مشروع المرأب… 2 بين الخلافات والقرارات المتسرعة

عبدالله خالد

عمّق مشروع المرأب، في الشكل الذي طرحه مجلس الإنماء والإعمار، والملابسات التي رافقته والخلافات التي واكبته والقرارات المتسرّعة والمتناقضة التي أعلنها المجلس البلدي، الشرخ الذي تعاني منه الفيحاء كنتيجة طبيعية للحرمان الذي رزحت تحته وأدى إلى شرذمة المجتمع الأهلي والمدني، بسبب عدم توصل القوى الفاعلة إلى اتفاق مبدئي ينحي الملف الاقتصادي-التنموي عن الخلافات السياسية، ويضع شرعة تؤكد على الثوابت التي يفترض أن يحصل إجماع حولها، انطلاقاً من أنّ إنعاش طرابلس سينعكس إيجاباً ويخفف من الضائقة الاقتصادية- الاجتماعية التي حلت بها بعد أن تقلص دورها وتراجعت وظيفتها.

الأمر المؤسف هو أنّ الحراك الذي شهدته مدينة طرابلس مؤخراً، من قبل القيادات والفعاليات والهيئات والمؤسسات المدنية أدى إلى تكريس التشرذم، بدلاً من السعي إلى بلورة توافق يركز على مصلحة طرابلس ويضغط من أجل إقرار مشاريع اقتصادية تنموية منتجة، تقلص البطالة في المدينة وتمنع استغلال شبابها وتوريطهم، نتيجة فقرهم، في مشاريع تجعل طرابلس صندوق بريد تتبادل عبره القوى المتصارعة في المنطقة الرسائل، وساحة صراع تبقي التوتر من دون تفجير كبير.

جاءت الخطة الأمنية الأخيرة لتنهي هذا الدور، أو تقلصه على الأقلّ، بحيث أصبح الإنماء مطلباً حقيقياً يرفد الخطة الأمنية ويحصّن أبناء طرابلس ويمنع غرقهم في وحول مشاريع مشبوهة دفعت المدينة ثمنها غالياً. والأمر المؤكد أنّ أحداً، مهما علا شأنه، لا يمكنه أن يقف حجر عثرة في طريق تنمية وتطوير عاصمة الشمال، وخصوصاً إذا استند إلى خطة وطنية شاملة تنطلق من أولويات واضحة وتستند إلى مشاريع منتجة بعيداً من العشوائية والارتجال. ومن هذا المنطلق، يجب التدقيق في أي مشروع يطرح في مرحلة نشهد فيها ضائقة اقتصادية رتبت أعباء معيشية ضاغطة لا تسمح بهدر ملايين الدولارات على مشاريع لا تسهم في تنشيط الوضع الاقتصادي لطرابلس والشمال.

بالعودة إلى مشروع المرأب، نجد أنّ المعلومات حوله ضاغطة وملتبسة وتحمل أكثر من تفسير وبعضها متناقض، خصوصاً بعد أن ازداد الشرخ بين مؤيدي المشروع والمعترضين عليه والمطالبين بإعادة دراسته ليشكل مدخلاً لإعادة إحياء ساحة التل بحيث تكون لها جدوى ومنفعة لطرابلس وأبنائها. وهذا ما يفترض أن تتضمنه الدراسة الجديدة التي وعدنا بها لتوضيح طبيعة المشروع وفائدته وكلفته والمخطط التوجيهي الذي استندت إليه.

وفي هذا السياق، تسربت معلومات من مصادر، قيل أنها موثوقة، تفيد بأنّ مشروع المرأب قد لزم لمقاول كبير من بيروت، محسوب على مرجع سياسي رفيع وبالصيغة التي أعدها مجلس الإنماء والإعمار من دون أي تعديل وأنّ الصفقة تضمنت توزيعاً للحصص صبّ الباطون، الحفر، نقل الرمال، ملكية الرمال، المطعم، الإدارة . وأشارت المعلومات إلى أنّ تنفيذ المشروع سيبدأ في نهاية هذا الشهر وأنّ وعوداً أخرى أعطيت للبعض حول فتح الباب للمساهمات والاستثمارات اللاحقة عند تشغيل وتخصيص المرأب وقد أصبحت أسماء المستفيدين من المشروع معروفة.

واللافت في كلّ ما يجري، أنّ أحداً لم يكلف نفسه عناء تكذيب أو مجرد التشكيك، على الأقل، في تلك المعلومات. كما أنّ معلومات أخرى سربت لتؤكد الإصرار على تنفيذ المشروع مهما كان الثمن. وهذا ما دفع البعض، في إطار الحرص على تمريره، إلى بذل وعود متناقضة لأطراف الصراع في المجلس البلدي حول إمكانية تثبيت رئيس البلدية أو تبديله، في إطار لعبة البحث عن المطبخ الذي يرسم فيه قرار طرابلس السياسي والاقتصادي والتنموي خارجها، وخلافاً لإرادة أبنائها، وتردّدت معلومات أخرى تفيد بأنّ تغير مواقف أعضاء المجلس البلدي من الرفض إلى الموافقة على المشروع قد تمّ بعد التغييرات الجذرية التي اقترحت والتي من شأنها التغيير في وجهة المشروع من مرأب يتضمن مواقف لسيارات الأجرة إلى قصر ثقافي يتضمن عناصر متعدّدة، من ضمنها مرأب يخدمه ويخدم ساحة التلّ بهدف تحويلها إلى منطقة مخصّصة للمشاة وتفعيل الحركة الاقتصادية والتجارية فيها، وهذا ما يؤكد ضرورة إعادة تصميم المشروع ليلحظ إنشاء مبنى السراي القديمة، حرصاً على إعادة إحياء مبنى السراي التراثي في ساحة التلّ.

ترافقت كلّ هذه الأخبار والمعلومات مع تسريب آخر يشير إلى أنّ مشروع المرأب أعيد إلى مجلس الإنماء والإعمار ليجري التعديلات اللازمة عليه. هذه التسريبات المتناقضة تجعل أبناء طرابلس يتساءلون عن أسباب الغموض والغاية منها، وخصوصاً أنه لم يصدر أي بيان رسمي يشرح حقيقة ما حدث والوضع الفعلي للمشروع اليوم، كما يستغربون الخفة التي تعامل بها رئيس وأعضاء المجلس البلدي مع المشروع وحقيقة الضغوط التي مورست عليهم ويعبّرون عن رغبتهم في معرفة حقيقة ما حدث، علماً أنّ مؤسسات دولية تنموية كشفت عن معلومات تؤكد وجود مرأبين في منطفة المشروع يستوعبان 1200 سيارة ويبعد أحدهما أقلّ من 100 متر مدرسة الجديدة فيما يبعد الآخر حوالي 1000 متر المعرض ، الأمر الذي يثبت أنّ المرأب لا يدخل في سلم الأولويات، إلا إذا كانت صفقة الحصول على الرمل الأحمر النادر الوجود في لبنان تبرّر وتتقدم على كلّ المشاريع المنتجة التي أجمع أبناء طرابلس على ضرورة تحقيقها. وهذا ما يطرح تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى