دير الزور في الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ 1/2

ل.ن

يخال القارئ أنّ دير الزور غريبة عن الفكر السوري القومي الإجتماعي، فيما هو يسمع يوميّاً تقريباً عن تنظيمات مسلحة في منطقتها، أبرزها حالياً «داعش» وما تعنيه من فكر ظلامي، ونهج تكفيري وممارسات وحشية.

دير الزور هذه عرفت الحزب السوري القومي الإجتماعي وانتمى من أبنائها العشرات، واستشهد منهم الرفيقان محمد جمعة الدغيم ومحمد ويس مرهج، وتميّز فيها رفقاء ورفيقات كنا نشرنا بتاريخ 24 شباط 2014 نبذة عن إحداهن، رائدة العمل النسائي الرفيقة محسنة عياش.

في السبعينات التقيت أكثر من مرة الرفيق حسن عياش. قبل ذلك، عام 1958، التقيت الرفيق عبد الرزاق منديل في مخيم كان أقامه الحزب في ضهور الشوير، وبعد سنوات عديدة التقيته عندما تولى مسؤولية العمل الحزبي في إحدى البلاد العربية، وكنت أتولى مسؤولية عميد شؤون عبر الحدود. ولا شك في أنّ عدداً غير قليل من الرفقاء ما زالوا يذكرونه متكلماً في مؤتمرات حزبية تعبّر عما في أعماقه من شفافية وصدق وإيمان بالحزب.

ومن أبناء دير الزور رفيق مميز توجّه طالباً إلى «تايوان» فإلى جزيرة تسمانيا أستراليا ، تحضيراً لشهادة الدكتوراه في الهندسة الزراعية وتنمية الثروة السمكية، ولفتني في الذاتية التي رفعها إلى العمدة تنوّع مواهبه وتقدم كفاءاته. هو الرفيق رامز هزاع.

منها أيضاً الرفيق الياس خليفة الذي غادرها شاباً، مستقراً في لبنان، وأستاذاً في أكثر من مكان، وناشطاً حزبياً، وأديباً وشاعراً ومثقفاً قومياً اجتماعياً.

لا يسعني شخصياً كلما ذكرت دير الزور إلا أن أتذكر قنصل الشام العام في سان باولو الراحل ماجد الرداوي، الذي كان صديقاً للحزب، يحضر جميع مناسباته ويحسن الكلام عنه أينما وجد، والتقيته كثيراً أثناء إقامتي في البرازيل، وفي عام 1990 قدّم إليّ مؤلفه القيم عن تاريخ «الهجرة العربية الى البرازيل 1870 -1986».

دير الزور هذه يحكي تاريخ الحزب فيها أحد الذين عرفوا الحزب وتابعوا مسيرته منذ بدايات سنوات العمل الحزبي فيها، فمتوليّاً مسؤولية منفذ عام عام 1999، هو المحامي الأمين عبد الوهاب بعاج.

من تقرير طويل اخترنا هذه المعلومات التي تضيء على الحضور القومي الإجتماعي في دير الزور:

دير الزور في نسيجها العام مدينة عشائر قبليّة، وتنقسم بين شرقيين ووسطيين حسب المناطق ، وكل جهة تضم عدداً من العائلات والعشائر متحدة.

دخلتها الأحزاب، فكان حزبا «الوطني» و«الشعب»، وقياداتهما من تلك العشائر، أشخاص ذوو مكانة اجتماعية ومالية، أما قواعدها، على قلتها، فهي ليست حزبية، بل من عناصر العشيرة.

«الاخوان المسلمون»، تيار يجمعه اسم الدين، ولهم دور العبادة، يستغلونها كمراكز لبث فكرهم، واستثمار مشاريعهم. غالبية قياداتهم غير فاعلة في العشائر، لذا لم يكن وضعهم يسمح لهم بأن يكونوا صداميين، بل مسالمين عند الضرورة، وأصبحت قياداتهم ثرية نتيجة استغلالهم ثقة الناس الدينية.

الشيوعيون، يعتمدون على قيادات، من نوعين: الأولى هي المنتظمة علناً وغالبيتها من المتعلمين والمثقفين، ومحصّلي شهاداتهم داخل البلد وخارجه، والثانية التي تعمل بالتوجيه الفكري من دون اعلان انتظامها، وفيها الكادر السري وغالبيته من المعلمين والمدرسين، وهم الأكثر والأفعل. أما القواعد فهي من الفقراء الذين يفهمون الشيوعية بأنها تعطيهم مال الأغنياء. وكان العامل الأساسي في نشر الشيوعية وجود الاتحاد السوفياتي ودعمه لهم بالكتب والنشرات الكثيرة والمجانية وتقديم المنح الدراسية وغيرها، وهم لا عماد لهم في القيادات العشائرية، وبالتالي لا يصطدمون ولا يحاولون خلق صدامات، إلا حوادث فردية.

البعث، مؤسسه في دير الزور السيد جلال السيد وهو من عشيرة الخرشان، كان يدير النادي الثقافي الذي تجمع فيه الشباب، وأغلبهم من العشيرة ذاتها أو من حلفائها، وبعد اعلانه حزب البعث انتظم هؤلاء في الحزب، وتعتبر هذه العشيرة ذات قوة وسطوة مع حلفائها في المدينة.

الحزب السوري القومي الاجتماعي: لم يقتصر انتشاره على عشيرة أو عائلة، ولا على طبقة من الناس، إذ ضمّ أبناء عشائر ومن كبارها، متعلمين ومثقفين، الى جانب عمال وناس في العرف العشائري من المسحوقين. وهؤلاء تفوقوا بعد مدة وجيزة ليس على أقرانهم فحسب، بل على الذين يعتبرون قادة لدى الآخرين، بفضل السلوكية التي ظهرت لديهم وأضحت مثالاً يتحدث عنه الآخرون. ولو حدث خلاف مع أي من القوميين الاجتماعيين، كان ملجأ هؤلاء الحزب لا السلطات. ومن كان يعتبر مشاغباً أو شريراً أمسى أكثر آدمية، إنما بقي أسداً إذا هوجم.

هذا الانتشار القومي والاختراق للعشائر حرك نوازع الحقد والحسد لدى نفرٍ أخذ يفتش عن العراك بالأيدي ما دام لا يقدر على ذلك بالفكر، معتمداً أيضاً على ما يملك من عناصر في أجهزة السلطة عامة.

الصدام الفعلي واستشهاد الرفيق محمد أمين جمعة: خرجت تظاهرة من ثانوية التجهيز الثانوية الوحيدة آنذاك بمطالب لم يشارك فيها الحزب، وكان طريقها يمر من أمام مكتب الحزب، وما أن بلغت المكان حتى أخذ عناصر من المتظاهرين يهتفون ضد الحزب. وكان موجوداً في الأثناء عدد قليل من القوميين، بينهم الرفقاء أحمد مضحي مدرب المديرية ، عبد الرزاق بعاج مدير المديرية ، جبرا توما، عصام خوري، وجيه خوري، عبد الله طه كان محله التجاري مقابل مكتب الحزب . تلقوا إيعازاً بمهاجمة هذه التظاهرة وكانت النتيجة تفرقها، وعودة القوميين الى المكتب مع بعض الجروح، خاصة الرفيق عبد الرزاق بعاج.

كان صدى تلك المشاجرة في البلد كبيراً، ذلك أن عدداً قليلاً من القوميين استطاع أن يصد تظاهرة كبيرة ويفرّقها.

لكن بعد فترة تلقى مكتب الحزب أن ثمة تجمعاً ينوي الاعتداء على الرفيق نديم سليمان الذي يبعد محله مسافة 500 إلى 600 متر عن مكتب الحزب، فاتجه الرفيقان محمد أمين جمعة وعبد الحميد منديل على دراجة نارية إلى محل الرفيق نديم فتبيّن أن كميناً نصب لهما وأصيب الرفيق محمد أمين بطعنة في ظهره أدت الى وفاته راجع النبذة المعممة عن الرفيق الشهيد محمد امين جمعة في القسم الخاص بأرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية

www.ssnp.info .

هذا الحادث وقع في آذار 1955، وفي نيسان نُفذت المؤامرة على الحزب باغتيال العقيد عدنان المالكي. وما حصل بعد ذلك بات معروفاً لناحية ما تعرّض له الرفقاء من سجون وملاحقات.

الحزب في دير الزور

عرفت دير الزور الحزب السوري القومي الإجتماعي عن طريق أبناء منها تلقوا العلم في مدن كبرى، مثل دمشق وحلب، إضافة إلى رفقاء من مناطق أخرى انتقلوا إلى دير الزور للعمل.

أول تنظيم رسمي معلن حمل اسم «مديرية دير الزور المستقلة». تولّى مسؤولية المدير فيها الرفيق محمد كافي الرجي وهو من مدينة «الميادين»، ومن عائلة اشتهرت بالأدب والشعر.

بدأ الظهور العلني للحزب، رغم أنه لم يكن مرخصاً رسمياً، عبر الرفقاء الطلبة: عبد الوهاب بعاج، عبد الرزاق بعاج، رفيق ملحم، مصطفى عكل، وآخرين كثر، وكانت مجلة «الدنيا» لعبد الغني العطري تؤدي دوراً فاعلاً في نشر الحزب الذي لم يقتصر فعله على الطلبة بل ضم العديد من العمال والتجار، بينهم على ما يذكر الأمين عبد الوهاب بعاج- كلٌّ من الرفيق جعفر صياح، الذي كان عامل نجارة، ثم أصبح مثالاً في نشاطه، وفي فهم الفكر القومي الإجتماعي، الرفيق عبد الله طه الذي اضطر بعد حوادث المالكي للهجرة إلى ألمانيا، إلا أنه عاد منها بعد عشر سنوات، وفي عام 2000 تولى مسؤولية ناظر عمل وشؤون اجتماعية في منفذية دير الزور حتى وفاته.

استئجر مكتب للعمل الحزبي في منطقة العرضي فازداد عدد المواطنين المقبلين على الحزب وكانت الحلقات الإذاعية تعقد يوميّاً تقريباً ويغطيها كلّ من المدير الرفيق محمد كافي والرفيق محمد سعيد بعاج والرفيق صالح عبود.

في السلوكيّة القوميّة الاجتماعيّة

إنّ تميُّز القوميين الاجتماعيين في عملهم الحزبي، وسلوكيتهم العامة، باتا ظاهرة يحكى عنها في جميع الأوساط في المدينة. كان الرفيق يؤدي واجباته بدقة حضوراً للاجتماعات وتسديداً للاشتراكات، وما كان يدخل مكتب الحزب إلا وهندامه مرتب، وبعد تقديم التحية.

كانت المنفذية تعتمد على نسبتها المحلية في الاشتراكات لتسديد ايجار المكتب وبقية النفقات، وترفع الى عمدة المالية النسبة المركزية التي تعود اليها من الاشتراكات.

كان يُمنع على الرفقاء التردد على الأماكن التي تُسيء الى سمعة الحزب، إذ كانت في دير الزور محلات لتعاطي المشروبات الروحية خمارات يرتادها كثر من اعضاء الأحزاب الأخرى ومواطنون من المدينة وجوارها، وغالباً ما كانت تحدث مشاجرات تؤدي الى مخافر الشرطة.

يتبع جزء ثانٍ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى