فراس البيطار: السوريّون يتذوّقون جميع الفنون وعبق الموسيقى الشرقيّة يفوح من حارات دمشق القديمة

كتب محمد سمير طحان من دمشق ـ سانا : يجد مغني الأوبرا فراس البيطار في الموسيقى حياة وعالماً من الثقافة والعلوم، تلونت معانيها لديه باختلاف المراحل العمرية والثقافات التي اكتسبها منها منذ مرحلته الباكرة لتصبح اليوم رسالته للارتقاء بثقافة المجتمع.

عن سبب اختياره للغناء الأوبرالي يقول البيطار: «عشت في بيئة كان يجذبني فيها صوت الغناء الأوبرالي والموسيقى الكلاسيكية المرافقة للمواكب الجنائزية التي تمر في الحي حيث أعيش، محاولاً تقليد هذا الصوت دونما أي معرفة فيه، فوجهتني والدتي نحو الانضمام إلى فرق غنائية».

كانت بداية المغني البيطار مع «فرقة الأمل» بقيادة الموسيقي جان حسكور الذي عرفه بالفن الأوبرالي وقدمه إلى الجمهور كمغن شرقي غربي، إضافة إلى دور المقربين منه الذين شجعوه على الدراسة الأكاديمية فبدأ بدراسة الغناء مع الاختصاصية في علم الصوت أراكس تشيكجيان، قبل دخوله المعهد العالي. ويوضح أن أستاذته تشيكجيان بقيت متابعة له أثناء دراسته في المعهد العالي للموسيقى، حتى اليوم، إلى جانب أستاذه بيارالخوري الذي رافقه أيضاً أثناء دراسته الأكاديمية، كما تأثر بوالده الذي يملك صوتاً صداحاً وجبلياً وأخذ منه حبه وشغفه بالموسيقى. ويرى المغني الذي أدى عدة أدوار في الأوبرا أن الموسيقى الكلاسيكية السورية كعزف لها مكانتها وحضورها داخل البلاد وخارجها، ويؤكد أن في سورية أهم الموسيقيين عربياً، وبينهم من يملك بصمته العالمية، فثمة تطور ملموس للموسيقى خاصة، وللفنون عامة، في السنين الأخيرة.

يؤكد مقدم برنامج «طلة فرح» الإذاعي أنه رغم مغادرة عدد كبير من الموسيقيين بسبب الظروف الراهنة التي نعيشها ما زالت تقدم الأمسيات الموسيقية والعروض الفنية على المسارح السورية، لكن أعمال الغناء الأوبرالي شبه معدومة إذ ليس هناك من يقدم مغني الأوبرا أو يسعى إلى التعريف به، وإن وجد داعمون فهم قلّة.

يقول البيطار إن أغلب مغني الاوبرا لدينا يقدمون أنفسهم للجمهور بأعمال وجهد فردي، من خلال أمسيات يرافقها عزف على آلة البيانو، أو مع عدد من العازفين، مشددا على ضرورة بذل جهد حقيقي للنهوض بالمسرح الأوبرالي السوري وتقديم أعمال من تاريخ الموسيقى السوري الغني، لأن السوريين قادرون على تذوق ألوان الفنون.

يؤكد البيطار أن المؤسسة الثقافية والتعليمية الرسمية قامت بما ينبغي من خلال إنشاء المعهد العالي للموسيقى وكلية الموسيقى والمعاهد الموسيقية ودار الأوبرا، وتمويل هذه المنشآت ودعمها ايمانا منها بأهمية الموسيقى في المجتمع. لكن في الوقت نفسه، لا اهتمام من القائمين على هذه المؤسسات للنهوض بواقع الغناء الأوبرالي وتقديم أعمال تعرف الجمهور بالمغنين الأكاديميين، لذا نكاد لا نرى أي عمل أوبرالي يقدم المغنين السوريين بالشكل اللائق، وبالتالي يتجه الخريجون إلى العمل وكسب قوتهم إلى أماكن لا تليق بما تعلموه.

حول الغناء الشرقي يقول الأوبرالي الدمشقي: «أنا مغن شرقي في الأساس وابن هذه البيئة، فعبق الموسيقى الشرقية يفوح بين الحارات القديمة، كذلك عطر الياسمين وترانيم الآذان تلمس روحي ولا يمكنني الانفصال عن بيئتي، فالغناء الشرقي مزروع في داخلي».

عن تحوّل عدد من المتخصصين في الغناء الأوبرالي إلى الغناء الشرقي، يعتبر البيطار أن الغناء الأوبرالي يحتاج إلى جهد وصبر وسنين طويلة من التدريب والتعب، ويا للأسف لا نملك من يهيّئ مغني الأوبرا على نحو جدي، لافتاً إلى أن الدراسة في المؤسسات التعليمية الموسيقية عبارة عن تحضير للامتحان فحسب وليس ثمة بناء حقيقي للصوت.

يشير مؤسس «جوقة نور العالم» إلى أن معظم الأساتذة في المعاهد الموسيقية يحتاجون إلى اكتساب مهارات إضافية ليكونوا قادرين على تدريب الأصوات وجعلها قادرة على أداء الأعمال الأوبرالية، لافتاً إلى أن كثراً من مؤدي الغناء الشرقي يدعون أنهم يطبقون مدرسة الغناء الأوبرالي في الغناء الشرقي، وهذا دليل واضح على أنهم لا يعرفون أصول المدرسة الغنائية التي لا تختلف بين الغربي والشرقي في أصول تدريب الصوت وإخراجه.

يعشق مدرب الصوت والغناء تدريس الغناء ويقول: «أعيش مع الطالب وأدخل أعماقه وأتابعه بدقة بكامل حواسي، كي أتمكن من تقديم ما يحتاج إليه من معرفة وخبرة».ويعرب البيطار عن تفاؤله بمستقبل الموسيقى الكلاسيكية والغناء الأوبرالي في سورية قائلاً: «إن بلدنا يمتلك أجمل الخامات الصوتية وأهم الموسيقيين، فلو أتيحت لهم الفرص لقدّموا في بلدهم كامل طاقاتهم وإمكاناتهم، فالعمل بضمير وحب وتفانٍ كفيل بالارتقاء بالمجالات كافة، وبينها الموسيقى».

فراس البيطار مواليد دمشق 1982، يحمل إجازة في الغناء الكلاسيكي من المعهد العالي للموسيقى في دمشق، وديبلوماً في الموسيقى من جامعة دمشق، كلية التربية، وهو مدرب للصوت وأصول مدرسة الغناء الغربي والشرقي. أنجز عدداً من ورش العمل مع كبار مغني العالم مثل البريطانية شونا بيزلي والإيطاليين سيلفانا فرولي وأندريا غوتشي والإسباني جورج أغويليرا والكندي مارك دراغون والفرنسي رانسوا باردو والروسي فلاديمير مالتشينكو. كما شارك في عدد من المهرجانات مثل «مهرجان الأغنية والترنيمة الإنسانية قيثارة الروح» منذ انطلاقته و«مهرجان الربيع» إلى إحيائه العديد من الأمسيات في المسارح والمراكز الثقافية، ورافق حديثاً أوركسترا بوتشيني الإيطالية في حفل موسيقي في دبي ونال درع السلام من الشارقة بعد تقديمه أمسيات تحت عنوان «سلام لبلدي» أهداها إلى السوريين وجميع شعوب الأرض 2014. له عدد من البرامج الإذاعية من إعداده وتقديمه وحصد برنامجه الصباحي «طلة فرح» جائزة أفضل برنامج إذاعي ضمن برامج الإذاعة عام 2011، وهو مؤسس «جوقة نور العالم» التي قدمت في الفترة الأخيرة عدداً من الأمسيات تحت عنوان «ميلادك سلام».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى