الإبداع في النقد الأدبيّ المعاصر بين سندان الاقتباس الغربيّ ومطرقة الخضوع للموروث

كتب محمد الخضر من دمشق سانا : تغيّرت معايير النقد في السنوات الأخيرة تبعاً للظروف الثقافية والأدبية وانشغال الكتاب والنقاد والأدباء عن الحالة الثقافية الحقيقية، خاصة أن الشبكة الالكترونية استولت على ذهنيتهم إلى حد بعيد، فاقتصر النقد على منهج الماضي ونقاده، واكتفى بتعداد الكتب التي طبعت، وماثر النقاد الذين مضوا، إن على صعيد اللغة العربية أو القراءات النقدية المترجمة.

في مطلع الثمانينات استمر النقاد على أسلوب العقاد وابراهيم عبد القادر المازني ومحمد مندور وطه حسين، وصولاً إلى تجاوزهم في معظم الظواهر، مثلما فعل الدكتور عبد القادر فيدوح في كتابه «الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي» الصادر لدى اتحاد الكتاب العرب الذي حمل في أبوابه وعناوينه وطياته دراسة جميع المفاهيم النظرية التي يدرسها التحليل النفسي لعدد كبير من الشعراء والإحاطة بجوانب سيكولوجية السلوك الإنساني، إذ تعمق الناقد في عدد من القصائد مضيفاً إليها آراء عدد من النقاد على مر التاريخ. كما أصدرت وزارة الثقافة كتابا عنوانه «عن الشعر ومسائل الفن» للناقد رضوان الشهال ويقدم فيه رؤى نقدية في الفن والشعر، مفسّراً البنية التركيبية لماهية اللوحة أو المنحوتة أو القصيدة تبعاً للواقع والخيال والدراسة الأكاديمية، مستشهداً بعدد من القصائد الشعرية التي أسقط عليها آراء نقاد وفنانين كبار ورأيه وإلمامه واحاطته بكثير من الرؤى الثقافية والاجتماعية.

إنّ النقد الذي تعرض لأذى بعد انهيار الضوابط والأسس في الأدب بأجناسه المختلفة، وتدافع الشعر الحديث وانعدام ضوابطه، ولّد نقداً متعباً إلى حد كبير ولا يسعه الاعتماد على ما هو بين يديه، كما في كتاب «في التشكيل اللغوي للشعر مقربات في النظرية والتطبيق» للدكتور حمد عبدو فلفل الذي سعى الدكتور عبر هذا الكتاب إلى نتائج مفترضة واستقراءات موغلة باللغة العربية وصرفها، ومدى صلاحية الشعر المحكوم بالوزن والقافية، ودراسة طبيعة العلاقة بين الشاعر واللغة، واللجوء إلى بنية اللغة الشعرية بين القدامى والمحدثين. ولكنه يحتوي على إشارات إلى رسالة دراسية تقلل من شأن الكتاب، كما هي الحال في كتب كثيرة صدرت بحجة النقد وخلفها حقائق تدل على أنها دراسات جامعية.

حاول الدكتور ثائر زين الدين تقديم دراسات تطبيقية في القصة والروائية في كتاب عنوانه «في دروب السرد»، دارساً عدداً من الروايات والمجموعات القصصية ولافتاً إلى وجود إبداع شبابي، ومسلطاً أضواء نقدية ومحلَلاً البنية الداخلية وتوالي الحوادث وطبيعة الشخوص والميول إلى التاريخ، مقتصراً على التوصيف في معظم الأحيان لاعتماده على نصوص متعددة في كتاب واحد، رغم أنه حافظ في كتابه على معظم مقومات النقد.

الروائية فائزة محمد داوود تتبنّى أسلوباً جديداً في النقد في كتابها «على أجنحة الخيال وفي أدغال السرد» تظهر فيه نزعة الأديبة الأنثى وطغيان رؤيتها الثقافية على نحو كامل على تحولات النص الذي فككته، موضحة ملامحه بالاعتماد على وعيها الأنثوي وموهبتها الروائية والقصصية، من غير أن تضع أسساً ومنهجاً للسلبيات والايجابيات، لكنها تطرح مواضيع جديدة وعناوين مبتكرة مثل النصوص الرعوية والملحمية لدى هوميروس والأعشى.

كذلك أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب دراسة في النقد الأدبي عنوانها «لقاء» للروائي الكبير ميلان ترجمة الدكتورة إنعام شرف، ويغلب على الدراسة تفكك الرابط بين النقد ومناهج الكتاب الذين يتناولهم، ما جعل الكتاب المترجم جافاً ولا يقدم سوى عرض لأسماء كتاب.

في كتاب أصدره اتحاد الكتاب العرب تحت عنوان «الأدب المقارن» لهنري غيفورد، ترجمة الدكتور فؤاد عبد المطلب. ويُعتبر غيفورد من رواد مدرسة الأدب المقارن الإنكليزية التقليدية، سلك فيه الأسلوب ذاته الذي اقتصر على الحديث عن المناهج الأدبية، محاولاً مناقشة قضية النغمة المشتركة بين الذين ينتمون إلى تراث ثقافي واحد مع دراسة مصطلح عقل أوروبا النقدي ومعانيه. ويحاول توضيح مراحل تطور الثقافة العلمية والاهتمام المتزايد في الأدب المقارن وكيفية التعامل معه في الأدب العالمي، إذ تظهر هشاشة قدرة القدرة النقدية.

ضعيفة كذلك الدلالات التطبيقية في كتاب «الإبداع الفني والواقع الإنساني» الذي ترجمه الدكتور شوكت يوسف عن كتاب لميخائيل خرابتشنكو، علماً أن الكاتب أغنى بحثه بالفلسفة وعلم النفس والثقافة وقدم آراء تشتمل على علم الجمال والفن، واضعاً عناوين لافتة، علماً أنه ربط لدى تناولها تولستوي مثلاً، الكلام بنوازعه النفسية والفلسفية.

المؤسسة العامة للسينما أصدرت كتاباً عنوانه «فن الكتابة الكوميدية» للدكتور أسامة القفاش ويعتمد فيه على سرد بسيط وتعريفات يغلب عليها التساؤل، مثل كقوله ما هي الكوميديا؟ ولماذا نضحك؟ وكيف نضحك؟ وهل عرف الناس الكتابة الكوميدية؟ محاولاً الاعتماد على تجميع الأفكار وذكر أسماء أفلام ومسلسلات من دون تفسير بنيوي للكوميديا والكتابة، ما يخرج الكتاب على إطار الأدب والنقد.

يختلف النقد في أدب الأطفال عن سواه، إذ نشر اتحاد الكتاب العرب كتاباً عنوانه «تجليات قصة الأطفال» لمحمد قرانيا شمل في صفحاته عدداً من تجارب الكتاب السوريين وبرزت فيه خبرة الكاتب في توصيف الخيال العلمي والأدبي وتفكيك النسيج القصصي ومتابعة اللغة والحوار والوقوف عند الحدث والحبكة في معظم النصوص، وظل عدد من النقاد قابعاً في المكتبات لخوفهم من مغبة ما سيقدمون عليه بعدما وصل إلى الساحة عدد كبير من أدياء النقد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى