الاعتدال المسيحي والإسلامي يدفع الثمن في بلاد الشام…

سعد الله الخليل

هل هي محض صدفة أم تزامن وتنسيق في إطار مشروع واحد أن تضرم عصابة من المستوطنين «الإسرائيليين» المتطرفين، والمعروفة باسم «تدفيع الثمن»، النار في إحدى غرف الكنيسة اليونانية جنوب القدس المحتلة وتكتب شعارات عنصرية مسيئة للسيد المسيح، بعد يوم من إحراق مستوطنين متطرفين أيضاً مسجداً في قرية الجبعة جنوب غرب بيت لحم في الضفة الغربية، بالتزامن مع حملة التطهير العرقي التي يقوم بها تنظيم «داعش» لقرى تل تمر الآشورية، والتي تعدّ بالإضافة إلى مدينة القامشلي آخر مناطق تواجد الآشوريين التاريخية في سورية والشرق، بالنظر لما واجهه الآشوريين في سهل نينوى بالعراق من تهجير وقتل وسبي على أيدي عصابات «داعش» وسط صمت دولي وأممي مريب باستثناء «قلق» بان كي مون الدائم.

ربما يفسّر استهداف «داعش» للكنائس والوجود المسيحي كعائق أمام بناء «الدولة الإسلامية» المزعومة كدافع لكلّ هذا الإجرام والحقد، إلا أنه من غير المفهوم أن يستهدف التنظيم أضرحة ومقابر للصوفيين في محافظة دير الزور، ومسجد عمار بن ياسر وأويس القرني في مدينة الرقة، وهي معالم إسلامية مئة في المئة، بل ويدمّر تمثال عثمان الموصلي وأبو تمام والمعرّي وينبش قبر الفيلسوف العربي ابن الأثير وغيرهم من الشخصيات الإسلامية، وقد سبقت كلّ هذه الممارسات عمليات اغتيال لعلماء كبار بحجم الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.

في المقابل ليست المرة الأولى التي يستهدف المستوطنون «الإسرائيليون» المعالم المسيحية والإسلامية في خطط تهجير وتهويد مبرمجة تنسجم مع خطط «داعش» المبرمجة أيضاً لتهجير كلّ من يحمل فكراً وعقيدة مغايرة لفكره الدموي وعقيدته الوهابية التيمية الأصول والنهج.

بلاد الشام بالنسبة إلى المسيحيين هي أرض البشارة الأولى، فالمهد في فلسطين، وفي نهر الأردن وصلت الرسالة، وفي قانا لبنان شرارة الكرازة، ومن دمشق إلى العالم انطلقت الرسالة، وحتى تاريخه يحمل أبناء الشام إيمانهم المشرقي معهم إلى أوروبا وأميركا وكندا فتنشط الأبرشيات المشرقية حول العالم وتمارس جوهر المسيحية عبر الإيمان المشرقي، وهي أيضاً للمسلمين بلاد الإسلام المعتدل عبر القرون بعيداً عن هرطقات الوهابية والإخوان المسلمين ومن لفّ لفهم.

إذاً هو دفع الثمن… فعلى مرّ التاريخ مثلت بلاد الشام نموذجاً للاندماج ولوحدة النسيج الاجتماعي بين المسيحيين والمسلمين، وللعيش بسلام بين كافة الثقافات والأديان وهو ما ساهم برسم صورة موحدة للمجتمع الذي يحمل غنى التنوّع سواء في سورية أو لبنان وفلسطين والأردن، فيما تحفظ الخصوصية لكلّ من مكوّناته في الوقت نفسه، ويبدو أنّ الثمن يدفعه اليوم شركاء الوطن والهوية المشرقية من مسيحيين ومسلمين، وهو ما يرعب وهابية «داعش» ومشغليها وداعميها.

بعد قرون من البناء المعرفي والإيماني، وجذور ضاربة في الوجدان الجمعي، يواجه أبناء قرى ومدن سبق وجودها في المشرق المسيحية بآلاف السنين، خطر الاقتلاع والأخطر تعامل الغرب معهم كأقلية أو جالية.

اليوم وبعد ما يقارب السنوات الأربع من الإرهاب الدامي يدفع المسيحيون والمسلمون ثمن مشرقيتهم من دم أبنائهم وأحبائهم، ويقفون وكلهم ثقة بأنّ أربعة قرون من الانتداب العثماني لم تتمكن من إفراغ المشرق من مسيحييه وفرض الصبغة العثمانية على مسلميه، فمن جذوره ضاربة بعمق التاريخ والجغرافية والكيان والوجود لا تقتلعه شدّة عابرة.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى