هاشميّو الأردن يتلاعبون بمستقبل كيانهم السياسي

د. وفيق ابراهيم

هناك سيلٌ مستمرّ من الأدوار المريبة التي يؤدّيها ملك الأردن عبدالله الثاني، متوهِّماً أنها تزيد من مناعة نظامه السياسي، فيستسلم لضغوطات أميركية ـ سعودية توافق عليها «إسرائيل» مسبقاً كما جرت العادة، وذلك لتنفيذ سياسات تؤثر سلباً على دول أخرى في المنطقة.

سورية هي واحدة من البلدان التي يتركز فيها التدخل الأردني العسكري ـ السياسي بذرائع غير مقنعة. فكيف يمكن الدفاع عن الأردن، بدعم التنظيمات الإرهابية في منطقة حوران السورية وإقامة علاقات تمويل وتسليح معها، وتسهيل مرورها عبر الحدود الأردنية؟

أهكذا ندافع عن الجزء الحوراني من الأردن؟ أم أنّ في حوزة العاهل الأردني معلومات أميركية عن مستقبل النظام السياسي في سورية؟ ولعلّ هناك من أوهمه بأنّ سورية ذاهبة إلى التقسيم، وأنّ في إمكانه ضمّ حوران السورية إلى مملكته، ومن الواضح أنّه ينفذ رغبات أميركية ـ سعودية قضت بتحويل الحدود الأردنية إلى ميدان عسكري للإرهابيين في «داعش» و«النصرة» والتنظيمات الحورانية المحلية ذات الطابع الإرهابي والمرتبطة مباشرة بالمخابرات الأردنية، إلى جانب غرفة عمليات عسكرية فيها أردنيون وأميركيون و«إسرائيليون» وخليجيون ذاع صيتها وتتولى إدارة حروب الإرهابيين في الداخل السوري.

في المقابل ينال عبدالله استحسان مرجعيته الأميركية وحلفائه «الإسرائيليين» والأكثر أهمية هو الدعم المالي الخليجي، وخصوصاً السعودي الذي يرِد إليه بين الفينة والأخرى.

ليس لأحد أن يتعجّب من هذا الأداء السياسي للأردن، فهو على هذه الوتيرة منذ عهد مؤسس المملكة الأمير عبدالله بن حسين بن علي الذي تحوّل ملكاً للأردن، وبنفس الدور الذي يؤدّيه عبدالله ابن حفيده حسين بن طلال، أي دور المتعامل مع الغرب و«إسرائيل» من دون خجل لمصلحة استمرار عائلته في السلطة.

ويقوم الدور الأردني على احتواء الإرهاب داخل المملكة وخصوصاً «القاعدة» و«النصرة»، وإعادة توجيه تحركاته نحو سورية مع تأسيس تنظيمات حورانية إرهابية ترتبط مباشرة بالجيش الأردني، والدليل أنّ مجرّد إحساس المخابرات الأردنية باحتمال انكسار جبهة الإرهاب في درعا كان كافياً لدقّ ناقوس الخطر ودعوة قادة تنظيمات الإرهاب وما يُسمى «الجيش الحرّ» إلى اجتماع في العاصمة عمّان لتدارس الوضع، فانتصارات الجيش السوري في الجبهة الممتدّة من القنيطرة وحتى الحدود الأردنية تؤثر على دور «إسرائيل» بإسناد إرهاب «النصرة» و«داعش» ودور الإرهاب الأردني المتورّط في حوران. لذلك دقت غرفة الأركان العمّانية ناقوس الخطر أمام نجاح الجيش السوري في تحرير المنطقة الجنوبية المحتلة من قبل إرهاب مدعوم علناً من «إسرائيل» والأردن.

أما النقطة الثانية التي تهدّد مستقبل الكيان الأردني، فتتعلق بتعامل الأردن مع «إسرائيل» وكأنّ القضية الفلسطينية قد انتهت وإلى الأبد. فبالنسبة إلى عبدالله الثاني، هناك اتفاق «وادي عربة» الذي ينظم العلاقات بين «كيانين سيدين» هما الأردن و«إسرائيل»، وبناء على هذا المفهوم، يبيح لنفسه تنفيذ مشاريع وتوقيع اتفاقات ذات طابع دائم مع الكيان الصهيوني. لذلك ترتكز هذه العلاقات على بناء كلّ ما يهدّد الوضع العربي العام لأنها تستند إلى أسس دائمة وأولها العلاقات السياسية بين «بلدين» متحالفين يعتقدان أنهما مهدّدان من الجهات نفسها، أي أنّ «إسرائيل» مهدّدة من الفلسطينيين والنظام السوري وحزب الله وأحلافهم الإقليميين، ويشعر الأردن أنه مهدّد من الفلسطينيين وحلفائهم. وتكشف التركيبة الديموغرافية في المملكة أنّ عديد ذوي الأصول الفلسطينية ينوف عن الخمسين في المئة، وللإمساك بالأردن بطريقة مثالية تثير «إسرائيل» بين الفينة والأخرى طرح مشروع الأردن كوطن بديل للفلسطينيين فيجد عبدالله نفسه منجذباً إلى تأييد إضافي لـ«إسرائيل». ولأنه في حاجة إلى مساعدات اقتصادية، ينصاع لرغبات آل سعود فيستسلم لمشاريعهم العربية والإقليمية. أما السياسة الأميركية فالالتزام بها ضرورة مطلقة عند عبد الله لكي يؤمّن المظلة الدولية الراعية للكيان السياسي للدولة.

وإذا كان عبدالله يتساوى مع الفلسطينيين والمصريين في إقامة علاقات مع «إسرائيل» في «كامب دايفيد» و«أوسلو»، فقد سبقهم إلى تنفيذ مشاريع ذات طابع دائم مع دولة الاحتلال، فهناك مشروع تقاسم نهر الأردن الذي ينبع من الأردن ويصبّ في طبريا معاوداً انطلاقه مع روافد سورية نحو البحر الميت. وقد جرى تقاسم هذا النهر بين الأردن و«إسرائيل» باستبعاد أصحابه الفعليّين وهم اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون.

وتقول مصلحة المياه في الأردن إنّ «إسرائيل» تحجب الحصص الأردنية الفعلية من مياه هذا النهر بحجة الجفاف، وهناك مشروع قناة «إسرائيلية» ـ أردنية تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وهو مشروع يغذي الأردن و«إسرائيل» بالمياه العذبة والكهرباء.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأردن كان يستطيع تنفيذ المشروع منفرداً وبتمويل من أصدقائه الخليجيين، لكنه أراد تعميق الاتفاق السياسي الاقتصادي مع الكيان الغاصب للاستفادة من حمايته العسكرية.

إنّ النظام الأردني هو النظام العربي الوحيد الذي أقام علاقات أمنية عميقة مع «إسرائيل» إلى حدود تبادل المعلومات عن الأوضاع العربية والفلسطينية. وتشمل هذه العلاقات تنسيقاً عسكرياً عميقاً بينهما، إضافة إلى فتح أسواق الأردن أمام مختلف البضائع «الإسرائيلية».

هناك إذاً علاقات وطيدة تجعل من الدور الأردني في حوران السورية عادياً، فهل يقبل وطنيّو الأردن بهذا الدور؟

يغامر الهاشميون بالمستقبل السياسي للأردن، وحين تزداد أوضاع «إسرائيل» سوءاً فلن تتورّع عن بيعه في لعبة صراع الأمم حلاً للمشكلة الفلسطينية.

بقي على أحرار الأردن أن يوقفوا بتحركاتهم تحويل هذا البلد إلى «إسرائيل» ثانية كما يفعل النظام الهاشمي حالياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى