نهاية الرجل المريض

سليم حربا

على ما يبدو لم تشفَ الدولة العثمانية من ذلك المرض الخبيث الذي لازمها في مطلع القرن العشرين، وأصبحت تسمّى بنتيجته «الرجل المريض». لا يزال هذا الداء والوباء العثماني السلجوقي يصيب الأبناء والأحفاد، وتتكرّر الأعراض نفسها التي تصيب الربع العلوي من الجسم الرأس ليصبح الربع الخالي من العقل، والذي يدفع إلى الإجرام والقتل، كما حصل في مجازر الأرمن والأكراد. والآن يتكرّر مرض الجنون العثماني ويحصد الآلاف من السوريين والعراقيين على أيدي العثمانيين الجدد وسلطانهم المريض وجيشهم الإنكشاري الداعشي الجديد.

ها هو رجب أردوغان يستنجد بما تبقى من عظام سليمان شاه علَّها تكون ترياق الحياة وحبل النجاة من المصير المحتوم في ظرف التاريخ المختوم الذي يقول عنوانه إنّ مصير أردوغان و«داعش» صنوان لن يفترقان. وها هي «داعش» تنكّس راياتها السود وتندحر من عين عرب والحسكة ودير الزور ونينوى وتكريت والموصل، وتطلق العنان لهستيريا الاحتضار قتلاً بالآشوريين وتحطيماً للتاريخ وانتقاماً من الحضارة قديمها وقادمها. ولم يفلت من بطشها ووحشيتها إلا «المنارة» التي كانت تهتدي بها وهي ضريح سليمان شاه في إطار عقد بين «داعش» وأردوغان وحزبه لتملأ الأرض عدالة وتنمية ، وليكون خليفتها المعجّل البغدادي وسلطانها المؤجّل أردوغان وبشهادة اللات والعزّى!

لكن «داعش» اندحر، وأردوغان بدأ يتنكّر، فراحَ يسرق أمانته ووديعته وسرّه في ضريح جدّه الذي لم تؤتمن «داعش» على شيء إلا غدرت به ما عدا ذلك الضريح. إنها عبقرية بل هلوسة الرجل المريض الذي أراد أن ينهي رحلة التبنّي لـ«داعش» علناً ويمدّدها سراً، بعد أن أدرك أنها فقدت أنيابها وهرمت في عز شبابها ولا يمكن الرهان على الوحوش الخاسرة الخائرة، علَّ أردوغان يطيل عمره ويدعم جبهته بترياق «داعش 2» من «جبهة النصرة» وأخواتها من «الجبهة الإسلامية» و«الشامية»، وما ملكت مسمّيات وصفحات الإرهاب الصفراء والحمراء، ويقدّم شهادة حسن سلوك للعمّ سام بتدريب «المعارضة المعتدلة المسلحة» لتكون بمثابة «داعش 3»، ويشدّ العزم للانضمام إلى الحلف الأميركي المزعوم لمحاربة «داعش».

وعلى رغم الداء الذي بدأ ينخر عظام أردوغان وفيروس الحماقة والجنون الذي أصاب لبَّه، ورياح الميدان التي أطلقتها عاصفة الشمال للجيش العربي السوري وكأنها تقول لأردوغان شيخ الإخوان شيخ القبان تخبّى مليح جاك الريح والتي أصابته وإرهابيّيه بالرجفة والرعشة والخوف وبئس المصير، وأذرت بمناطقه العازلة المزعومة. كما أصابت عملية الجنوب السوري أشقاءه في الهيكل وبيت العنكبوت، مما جعله يمارس لصوصيته وإرهابه وعدوانه على الدولة السورية، مُنقاداً بإخونجيته وحقده ومقامرته التي أغلقت قبر سليمان شاه وفتحت مقبرة له ولإرهابييه، وشرَّعت وشرعنت فتح الأبواب لتحرير لواء اسكندرون السليب الذي سيبقى كالجولان والأقصى وكنيسة القيامة عربي الهوى والمنى والتراب واللسان والإنسان والهوية والمصير.

وإذا كان عدوان أردوغان تحت شعار مسمار جحا الضريح فإنه سيكون المسمار الأخير في نعشه ونعش «داعش» اللذين جنيا على نفسيهما الأمّارة بالسوء كـ»براقش». ولكي تشفى تركيا من الداء العثماني الخبيث ما عليها إلا أن تحجر على هذا الرجل المريض حتى يلقى حتفه ويدفن في قلوب ومقابر الداعشيين والأجر عندئذٍ للات والعزّى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى