العلاقات الأميركية الإسرائيلية: تدهور غير مسبوق

عامر نعيم الياس

في الثامن والعشرين من الشهر الجاري نقلت وسائل إعلام الاحتلال «الإسرائيلي» صورةً لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على حائط البراق «المبكى» وفق التوصيف الصهيو يهودي، هو يصلّي عشية توجهه إلى العاصمة واشنطن لإلقاء خطابه اليوم في الكونغرس الأميركي في توقيت لاحق، يصلّي لأجل مستقبله السياسي الذي دخل على محك الخلافات والانقسامات في الداخل الأميركي كما الداخل الصهيوني، أصبح نتنياهو طرفاً في لعبة عضّ الأصابع بين الكونغرس الجمهوري بمجلسيْه وإدارة الرئيس أوباما التي وجدت نفسها خارج الدعوة التي وجهها رئيس مجلس النواب الأميركي جون بينر لرئيس حكومة الاحتلال لإلقاء خطاب في الكونغرس، والتي تمَّ الإعلان رسمياً عنها في 21 كانون الثاني الماضي.

في مطار بن غوريون قال نتنياهو قبيل مغادرته «إنها مهمة تاريخية، أنا أمثل شعب إسرائيل»، قلق مشوب بإصرار على إلقاء الخطاب في الكونغرس وسط تهديد بالمقاطعة من جانب الحزب الديمقراطي في الكونغرس، فهل نحن أمام «خلاف داخل الأسرة وليس على وجودها»؟ كما سأل دوري غولد المقرّب من نتنياهو ورئيس مركز القدس للشؤون العامة، أم أننا أمام خلاف غير مسبوق وتدهور مرشّح للاتساع في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب؟

يرى بعض المراقبين أنّ الخلاف بين البيت الأبيض وحكومة نتياهو والتدهور في العلاقات بين الطرفين لا يشمل جوهر العلاقة بينهما أي «أمن إسرائيل»، فالخلاف هو حول الملف النووي الإيراني والسياسات الأميركية في المنطقة، لكن نتنياهو لم يتوقف هو وغالبية مراكز الأبحاث الصهيونية عن الترويج لفكرة «الخطر الوجودي» الذي يتهدّد الكيان جراء الملف النووي الإيراني وخطر امتلاك طهران للسلاح النووي الذي يتمّ تفسيره من جانب نتنياهو على أنه نتيجة طبيعية لأيّ اتفاق بين إدارة أوباما وإيران، وانطلاقاً من ذلك فإنّ العلاقات الأميركية «الإسرائيلية» المتغيّرة الآن يحكمها خلاف جوهري حول مفهوم الأمن «الإسرائيلي» وارتباط هذا المفهوم بالأمن والمصالح الأميركية في المنطقة، في ضوء إدراك إدارة أوباما بل وإصرارها على إبرام اتفاق نووي مع إيران يضمن إنجازاً شخصياً للرئيس الأميركي أولاً، وثانياً يجنح نحو إدارة ملفات المنطقة واحتواء التوترات المتصاعدة فيها وضمان مصالح حلفاء الولايات المتحدة على قاعدة الاتفاق المرجو مع القيادة الإيرانية، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى وضع الرئيس الأميركي نتنياهو أمام الأمر الواقع فهو لن يستقبله، مؤشر على مفاعيل تدهور العلاقة بين الرجلين لا تتوقف عند حدود الخلاف بل تتعدّاه إلى القنوات الرسمية وغير الرسمية الناظمة لعلاقة واشنطن بتل أبيب ومنها إيباك لجنة الشؤون العامة الأميركية «الإسرائيلية» التي تأثرت هي الأخرى بالخلاف وهي التي تسعى جاهدةً إلى التوفيق في رؤى الحزبين الجمهوري والديمقراطي تجاه العلاقة مع الكيان الصهيوني، وفي هذا السياق قالت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي لأوباما أمام المؤتمر السنوي لايباك «إنّ خطوة نتياهو مدمّرة لأسس العلاقات الأميركية الإسرائيلية».

إنّ دخول الليكود على خط الانقسام الداخلي الأميركي ليس بالأمر الجديد، ففي تسعينيات القرن الماضي جرت محاولة مماثلة لما يقوم به نتنياهو اليوم، حيث حاول الحزب اليميني العمل مع الجمهوريين لتطويع إدارة الرئيس كلينتون «لكن معظم المحاولات مرّت من دون علم الجمهور» حسب جوناثان رينهولد الباحث في معهد بيغن السادات ومدير مركز آرغوف، أما اليوم فالأمر مختلف وعلني وإدارة أوباما استخدمت سلاح نتنياهو في العمل من الداخل ضدّه، بمعنى أنّ دخول نتنياهو على خط الانقسام الأميركي يقابله دخول أميركي على خط الانتخابات التشريعية في الكيان التي ستساهم أكثر فأكثر في تصعيد التوتر في العلاقة بين الطرفين، في ضوء شبه إجماع على فوز نتنياهو بها، لكن شكل الحكومة المقبلة إن كانت ائتلافية أو يمينية يبقى محط الرهان الأميركي على لجم اندفاعة نتنياهو.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى