الأردن: النظام الوظيفي قبل الدولة والكيان

عامر نعيم الياس

احتدم النقاش في الآونة الأخيرة على صفحات الصحف العربية حول الأردن، هل هو دولة، أم كيان وظيفي؟ استخدمت العبارات الأكاديمية والشواهد التاريخية المستندة إلى أفكار مسبقة في الدفاع عن كلا المفهومين، لكن الغائب الحاضر كان في توصيف دور النظام الأردني في الشرق، أو بالمعنى الأصح في سورية الطبيعية على امتداد تاريخ إنشاء إمارة شرق الأردن وتعهيدها للأسرة الهاشمية كتعويض عن فقدانها للحكم العائلي الوراثي في كلٍّ من سورية والعراق وقبلها الحجاز.

لن نعود بالتاريخ إلى البدايات بل إن حرب 1973 وما كشفته الوثائق الاستخبارية «الإسرائيلية» قبل غيرها عن دور الملك الأردني الأسبق الحسين بن طلال في إخطار غولدا مائير بتاريخ بدء الحرب السورية المصرية، يبلور إلى حدٍّ ما الدور الوظيفي للكيان المستحدث في شرق الأردن، دور يكفله النظام القائم المحكوم بمستشارين أميركيين وثقافة بريطانية بحتة، ومال خليجي يساعده على البقاء لضخ بعض الدماء في عروق هياكل الكيان الأردني.

يوم أمس، سرّبت معلومات عن قيام طائرات من سلاح الجو الملكي الأردني بإلقاء ذخائر لجبهة النصرة في جنوب سورية، كجزءٍ من عملية إسناد جوي لـ«القاعدة» في معركتها الجديدة ضد مدينة بصرى الشام، في ضوء عجز الكيان الصهيوني عن الدخول بشكل مباشر على خط الجبهة الجنوبية في سورية مع اندفاعة الجيش السوري وحلفائه في هذه المنطقة ووضعهم بالحسبان كافة الخيارات والسيناريوات على الطاولة بما فيها الصدام المباشر مع جيش الاحتلال الصهيوني، في لحظة خلافٍ أميركي ـ «إسرائيلي» لا يمكن المرور عليه مرور الكرام.

يدخل الأردن في لعبة توزيع الأدوار في جنوب سورية، محاولاً الدفع بالنصرة لتحقيق إنجاز معنوي لكبح تقدم الدولة السورية وحزب الله في جنوب سورية وتحديداً في مثلث ريف دمشق القنيطرة درعا، تزامن ذلك مع تصريح لوزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام محمد المومني ربط فيه بطريقة خبيثة ومشبوهة بين تدريب العشائر العراقية في إطار التعاون مع حكومة العبادي في العراق في الحرب على «داعش»، وتدريب العشائر السورية في إطار موقف عداء علني وواضح للحكومة السورية أو بالحد الأدنى من دون التنسيق والحصول على موافقة الحكومة السورية، قائلاً إن «بلاده على استعداد لمساعدة القوات العراقية تدريباً وتسليحاً، وربما أبناء العشائر العراقية». مضيفاً «إن بلاده ستقوم بتدريب أبناء الشعب السوري، والعشائر السورية لمواجهة العصابات الإرهابية وداعش»، موضحاً أن عمليات التدريب، «تأتي كجزء من تحالف إقليمي عالمي في المنطقة للحرب على الإرهاب، يشارك فيه نحو 60 دولة على مستوى العالم».

إن التزامن بين التدخل الأردني المباشر في الجنوب والتلويح بتدريب العشائر السورية، يعكس حقيقة الدور الأردني المنفّذ للسياسة الأميركية في المنطقة من دون أي اعتراض، والساعي إلى استمرار الأزمة في سورية أطول أمدٍ ممكن، إذ يلوّح الأردن بورقة العشائر السورية المنتشرة على طرفي الحدود السورية والأردنية في محاولة لتشريع التدخل في سورية تحت ستارة الحرب على «داعش»، وتأهيل هذه العشائر بما يستنسخ التجربة الإشكالية العراقية المسماة «الحرس الوطني» والتي لم يكتب لها النجاح بعد كونها ترسّخ الانقسام والفرز الطائفي في العراق. أما في سورية، فلا يتوقع أن يكون هناك حرس وطني، بل «عشائر اعتدال» تمثل قوات متقدمة لخدمة أولويات الحرب الأميركية في سورية، بما يفسح في المجال لاحقاً لاستخدام هذه الورقة ضد الدولة السورية، وتحويل درعا إلى منطقة حكم ذاتي شبيهة بمشروع ما يسمى «وحدات حماية الشعب الكردي» في شمال شرق سورية.

هو نظام تابع للإدارة الأميركية والغرب يقوم بتنفيذ الأوامر حرفياً مسخّراً الدولة الأردنية في خدمة هذه السياسات، هنا يصبح الخلاف حول الدولة والكيان الوظيفي لا معنى له وحتى مواقف بعض النخب داخل الأردن، ولنا في سورية الدولة مثالٌ واضحٌ على ذلك، بمعنى أن هذا الصمود وهذه الاندفاعة لحماية سورية لا معنى لاستمرارها لو لم يكن الأساس هو الدفاع عن خيارات دولتها ونظام حكمها الوطني الذي يقود الدولة السورية ويسخّر إمكاناتها في خدمة سياسة الدفاع عن المصالح الوطنية لسورية في مواجهة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، فالمشكلة في النظام وأدواره وليس الخلاف حول ماهية الأردن.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى