مسير طويل… «داعش» حجة الزمان

د. حسام الدين خلاصي

إنّ تسارع الأحداث في المنطقة ودول الجوار يعطينا دلالات واضحة على مضيّ كلّ فريق في خطته، فريق عالمي أول تيار صهيوني جارف يضمّ اللوبي الصهيوني الأميركي وممالك الخليج وتركيا، وفريق ثان هو عبارة عن تيار مقاوم يضمّ، انطلاقاً من سورية المركز، روسيا وإيران والصين والهند وباكستان وبعض دول أوروبا المتفلتة من حلف الأطلسي وحركات مقاومة وتيارات سياسية، والهدف مواجهة ما يخطط للمنطقة والعالم من تقسيم وتفتيت.

توسعت في الأيام القليلة الماضية، عمليات الجيش السوري، وما زالت مستمرة جنوباً تصدياً لمخطط صهيوني مكشوف يعتزم فرض منطقة عازلة قوامها «جبهة النصرة» الإرهابية التي يغضّ المجتمع الدولي النظر عن أفعالها.

نجح الجيش السوري في الجنوب في لجم هذا التوسع، وفي بنفس الوقت تقدّم شمالاً في عملية لافتة ومفاجئة، عبّرت عن قدرات متنامية لهذا الجيش رغم كلّ الصعوبات التي تواجه سورية.

من هذه النقطة و منذ بدء تقدم الجيش شمالاً وجنوباً، بدأ التحول في ردّ الفعل المتسارع.

بعد الاتفاق الأميركي ـ التركي لتدريب العصابات المعتدلة، بتمويل خليجي، عاد الدور التركي إلى الواجهة من خلال تدخل القوات التركية لنقل قبر جدّ مؤسس الدولة سليمان شاه، في عملية استعراضية سافرة، والمستغرب أنّ «داعش» لم يحرك ساكناً إزاء ضريح سليمان شاه طوال الفترة الماضية، رغم أنه دمر ونهب كلّ الأضرحة والمساجد والكنائس التي وصل إليها في سورية. ومن المضحك ظهور رئيس الائتلاف السوري المعارض الذي بارك هذه العملية وترحَّم على روح الجندي التركي الذي سقط خلالها، متناسياً الآلاف من جنود بلاده ومواطنيها الذي استشهدوا على يد «داعش» المدعوم من تركيا!

واللافت أيضاً تطور الدور المصري، ففي ذكرى الوحدة بين مصر وسورية، أطلّ الرئيس المصري في خطاب متناقض طالب خلاله بتدخل قوات درع الجزيرة التي تعيث فساداً في البحرين وتقمع ثورة شعب سلمية، قوات درع الجزيرة الموصوفة بدعمها للإرهاب «المعتدل» في سورية، وبتصدير الفكر الوهّابي إلى دول العالم، تلك القوات التي تضمّ عصابة الإخوان المسلمين.

من هنا يبرز التساؤل الأكبر، لماذا تقوم القيادة المصرية بهذه اللعبة، وهل تميل إلى توريط دعاة الإرهاب وتستدعيهم إلى قتاله في سيناء، أم أنها تقوم باستجلاب هذه القوى لتشكل جداراً أمنياً لـ «إسرائيل» لتحمي به حدودها؟ قادمات الأيام ستخبرنا بالتفاصيل، علماً بأنّ الطريق إلى دمشق عبر خطاب الوحدة بات واضحاً ولا يحتاج إلى تكويعات سياسية فاضحة.

إنّ سياسة الزئبق المنفلت للولايات المتحدة الأميركية، المستفيد الأكبر من تنامي قدرات «داعش»، ما زالت تمارس الضغط على روسيا من خلال المشكلة الأوكرانية لتبعد مدّها في الشرق الأوسط وتعقد تفاصيل الملف النووي الإيراني من خلال اتفاق سرّي بين الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» بتسريب بعض تفاصيل هذا الاتفاق ومن ثمّ استنكار التدخل «الإسرائيلي» في سير هذه المباحثات.

هذا ما فعلته إدارة باراك أوباما في تسريب خطة القضاء على «داعش» في الموصل، كمن يريد أن يقول أنا هنا وأنا هناك، في استفادة قصوى من خطط «داعش» المرسومة سابقاً من قبل وكالة الاستخبارات «الإسرائيلية» كمكتب خدمات لها.

إنّ التسليح المتنامي لدول الخليج من عتاد عسكري طائرات وصواريخ بالستية لا يتناسب والموارد البشرية والكوادر العسكرية لها، ذلك أنّ قطر والسعودية الموصوفتين بولائهما التام للسياسات الصهيونية المعادية للإسلام والعروبة، تشيران إلى الجهة التي يتم استنزاف مقدرات الممالك النفطية لمحاربتها، ألا وهي دول المقاومة انخراطاً في مشروع المواجهة السنية ـ الشيعية المفترض، ولكن يظهر لنا تباعاً أنّ مقدّرات التسليح هذه ومع تطور الأحداث ستقدم لقمة سائغة لـ«داعش» وإخوانه لتستخدم في الحرب «الإلهية» القادمة وفق النظرة التوراتية إلى المسألة.

«داعش» حجة الزمان التي يجب أن لا تنتهي إلا بتقسيم موارد العالم بين الكبار ليبيا مثالاً ، أو بحرب عالمية تقوم على أنقاضها دولة بني صهيون التي تتسلم الأمور من «داعش» بعد دحره. «داعش» حجة الزمان يظهر فجأة في ليبيا وفي الصومال ويهدّد ويحدّد أهدافه، «داعش» الذي يوجه تهديداته، حسب الطلب، إلى الدول التي تتخذه حجة للمشاركة في كعكة الموارد الاقتصادية الذهبية لدول المنطقة، والذي تستخدمه «إسرائيل» حجة لقيام الدولة اليهودية، «داعش» يستخدم لتوريط دول تنأى بنفسها عن هذا الصراع الدولي، فيهدّدها ويقوم بعمليات فيها لتحرج هي أمام شعوبها وتعلن عن دور لها في محاربته.

يمارس تنظيم «داعش» الإرهابي أفظع الجرائم في حقّ سورية وشعبها ويدمّر حضارتها، وتغمض العين الدولية وتنام قريرة على وقع الإبادة الجماعية التي يمارسها، ويبقى الجيش السوري وحده يقظاً للقضاء على هذه الحجّة الدولية. فإلى متى سيبقى الحلف الدولي المقاوم للإرهاب يتحرك بهذه الآلية، وهل يدخر قواه لحرب أوسع؟

إلى ذلك الحين يجب أن ترفع القبعة للجيش السوري ولحركة المقاومة الشعبية والإسلامية على الصمود. ولكن إلى متى؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى