الحنين إلى الاحتلال العثماني…

جمال العفلق

لم يسجل التاريخ العربي مرحلة أسوأ من مرحلة الاحتلال العثماني للمنطقة، وأكثر الذين عانوا من هذا الاحتلال هم سكان المنطقة العربية التي كانت أقرب جغرافياً إلى مركز القرار أو العاصمة الأستانة اسطنبول حالياً ، وهي المناطق الغنية أصلاً بالتراث الثقافي العريق، إضافة إلى طبيعتها المتنوعة التي كانت هدفاً لكل الولاة العثمانيين. فمن سرقة الأرض إلى سرقة الإنسان ونقل أصحاب المهن وإجبارهم على العمل في اسطنبول لبناء المجد العثماني الذي لا يملك أساساً ثقافياً ولم يكن يعرف إلا الغزو والقتل.

واليوم وبعد مضي ما يقارب مئة عام على انهيار السلطنة العثمانية، وانتهاء نفوذها في المنطقة العربية، وتحرر العرب من احتلال دام أربعة قرون كانت كافية لإنتاج أجيال من الأميين والفقراء خرج من العرب أو المحسوبين على العروبة من يريد إعادة مجد العثمانيين على حساب وطنه فكان ما يسمى «ائتلاف الدوحة» خير من يمثل هذه الأصوات التي تعيش في وهم أن تركيا اليوم هي خير من يمثل دولة الخلافة الإسلامية المزعومة والتي ينادي بها الأصوليون الغارقون بالفكر الطائفي والمذهبي، معتقدين أن تركيا تمثل حلم دولة إسلامية يعيشه البسطاء.

فما تقوم به تركيا اليوم من اعتداء على الأراضي السورية من خلال التدخل المباشر أو الدعم للعصابات الإرهابية لا يمكن لمن يدعي أنه وطني أن يقبل فيه، فكيف له أن يصدر بياناً يرحب بهذا الاعتداء ويباركه؟ وهذا ما فعله المدعو خالد خوجة رئيس ما يسمى ائتلاف الدوحة المعارض الذي يعيش في فنادق أردوغان وبتمويل قطري… فزين صفحته الرسمية بهذا البيان الصحافي:

اقتبس : «قامت قوات الجيش التركي في الساعة الحادية والعشرين من ليلة أمس، بتنفيذ عملية ناجحة تم من خلالها نقل ضريح سليمان شاه وتأمين جميع الحراس الذين كانوا في الموقع. تمت العملية ضمن علم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كما تم التنسيق مع قوات الجيش الحر لإتمام العملية.

العملية تمت ضمن الإطار القانوني، حيث تحركت تركيا ضمن الحدود القانونية حسب المعاهدات والمواثيق الدولية، وتمت ضمن علم الائتلاف رسمياً وفي إطار التنسيق مع قوات الجيش الحر.

يعبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سورية عن امتنانه وارتياحه لإتمام العملية بسلام. إن تركيا التي لم تترك الشعب السوري وحيداً، اتخذت هذه الخطوات في إطار الحفظ على الإرث التاريخي المشترك للشعب السوري والتركي. من واجبي هنا أن أتقدم باسمي وباسم الشعب السوري بالتعازي لتركيا ولعائلة الجندي التركي الذي توفي أثناء العملية إثر حادث عرضي، وكنا نتمنى بالطبع أن لا تقع مثل هذه الحوادث، لكن العملية تمت بنجاح من الناحية العسكرية» انتهى الاقتباس .

بهذه الكلمات التي تدل وتثبت أن ما يسمى ائتلاف الدوحة يعيش عقدة «استوكهولم» عدا عن غرقه بالخيانة للشعب السوري والقيم الوطنية التي لا يمكن المساومة عليها، وأي مبرر قد يصدر عن ما يسمى ائتلاف الدوحة لتبرير هذا البيان الصحافي سيكون أكثر قبحاً من البيان نفسه. وهي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، فمن يبيع نفسه ويرهن حياته لأعداء وطنه لا يمكن أن يتصرف غير ذلك، فما يسمى ائتلاف الدوحة يمثل مصالح أعداء الشعب السوري ويعبر عنها أفضل تعبير، وما يجب أن يخجل منه أعضاء هذا الائتلاف أن المعارضة التركية والتي يعتقلها ويلاحقها أردوغان اليوم رفضت هذا العدوان السافر في وقت رحب من يدعون الانتماء لسورية فيه!

إن تركيا التي يقدمها الغارقون في التبعية لها على أنها بذرة الخلافة الإسلامية الجديدة، هي التي أعدمت وقتلت آلاف المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وهي التي اعترفت بالكيان الصهيوني منذ تأسيسه وتربطها فيه علاقات ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، ويُعتبر الكيان الغاصب مورداً رئيسياً للسلاح لتركيا.

فهل يعتقد العالم أن الشعب السوري سيرضى بمثل هؤلاء ممثلين عنه أو يقبل بعودتهم أصلاً إلى سورية؟ مخطئ من يعتقد أن السوريين سيرضون بيوم من الأيام بقبول الخونة أو يرضى بهم حكاماً وقادة.

إن التحدي الذي يعيشه الشعب السوري اليوم هو من أكبر التحديات التي يمكن أن تمر على شعب أو أمة في التاريخ، فبين عصابات تقتل بدم بارد ودول تحاصر ومؤامرات دولية وإقليمية ما زال هذا الشعب يقاوم لأن فكر المقاومة ودعم المقاومة هو الخلاص ليس للسوريين فحسب، بل خلاص للمنطقة من كل هذه الطفيليات التي تريد امتصاص روح الحياة. فنحن لم نعتدِ على أحد إنما ندافع عن وطن ونقاتل من يعتدي علينا، وندرك أن العملاء هم فقاعات ستنتهي عاجلاً أم أجلاً لأن تاريخ صلاحيتها تحكمه الانتصارات على الأرض. تلك الانتصارات التي يتابعها بقلق من يدير غرف العمليات وإدارة العدوان على الشعب السوري في كل من عمان وتركيا وفلسطين المحتلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى