إذا كنتم لا تعرفونه فهو قيمة ومدرسة وبصمة صباح فخري في «ليالي الأنس» حالة مؤلمة ومحزنة

جهاد أيوب

لا مجال لمناقشة قيمة مطرب المطربين، وحارس النغم العربي صباح فخري مواليد 1933 ، ولا تجوز مقارنته بالآخرين، هو ذاك الفارس الذي علّم من خاض في مجال الغناء أصول الأداء الصحيح والسير خلف الميزان الشرقي السليم، وهو من سعى إلى أن يكون النغم العربي في الصدارة، ولم يخف مواجهة تجربته وفنه في الغناء والطرب مع التجارب التي سبقته والتي عاصرته.

من يجهل أو يتجاهل عن عمد حضور هذه القامة الطربية بما حملت من دروس وعبر وتمايز، يُصاب بفقدان الذاكرة من دون أن نتأسّف عليه. صباح فخري سيد العرب والمقامات من دون أن يخدش السمع أو يُصيب المستمع بدهشة مزعجة، لذلك نستطيع القول إنّ فخري في الغناء العربي مدرسة ومدماكاً أساسياً يقف في الصفوف الأولى إلى جانب سيد درويش ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وأم كلثوم وفريد الأطرش وصباح ووديع الصافي والأخوين رحباني، على رغم اختلاف النمطية والأسلوب، نقصد وقوفه بجدارة إلى جانب هذه القامات التي غيّرت في طريقة الغناء العربي، والتي تركت بصمة ومدرسة… من هنا وجب الاعتراف بما هو معترف به، والمحافظة عليه كمحافظتنا على تاريخنا على رغم تشويه ما تبقى لنا منه.

صباح فخري أطلّ منذ أيام في برنامج «ليالي الأنس» مع الفنانة والمغنية ومقدمة البرنامج رولا سعد عبر قناة OTV، وللأسف كانت إطلالته محزنة وفقيرة ومؤلمة على رغم محاولة رولا عدم إحراجه أو إزعاجه، هو في وضع صحي لا يسمح له بالتواصل مع الإعلام، وهو في موقع لا يستطيع فيه أن يتحاور ويردّ على سؤال وصل إليه بصعوبة، ويوجع إنْ طلب منه الغناء!

حلقة أصابتنا بداء الشفقة ونحن لا نرغب في ذلك، فالضيف ليس عادياً بل يعني لنا الكثير، ولكن أن نتابع ونتألم على حال فنان العرب الأهمّ في زمن العثرات الوطنية والإنسانية فهذا صعب، وكأنه لا يكفينا تراكم حزننا وأوجاعنا على حالنا يومياً لكثرة تشويه بلادنا وقتل أهلنا بحجة «داعش» وإرهابه، وبحجة أدعياء الدين والمعرفة.

تحدّث صباح في تلك السهرة بصعوبة ولم يتمكن من خوض حوار معيّن، كان يطرح ما يريد والسلام، وفي هذه الحالة لا سلامة مطلقاً بل علامات استفهام لاستضافته أطول مدة، ولإقحامه في جدلية السؤال وانتظار الجواب، والنتيجة جاءت مخيّبة وليست مرضية ولا مجال للتبرير!

حاول الرائد صباح فخري جاهداً أن يغني لكنه لم يستطع إيصال جملة ونغمة واحدة إلينا، ولا نعرف ما الغاية من وضع كبيرنا في هذا الموقع المأزق! وما الفائدة من هدم صورة الهرم في لقاء متلفز كان فيه تكملة عدد ليس أكثر؟!

والسؤال الذي وجب طرحه هو كيف يقبل نجله أنس صباح فخري السائر على طريق الغناء أن يطلّ مع والده اليوم ووالده في هذه الظروف الصحية الصعبة؟ كيف يقبل مشاركة والده وهو على هذه الحال؟

كيف لهذا الشاب أن يجرّنا بـ«العافية» إلى أن نتابعهما في غناء كنا نعشقه ونذوب فيه حينما كان والده في قمة مجده الصوتي وهو اليوم بالكاد يستطيع أن ينطق الكلمة؟

إطلالات صباح فخري الأخيرة تصيبنا بالوجع والألم وكأنه لا يكفينا ما نعانيه، والمطلوب المحافظة على صورته الناصعة، ومن يرغب في تكريمه عليه نشر أعماله كي تصل إلى الجيل الحالي لا أن نجرّها خلف تاريخه، ونطلب منه أن يلملمها ويلمعها وهو فاقد سيفها!

صباح فخري حالة رائدة في الفن العربي فلا تستغلوها كي تظهروا على حساب تاريخه…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى