا هي خارج القرار 1701، مشيراً إلى أن «شبعا محتلة ومن حقنا ممارسة التحرير»، مؤكداً أن «الدولة لا يمكن أن تخرج من صيغة تحرير آخر شبر من أرض لبنان».

توتر وقلق في «إسرائيل»

وفيما تعيش المستعمرات «الإسرائيلية» حالاً من التوتر والقلق والترقب لما سيعلنه السيد نصر الله اليوم، ساد أمس هدوء حذر مزارع شبعا المحتلة، وفي بلدتي العباسية وكفرشوبا الحدوديتين اللتين كانتا عرضة للاعتداءات «الإسرائيلية»، ولم يعكر ذلك سوى تحليق طائرات الاستطلاع «الإسرائيلية» المعادية بكثافة وعلى ارتفاع منخفض في أجواء حاصبيا والعرقوب ومرجعيون وبنت جبيل والسلسلة الشرقية في البقاع.

ومساء أشارت القناة الثانية «الإسرائيلية» إلى سماع دوي انفجار على الحدود اللبنانية، موضحة أن الجيش «الإسرائيلي» أعلن أنه حدث أمني وقع في المنطقة قبل قليل، لكنه أكد عدم سقوط أي صاروخ من الأراضي اللبنانية. فيما أفادت وسائل إعلام عن سقوط قذيفة قرب مستعمرة بيرانت على الحدود مع لبنان. وسمعت في بنت جبيل، صفارات الإنذار في المستعمرات «الإسرائيلية» المقابلة لبلدة رميش على الحدود الجنوبية.

وفي فلسطين المحتلة، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» على موقعها الإلكتروني، مشاهد توضيحية ثلاثية الأبعاد، لعملية مزارع شبعا.

وتظهر المشاهد سير الآليات العسكرية على الطريق الحدودي، وتعرضها لعدة صواريخ مضادة للدروع في أحد المحاور المكشوفة تماماً لحزب الله، مشيرة إلى أن الآليات التي كان يستقلها الضباط والجنود الإسرائيليون لم تكن مصفحة.

وبحسب الفيديو، فإن الصاروخ الأول أصاب مركبة «بيك أب» عسكرية ما تسبب بمقتل الجندي والضابط، فيما فر الجنود الباقون من مركباتهم قبل أن يعاجلهم مقاتلو الحزب بعدة صواريخ أخرى ما أدى إلى إصابتهم بجروح متفاوتة خارج مركباتهم واشتعالها بالكامل.

أما على المستوى السياسي، فقد رأى رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو أن إيران هي التي تقف وراء ما وصفه بـ«اعتداء حزب الله المميت على الحدود الشمالية مع لبنان، ما أدى إلى مقتل جنديين إسرائيليين».

وفي كلمة له في ذكرى موت رئيس الوزراء السابق ارييل شارون، اعتبر نتانياهو أن «إيران تحاول التوصل إلى اتفاق مع القوى العالمية، مما سيفسح في المجال أمام تطوير أسلحتها النووية».

ونقلت صحيفة «هآرتس» عن وزير الدفاع «الإسرائيلي» موشيه يعالون، قوله: «إن كلاً من إيران وحزب الله يحاولان ويواصلان محاولة المساس بأمن إسرائيل بكل وسيلة متاحة لهما، سواء من هضبة الجولان أو من لبنان». وتوعد يعالون بـ«ملاحقة الإرهابيين ومن أرسلهم في كل زمان ومكان»، مهدداً بـ«اغتيال كل من يريد تشويش حياة الإسرائيليين».

أما وزير الخارجية «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان، فقد انتقد نتنياهو لرفضه توجيه ضربة إلى «حزب الله» وصمته على «حركة حماس» في غزة. وشدد ليبرمان على أن «عدم رد إسرائيل على مقتل جنديين وإصابة آخرين يعني أنها توافق على تغيير قواعد اللعبة وهو ما يمثل ضربة قوية لقدراتها على الردع»، معتبراً أن «الردود الإسرائيلية حتى الآن هي بالضبط ما يريده الإرهابيون لأنها تقودنا إلى حرب استنزاف وإدامة الصراع».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى