المجتمع الدولي يحذّر من تعريض الأمن السياسي في لبنان للانهيار

يوسف المصري

روزنامة الأحداث اللبنانية مليئة بمواعيد مواسم الطقس فخلال الربيع الذي يقف على الأبواب، هناك موعد مع عاصفة «يوهان حربي» تتوقعها المراصد السياسية والاستخبارية، وقوامها حرب مفتوحة تشنها «داعش النصرة» وأخواتهما ضد مواقع الجيش اللبناني الحدودية في الشمال، وتشتمل على أجندة اجتياحات لقرى وبلدات لبنانية في البقاعين الشمالي والأوسط وبخاصة في منطقة راس بعلبك ذات الديموغرافيا الدينية المختلطة.

وفي الصيف يضرب الفراغ على مستوى السلطة القضائية والجيش، للبنانيين موعداً خطراً، يبدو أن الحكومة لم تحتسب له بعد. المجلس القضائي الأعلى سيواجه استحقاقات فراغ على مستوى أعضائه، والأجهزة الأمنية في مخابرات الجيش سيستحق موعد تقاعد مديرها والعديد من مديري فروعها. وقائد الجيش أيضاً يستحق موعد تقاعده في الصيف. هناك همس عن أنه لن يسمح للفراغ أن يصل للجسم الأمني والعسكري على نحو ما هو حاصل على مستوى الرئاسة الأولى وقد يحصل على المستوى القضائي. وثمة معلومات تفيد بمعالجات مبكرة أصبحت موجودة فعلاً في أدراج الحكومة، ويتم انتظار كيفية تخريجها كقرارات نافذة. قوم هذه المعالجات تأخير سن تسريح الضباط العسكريين، علماً أن هذا الأمر قد يكون مطلوباً في ظل الظروف العادية لأن سن التقاعد المعمول به اليوم في الجيش غير منصف لا للضباط ولا للمؤسسة العسكرية، إذ ليس من الحكمة أن يغادر كبار ضباط الجيش الخدمة في عمر يعتبر صغيراً نسبياً وفي مرحلة ما زالوا فيها قادرين على عطاء مشفوع بخبرة يحتاجها الجيش.

إذن الفراغ سيتنقل في مفاصل سلطات الدولة كالعدوى من مؤسسة إلى أخرى… في حين أن وضع الحكومة الحالي وحالة الانسجام السياسي الداخلي على رغم الحوارات، يبدو متعثراً وغير قادر أغلب الظن على مواجهة استحقاقات فراغات سلطات الدولة، والخشية تكمن في أن تنتقل عدوى عدم القدرة السياسية اللبنانية على إنتاج رئيس إلى عدم القدرة أيضاً على ملء شواغر أمنية خصوصاً وقضائية وأخرى.

هذا الأسبوع سيكون حاسماً لجهة اختبار ما إذا كانت الحكومة السلامية، قادرة على الاستمرار بحمل مسؤولية المرحلة الانتقالية التي يمر بها لبنان حالياً. وفي حال فشلت في التوافق على آلية لتسيير عمل اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، فان هذا سيقدم إشارات سيئة بخصوص أن الفراغ أقوى من محاولات ملئه بما توافر من دولة ومن سلطة تنفيذية وما تيسر أيضاً من دعم دولي.

سأل أحد السفراء الغربيين في بيروت سؤالاً، استبعد هو ذاته أن مضمونه سيحدث، ولكنه استدرك قائلاً: «مع ذلك لا بد من طرحه لأن لبنان ليس خارج منطقة الرمال المتحركة». مضمون السؤال: ماذا سيحدث في حال فرط عقد الحكومة السلامية، وذلك في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية واقتراب استحقاقات تداول المناصب داخل غير سلطة لبنانية؟

أجاب السفير عينه المطلع على الوضع اللبناني عن هذا السؤال قائلاً: «الوضع سيُصبِح كارثة. سيعود لبنان إلى مرحلة الحرب الأهلية سياسياً وليس بالضرورة عسكرياً». وهنا يطرح السفير عينه فكرة جديرة بالتوقف عندها. يقول إن الاستقرار في لبنان، ليس فقط أمنياً وإنما سياسياً أيضاً. والأمن السياسي أخطر وأكثر استعصاء لجهة قدرة المجتمع الدولي والإقليمي من الأمن العسكري… فالمجتمع الدولي يتدخل بسهولة عبر أساليب شتى لحماية الحد الأدنى من الاستقرار الأمني. وهذا أمر نجح إلى حد ما. ولكن المجتمع الدولي يواجه مشاكل أكثر تعقيداً حينما يتدخل لحماية الحد الأدنى من الاستقرار السياسي.

ويشرح السفير عينه قائلاً: معنى الحد الأدنى من الاستقرار الأمني هو منع تفلت الشارع من جهة وممارسة ضغوط حيثما يلزم لكبح الإرهاب من جهة ثانية. أما الحفاظ على الحد الأدنى من الأمن السياسي – ودائماً بحسب تعريفات الدول الكبرى – فيعني منع وصول الدولة في لبنان إلى الفراغ الشامل على مستوى سلطاته وبخاصة الحساسة والتنفيذية منها، أو منع انهيار الدولة فيه إلى مستوى ما دون الحد الأدنى. وأيضاً تجدر ملاحظة أن انهيار الأمن السياسي يهدد حتماً استمرار الحد الأدنى القائم من الاستقرار الأمني، ولا تعود تنفع كثيراً تدخلات المجتمع ألدولي للإنقاذ.

ويلاحظ السفير عينه أن وسائل تنفيذ حماية الحد الأدنى من الأمن العسكري في لبنان، ممكن وأقل تعقيداً من حماية الأمن السياسي. والسبب هو أن أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية بالغالب تحافظ على الاتصالات في ما بينها حتى عندما تكون حكوماتها مختلفة سياسياً وتمارس القطيعة في علاقاتها البينية. وعليه الأمن بمعناه العسكري يظل علاجه أهون دولياً ولا يحتاج إلى لحظات سياسية مؤاتية كي تجلس دولتان متخاصمتان أو أكثر للتوافق على هدنة سياسية في لبنان.

بالمقابل يقول السفير عينه إن الأمن السياسي في لبنان الذي يتضمن عدم حصول فراغ شامل في السلطة اللبنانية، وإبقاء الدولة تعمل بالحد الأدنى كما هو حاصل اليوم من خلال الحكومة السلامية، فإن معالجته دولياً وإقليمياً في حال اختل هو أصعب كثيراً من الأمن المجرد، وذلك لجهة أن علاجه وإحراز تسويات لإعادة استقامته يحتاج للقاءات إقليمية ودولية بين دول توجد قطيعة بينها في هذه المرحلة أو هي ليست مستعدة لعقد تسويات بالمفرق بين بعضها البعض. بمعنى آخر فإن عقد تسويات سياسية في لبنان ولو جزئية يحتاج إلى تسويات أكبر بين إقليمين من أجل جلوسهم وجهاً لوجه ليوافقوا على هدنة بينهم في لبنان ولو موقتة. وهذا أمر ليس دائماً في متناول اليد. لذلك فان استقرار الأمن اللبناني أسهل من الاستقرار السياسي بدليل أنه من أجل تشكيل حكومة سلام اقتضى الأمر صرف عدة أشهر من المحاولات لإيجاد وسادة لبنانية ولو موقتة تجمع فوقها رؤوس الإقليميين المتخاصمين ولإيجاد لحظة سياسية إقليمية مناسبة لسرقة هدف استقرار سياسي لبناني. وليس مضموناً أن مثل هذه اللحظة التي ساعدت على تشكيل الحكومة السلامية ستتكرر لإعادة تشكيلها فيما لو فرطت هذه الحكومة. والدليل الدامغ على هذا الأمر هو أزمة انتخابات الرئاسة التي مضى أشهر عليها وحتى الآن لا حل سياسياً لها لا داخلي ولا إقليمي ولا دولي.

يذكر السفير كمثال يدعم مقولته عن أن الحلول الدولية للأزمات الأمنية تظل أسهل من حل الأزمات السياسية في لحظات التصادم الإقليمي كما الحال الآن. فأحداث 7 أيار الأمنية انتهت بنحو أسبوعين، أما أزمة انتخاب رئيس جديد المعبرة عن أزمة سياسية مرشحة لأن تستمر أشهراً إضافية من دون قدرة على حلها. لذلك يشيع في محافل دولية القول إن الحلول السياسية للأزمات المستعصية قد لا تجد حلولاً لها إلا على «الحامي».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى