كش ملك

ناصر قنديل

– اليوم يطلّ سيد المقاومة ليضع هو النقاط على الحروف، بعدما وضعت المقاومة مع العملية الاستثنائية في مزارع شبعا بصمتها كصاحبة يد عليا في المنطقة، عندما تقول كلمتها تضع نقطة آخر السطر… وانتهى.

– مع عملية مزارع شبعا المسألة ليست فقط بالنوعية والفعالية والدقة والسرعة بالردّ الموجع، بل بالمعادلة التي أظهرتها حول الثنائيين المتقابلين في هذه المواجهة، إيران وسورية وحزب الله من جهة، وأميركا و«إسرائيل» من جهة مقابلة، فقد بادرت «إسرائيل» بضربة موجعة لتفرض معادلة جديدة في جبهة الجولان تفرض فيها وحدها قواعد الاشتباك، كرسالة على خط التفاوض الأميركي الإيراني، أو كإعلان وجود خط أحمر أمام المقاومة في التواجد على جبهة الجولان، أو لحماية ولادة حزام أمني بقيادة «جبهة النصرة»، أو، وهذا هو الأرجح، الثلاثة معاً، وهنا كان المنتظر «إسرائيلياً» أن تقف أميركا كما في حرب تموز وراء «إسرائيل»، لتذهب لردّ صاعق ولو أشعلت حرباً، وأن تمارس أميركا ابتزاز التفاوض مع إيران للضغط على حزب الله لتلقي الضربة والالتزام بالتهدئة بردّ شكلي أو باللاردّ، كما كان المنتظر معرفة مقدرة حزب الله على الردّ الموجع، وماهية التصرف «الإسرائيلي» والأميركي إنْ حصل.

– أعلن ثلاثي إيران وسورية وحزب الله نية الردّ، والردّ الموجع، وتواصلت المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية وأنباؤها الإيجابية تتوارد، وأبلغت طهران واشنطن اعتبار العملية تجاوزاً للخط الأحمر ونية الردّ، وتمّ الردّ، وجاء موجعاً أكثر من عملية القنيطرة بكلّ المقاييس، فخرج موقف أميركي يثني «إسرائيل» عن ردّ بحجم مناسب لأنه سيشعل حرباً لا تراها واشنطن مقبولة، والتزمت «إسرائيل» التهدئة، وامتصاص نتائج الضربة، فهل فعلت واشنطن ذلك لأنها أشدّ تمسكاً بالمفاوضات من تمسك إيران بها، لدرجة الاستعداد للجم حليفتها «إسرائيل» عن التصعيد، وتحمل ثمن المفاوضات من رصيد هيبة وميزان ردع باتت مكانتهما وجودية بالنسبة لمستقبل «إسرائيل»، وهل التزمت «إسرائيل» لمجرّد أنّ لواشنطن هذه القراءة وتلك الرغبة، وما يترتب على كلّ ذلك من تداعيات على مستقبلها، لجهة سقوط خطها الأحمر أمام حزب الله في الجولان، وسقوط مشروعها بحماية الحزام الأمني هناك، وتقبل أنّ الطلقة الأخيرة في المواجهة صارت لحزب الله، أم لأنّ «إسرائيل»، وهذا هو الأرجح، تعرف حدود قدرتها وقوتها، وبالتالي عجزها عن المخاطرة بالذهاب للحرب، وتعرف أن واشنطن تعرف ذلك مثلها؟

– النتيجة هنا لجهة علاقة حزب الله وسورية وإيران، هي إما أن إيران قوية كفاية لتمضي بالمفاوضات على قاعدة أن الثوابت غير قابلة للتغيير ولن تدفع إيران من ثوابتها وثوابت حلفائها ثمن مواصلة التفاوض، أو أن حلفاءها ليسوا ممن يأتمرون ويتبعون، فلهم استقلاليتهم بالقرار والحسابات وعليها أخذها في الحساب، والأرجح أن السبب هو الأمرين معاً، ومن ضمنها بالتأكيد شعور إيران وسورية وحزب الله بمصادر القوة التي يملكونها مقابل التخلخل والتآكل في الضفة المقابلة، ما يمنح الثبات والعنفوان والردع بالتالي مبررات سياسية في معادلات الواقعية، وما يجعل العملية في مزارع شبعا تعبيراً متراكماً عن كل هذه المعادلات.

– المعادلة الجديدة في المنطقة ترسم بعملية المزارع، إيران لن تساوم على ثوابتها وحلفائها لتدفع ثمن التطبيع مع الغرب، وأميركا مستعدة للتضحية بمكانة «إسرائيل» كصاحبة يد عليا في المنطقة، لقاء نجاح المفاوضات مع إيران، أو أنها تسلم بحقيقة أن زمن أحلام «إسرائيل» باستعادة هذه المكانة قد ولى، أو الاثنتين، وهذا هو الأرجح، وأن المقاومة موجودة على جبهة الجولان، والجبهة من الجنوب إلى الجولان صارت واحدة، ولا مكان فيها لحزام أمني ولا لـ«جبهة النصرة»، مهما كانت الحماية «الإسرائيلية»، والمعادلة الجديدة أن المواجهة بين المقاومة و«إسرائيل» صارت محكومة، بيد عليا وطلقة أخيرة للمقاومة، التي لا تخشى حرباً تقدر عليها في مواجهة «إسرائيل»، التي تتباهي بجاهزية حرب لا تملك قدرة تحمل أعبائها.

– مسار ثان يبدأ بالتوازي من موسكو يرسم معادلة جديدة، ليس فيه بوابة أوهام حلول سياسية، بعدما صار الطرف العسكري المقابل للدولة السورية هو «داعش» و«النصرة» حيث لا حل إلا بالحديد والنار، مسار صناعة مركز بديل عن الائتلاف الممسوك من تركيا كمرجعية تفاوضية باسم المعارضة السورية، مركز جاهز للتسليم بشرعية الرئيس بشار الأسد وأولوية الحرب على الإرهاب، ويتولى تدريجاً تطبيع علاقته بالدولة السورية وصولاً لحكومة وحدة وطنية تضم الموالاة والمعارضة، وتتولى دور الجسر لكسر الجليد في علاقات الغرب بسورية وتبرير التبديل في السياسات، لانعطاف حكومات الغرب نحو تطبيع مشابه مع الدولة السورية بذريعة أن الحل السياسي قد انطلق.

– مسار ثالث ينطلق بسرعة، وفي أعقاب زيارة الرئيس الأميركي للسعودية، يعاد تشكيل الحكومة السعودية، وفقاً لتوازنات الجيل الثالث، أي أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز، مع أول ولي لولي عهد من بينهم هو رجل أميركا محمد بن نايف، والأهم أن بندر بن سلطان رجل الحرب على سورية والمقاومة صار للمرة الأولى، أكثر من مجرد معفى من مسؤولية الاستخبارات ورئاسة مجلس الأمن الوطني، بل خارج المجلس كلياً، مسار جديد يبدو بحسب التقارير الأميركية أنه سيستكمل ببدء التفاوض مع إيران حول ملفات الخليج من اليمن والبحرين، امتداداً إلى ملفات المنطقة من لبنان والعراق وصولاً إلى عقدة العقد سورية.

– صدقوا أو لا تصدقوا، هي معجزة شبعا، فـ«إسرائيل» ست الكل بعيون جماعة أميركا، بالقوة التي يتباهون بها، والجبروت الذي يظنونه لها، والمكانة التي تتقدمهم جميعاً لدى سيد قرارهم الأميركي، وعندما يرون ما حل بـ«إسرائيل» يهرولون ويستعجلون، ففي مسار موسكو من جماعة أميركا ما يكفي، ومن يقرأون وقرأوا شبعا ومعادلاتها، وفي الرياض كثير من جماعة أميركا الذين سمعوا وانتبهوا، أن درس شبعا قابل للتكرار في اليمن، وأن جماعة «إسرائيل» صاروا عبئاً.

– سبحان الله يا شبعا ما أجملك… ويا سيد… يا ملك… واللعبة كش ملك… انتهت أم لم تنته اللعبة يا نتنياهو؟

– العماد ميشال عون يقول للذين سألوه على ماذا يستند في عناده الرئاسي، هل عرفتم السر في شبعا؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى