سورية والتنظيمات التكفيرية

صفية سعاده

من المستغرب أن نقرأ تصريحات بعض الصحافيين العرب، وأن نشاهد بعضهم الآخر على شاشات التلفزيون مؤكداً أن القاعدة ومتفرعاتها من «النصرة» و«داعش» التي تدمر سورية وغيرها من الدول العربية هي نتيجة الممارسات الديكتاتورية والاستبدادية لتلك الدول! ويشارك هؤلاء الصحافيون العديد من السياسيين والمفكرين والكاتبات في مراكز الأبحاث الغربية والعربية الرأي نفسه. وعلى سبيل المثال يقول صباح الجاف، المستشار الأمني السابق للحاكم الأميركي بول بريمر: «إن تنظيم داعش ولد في بيئة عراقية – سورية محضة بسبب الكمّ الهائل من الظلم والاضطهاد والتمييز من نظامي الدولتين تجاه طائفة دون غيرها» 1 .

يحتم علينا موقف هؤلاء التساؤل حول صحة مقولتهم بأن التيارات التكفيرية ومتفرعاتها نشأت وترعرعت في سورية والعراق بسبب أوضاع محض داخلية لهذين البلدين. فإذا كان الوضع، كما يقولون، أن الإرهاب التكفيري هو نتيجة الدكتاتورية والقمع، فهل يمكن أن يفسروا لنا أسباب تدفق الإرهابيين من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وأميركا، وهي بحسب عرفهم بلدان عريقة في الممارسة الديمقراطية؟

لحسن الحظ، الجواب عن هذا السؤال أصبح متوافراً نتيجة الكمّ الهائل من التصريحات التي أدلى بها الوزراء الأميركيون وكبار الإدارة الأميركية ويؤكدون فيها أن الولايات المتحدة الأميركي هي التي صنعت «القاعدة» بمساعدة السعودية، مرتكزة في ذلك على الفكر الوهابي، دين الدولة السعودية الرسمي.

أشار رئيس دائرة الأمن القومي إبان رئاسة رونالد ريغان، الجنرال وليام أودوم إلى أن لدى الولايات المتحدة الأميركية تاريخاً حافلاً في دعم الإرهابيين في جميع أنحاء العالم، وأنها دعمت بشكل متواصل تنظيم «القاعدة» منذ نشأته في سبعينات القرن الماضي. كذلك جزم مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» أن الولايات المتحدة الأميركية هي التي نظمت بن لادن وتنظيم «القاعدة» ودعمتها منذ البداية. وأكد وزير الدفاع السابق ورئيس الوكالة المركزية روبرت غايتس هذه المعلومات في مذكراته التي أصدرها حديثاً كما اعترفت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلنتون أيضاً على شاشة «سي إن إن» بأن أميركا والسعودية بنتا تنظيم «القاعدة» وسمحا لبن لادن بتجنيد مجاهدين من سائر دول العالم العربي. وتبين بعد فتح ملفات الخارجية الأميركية العائدة الى القرن الماضي أن الولايات المتحدة الأميركية بعثت بالمجاهدين الى أفغانستان قبل دخول السوفيات إليها بعدة أشهر، أي أن دخول السوفيات كان رداً على تهديد الإسلام التكفيري المتطرف، بينما لا تزال تنشر المدونات والصحف العربية عكس ذلك تماماً، ما يدل على الدور الذي يلعبه الإعلام في قلب الحقائق بما يناسب مصالح الدول الغربية 2 .

فضحت صحيفة «واشنطن بوست» عام 2002 الإدارة الأميركية معلنة أن هذه الأخيرة صرفت ملايين الدولارات لوضع كتب مدرسية للأطفال الأفغان أصبحت جزءاً من المنهاج الرسمي، وكُتبت خصيصاً لتوجيههم نحو الإسلام العنفي التكفيري الجهادي. فمنذ الصف الأول الابتدائي يتعلم الطفل الأحرف الأبجدية بالتوازي مع أسماء الأسلحة، فحرف الميم تواكبه صورة المسدس، وحرف الجيم للجهاد، والسين للسيف، والخاء للخنجر…

مثلما خلقت الولايات المتحدة الأميركية «القاعدة» لدحر السوفيات، لجأت الى الجهاديين التكفيريين الوهابيين أنفسهم بمؤازرة قطر والسعودية وتركيا «الإخوانية الإسلامية» لتدمير سورية، لكن هذا التنظيم إذ رأى تعاظم قوته بأكثر مما حسبه الأميركيون انتقل إلى إعلان «الخلافة الإسلامية» عالمياً، ما يتعارض مع الأهداف التي توخاها الغرب منه.

لهذا السبب نرى جو بايدن، نائب رئيس الجمهورية الأميركية متهماً حلفاء أميركا، تركيا والسعودية وقطر، بأنهم هم الذين سمحوا ببروز «داعش» وقدموا إليه الدعم المالي والسلاح المتقدم 3 . فهل تجرؤ كل من السعودية وقطر على الإقدام على خطوة كهذه، من دون قرار أميركي؟

ثنّى قائد القوات الأميركية السابق في أوروبا، الجنرال ويسلي كلارك، على اتهامات بايدن، معترفاً بأن صديقتي وحليفتي الولايات المتحدة الأميركية، قطر والسعودية، موّلتا «داعش» للقضاء على حزب الله 4 . ونعرف أنه أحد أهداف الولايات المتحدة الأميركية، مثلما برهنت حرب 2006 ضدّ حزب الله، ومثلما دلّت تصريحات كوندوليزا رايس التي قدمت خصيصاً الى بيروت آنذاك، وهذا ما تعمل له «إسرائيل» بكل ما أوتيت من قوة ومكر ودهاء منذ ثمانينات القرن المنصرم.

يلخص الصحافي المخضرم روبرت درايفوس الوضع الأميركي في الشرق الاوسط بالقول: «في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، تحالفت الولايات المتحدة الأميركية مع المملكة السعودية والإسلاميين بدلاً من الوقوف الى جانب القوى العلمانية والتقدمية في الشرق الأوسط. يمثل هذا الموقف أسوأ أخطاء الولايات المتحدة الأميركية وأكبرها في المنطقة» 5 .

1. راجع العربي الجديد، في 18-2-2015، مقالة عثمان المختار «داعش يخطط لإعلان الخلافة العامة في المنطقة العربية».

2. «Sleeping with the Devil: How the U.S. and Saudi Arabia backed al Qaeda». Washington Blog September 5, 2012 .

3. Talk of Joe Biden at the John F. Kennedy School of Government at Harvard University on October 3, 2014.

4. Wesley Clark on CNN, February 18, 2015.

5. Robert Dreyfuss, «Devil s Game: How the United States Helped Unleash Fundamentalist Islam». U.S.: Dell Publishing, 2006.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى