تكريت تتحرّر وواشنطن تتفرّج

نيبال هنيدي

الدعم الإيراني للعراق لم يقتصر يوماً على المساعدات العسكرية والتسليحية وتدريب القوات العراقية، ولم يقف عند المساعدات الإنسانية وعلاج الجرحى العراقيين خلال الحرب على الإرهاب. الجمهورية الإسلامية الإيرانية أرسلت أفضل المستشارين والشباب الإيرانيين إلى العراق وغيرها من دول المنطقة لدعم مقاومة شعوب هذه الدول أمام خطر الإرهاب. وليس آخرها مساعدة القوات العراقية في وقف تقدم مسلحي «داعش» نحو بغداد في الخريف الماضي.

فمن الذي يحارب «داعش» على الأرض؟ وما دور حلف واشنطن الحقيقي في هذه الحرب؟

الهجوم الجوي والبري العراقي لتحرير مدينة تكريت، وما تبقى من مناطق محتلة في محافظة صلاح الدين والذي بدأ منذ فجر أول أمس تم عبر أربعة محاور، بمواكبة تقدّم في محافظة الأنبار بمساعدة العشائر و«الحشد الشعبي»، بالإضافة إلى أنّ الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري، موجود في محافظة صلاح الدين وعاصمتها تكريت لتقديم المشورة.

وتمّت عملية تكريت بغطاء مكثف من المدفعية الثقيلة وطيران الجيش العراقي، وقد تحرّر في الفصل الأول من العملية نحو 1000 كلم مربع، أي سدس ما يسيطر عليه «داعش» في المحافظة، ونفذت العملية على نحو كان أسرع مما كان متوقعاً له من الناحية الزمنية. كل هذا التقدم حصل من دون مشاركة طيران التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.

ما يعكس على نحو واضح جدية طهران في مكافحة الإرهاب حيث أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني لرئيس وزراء العراق نوري المالكي: «إن جمهورية إيران الإسلامية تركز جميع جهودها على الصعيدين الدولي والإقليمي لمواجهة الإرهاب».

والدعم الإيراني للعراق يأتي على خلفية أنّ العراق هو العمق الاستراتيجي لإيران ومن مصلحة البلدين ألا يتحول إلى مصدر خطر عبر سيطرة داعش على مناطق في العراق وتمدّده فيها. والتحالف بين طهران وبغداد أصبح حائط الصد أمام الدعم المالي القادم من الخارج لـ«داعش» ويشكل كابوس للكيان الصهيوني والحماية الأميركية للتنظيم.

صحيفة «حمايت» الإيرانية، أشارت إلى أن الخسارة التي تشهدها عصابة «داعش» الإرهابية على أرض المعركة في العراق، بمشاركة الشعب العراقي وقوات البيشمركة والمقاومة الشعبية، أثارت قلق الغرب الداعم الحقيقي لهذه الجماعة، وأصبحت تشكل كابوساً للكيان الصهيوني والحماية الأميركية للتنظيم، وبإضافة المزيد من الدعم باعتقاد خاطئ من الغرب بإمكانية صمود داعش أمام المقاومة يرفع من قيمة التمويلات الأجنبية للتنظيم الإرهابي.

حلف واشنطن الذي يدعم المجموعات المسلحة لتفتيت المنطقة ونهب خيراتها، خارج إطار الشرعية الدولية، وبعيداً عن مقتضيات القرار 2170 الصادر عن مجلس الأمن، والذي شدّد على احترام سيادة الدول عند الشروع بمحاربة الجماعات الإرهابية، كما لم يستطع هذا الحلف القضاء على «داعش» الذي سيطر على مساحة شاسعة من الأراضي تمثل ربع العراق وثلث سورية، بل ونجح في تجنيد أكثر من 50 ألف شاب من مختلف أنحاء العالم، وما يثبت ذلك إعلان مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر أن نحو 180 أميركياً سافروا إلى سورية للانضمام إلى المجموعات المسلحة، عاد منهم فقط نحو 40.

وفي تقرير أعده مراسل «التليغراف» ريتشارد سبنسر قال فيه إنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما تعرض بالفعل لضغوط من أجل التفاهم مع إيران لمعادلة الضغط الذي يشكله «داعش» في المنطقة.

فيما صرّح مسؤول إيراني كبير لوكالة «رويترز» أنه يمكن لإيران أن تتعاون مع أميركا من أجل القضاء على داعش». ونقلت الصحيفة قول المحلل الإيراني هوشنك أمير أحمدي، إن الأميركان يخافون كثيراً من الحرب على الأرض».

ما أرغم واشنطن لوصف الدور الإيراني في الهجوم الذي تشنه القوات العراقية لاستعادة تكريت من «داعش» بأنه قد يكون «إيجابياً»، معتبراً أن سلوك القوات المشاركة في العملية بطريقة نزيهة لإعادة المدينة إلى أهلها أمر جيد وذو تأثير إيجابي على الحملة العسكرية ضدّ «داعش».

تحرير تكريت نموذج للمشاركة الإيرانية مع العراق في الحرب الجدية على الإرهاب في المواجهة والتي ستمتدّ إلى الموصل، بينما لا تزال ضربات التحالف غير الجادة استعراضية بدليل أشهر على سيطرة «داعش» على نينوى والموصل من دون نتائج عملية على الأرض.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى