حوار من نسج خيال «أستاذ منطق»: هل على الفلاسفة الانعزال؟

تستضيف «نيويورك تايمز» في موقعها الإلكتروني مساهمات العديد من الفلاسفة للإجابة عن سؤال: هل على الفلاسفة أن يعيشوا منعزلين؟ وهذه واحدة من أطرف المساهمات المنشورة حديثاً بقلم أستاذ المنطق في جامعة أوكسفورد تيموثي وليمسن. وتجدر الإشارة إلى أن الشخصيتين المشاركتين في هذا الحوار هما من خيال الكاتب.

إيغون: لماذا تستشهدين دائماً بأفلاطون إلى العشاء؟

تينا: ولم لا؟ تبدو أفكاره قريبة مما تقوله.

إيغون: دعك من أفكار أفلاطون، ما يهمني هو ما أفكر فيه أنا. التفلسف الأصيل نشاط فردي يسيطر عليه ضمير المتكلم. ينبغي أن أقوم به لنفسي. لا يمكن أن يقوم به أحد لحسابي ولا أن أقوم به لحساب أحد.

تينا: لِمَ إذن تكلمني بالفلسفة؟

إيغون: بل أطلب منك أن تتفلسفي لنفسك.

تينا: أليس هذا أمراً أقرره أنا؟

إيغون: بلى، لكن يبقى في وسعي أن أضع أفكاراً في رأسك، ولك أنت أن تقرري مسألة قبولها.

تينا: ولم أفعل في رأيك؟

إيغون: أنت شخص عقلاني.

تينا: شكراً.

إيغون: العفو، إنّه عامة تهرّب من المسؤولية أن تعتمدي على سلطتي بدلاً من أن تستعملي عقلك لتقويم ما أقول.

تينا: هل كنت تتهرب من المسؤولية حينما تركتني أراجع الحساب في المطعم بدلاً من أن تراجعه بنفسك.

إيغون: كلا، لكنك أدقّ في هذه المسائل مني.

تينا: قد أكون أدق في الفلسفة أيضاً.

إيغون: الفلسفة غير الحساب، ليست عملية آلية.

تينا: الدقة مهمة حتى في الأمور غير الآلية، فالبعض تنقصه الدقة على نحو رهيب في تقويم ما يفضله الآخرون.

إيغون: هذا خارج الموضوع. في الفلسفة نقوّم الأفكار نفسها، ولكلّ ذي عقل حق القيام بذلك.

تينا: ألا يمكن أن يكون للبعض حق يفوق حق البعض الآخر، أم أن جميع العقلانيين سواء في عقلانيتهم؟

إيغون: البعض يستخدم عقله أفضل من البعض الآخر، لكن المرء في حاجة إلى عقلانيته للحكم على عقلانية الآخرين.

تينا: حسناً، أستخدم عقلانيتي للحكم بأن البعض أكثر عقلانية مني والبعض أقل، وقد أقبل بفكرة فلسفية حول سلطة شخص أقدّر أنه أكثر عقلانية مني.

إيغون: إذن خذي بنصيحتي، وتفلسفي لنفسك.

تينا: ألا مشكلة في ذلك؟

إيغون: في وسعك أن تركلي سلم سلطتي بمجرد أن تصعديه.

تينا: لم أقل إنك أحد الذين أقدّر أنهم أكثر عقلانية مني. الحقيقة كنت أفكر في أفلاطون.

إيغون: حسناً، سأتوقف عن محاولة مساعدتك في التفلسف، سأخبرك فحسب كيف أتفلسف أنا. أريد أن أفكر في الأمور بنفسي، حتى لو لم أفعل.

تينا: وكيف تعرف أنك نجحت؟

إيغون: أفكر في الاعتراضات المحتملة على حلي، ولو وجدت إجابات عنها جميعاً أثق بأنّ حلي صحيح.

تينا: ربما تكون هناك اعتراضات لم تخطر لك، وغالباً ما يعمى الآباء عن أخطاء أبنائهم الأحباء، في حين يراها الآخرون بوضوح.

إيغون: هذا صحيح، لذا أجرب حلولي على أصدقائي لأرى تعليقاتهم.

تينا: تعتمد إذن على الآخرين في التفلسف في النهاية!

إيغون: بطريقة ما، لكن بطريقة أعمق لا أفعل، في نهاية المطاف، أنا أقوّم اعتراضاتهم، وإجاباتي عنها، بنفسي.

تينا: ألا تختبر إجاباتك على هؤلاء الأصدقاء؟

إيغون: بل أفعل ذلك أيضاً.

تينا: وهل يقبلون دوماً بإجاباتك؟

إيغون: كلا، يعترضون أحياناً، وأمسي مرغماً على التفكير في ردود على اعتراضاتهم أيضاً، وقد تستمرّ المناقشة بيننا جيئة وذهاباً.

تينا: أو تدور وتدور.

إيغون: مرات عديدة، إن كانوا عنيدين.

تينا: ماذا يحدث إن لم تستطع إرضاءهم؟

إيغون: يبقي لي في النهاية أن أحكم على مسار الحوار ككل.

تينا: وليس هم.

إيغون: هذه مشكلتهم.

تينا: ألا تخشى البتة احتمال أن يكون شيء ما غائباً عنك؟

إيغون: أقوّم اعتراضاتهم باعتناء، وهم يغيب عنهم شيء ما.

تينا: أخال أن افتراضاتك قد تبدو مقنعة لك عقلانياً، وليس لهم.

إيغون: شيء من هذا القبيل.

تينا: اقتناع شخص ما بأمر ما يتوقف على التنشئة التي لقيها وعلى خبرات حياتية أخرى، لعل أصدقاءك ينظرون إلى الأمور من زاوية مختلفة عن زاويتك، من دون أن تكون بالضرورة أسوأ منها، وقد يكونون مماثلين لك في الخلفية والرأي، ولو جرَّبت أفكارك في أعدائك فقد تعثر على مزيد من الاختلافات.

إيغون: ربما، لكن ما هو عقلاني لا يمكن أن يختلف من شخص إلى آخر.

تينا: هناك من يخالفونك حتى في هذا!

إيغون: أعرف، لكنهم مخطئون.

تينا: وأنت محق؟

إيغون: بلى.

تينا: هذا رأيك، لكن ما فائدة معيار العقلانية الموضوعي في إقناع الآخرين، إن كانوا لا يعترفون به؟

إيغون: قد يعترفون في النهاية، والشخص الذي يعنيني إقناعه في نهاية المطاف هو أنا.

تينا: هذا موقفك أيضاً في الفراش.

إيغون: في الفراش، رضا الآخر ضرورة لإحساسي أنا بالرضى.

تينا: هذا غير موقفك في المناقشة؟

إيغون: بل أكون أكثر رضى حينما أجد أن منطقي أرضى الآخرين أيضاً، لكن إرضاء حبيبة في الفراش أهم من إرضاء صديقة في المناقشة.

تينا: لم أكن أعرف أنك تعلي الجنس على الفلسفة.

إيغون: لست أفعل، إنما قد يخسر المرء حبيبة إذا لم يرضها في الفراش، في حين أن خسارة صديق لعدم إرضائه في المناقشة أقل احتمالاً، والرضى المتبادل أيسر عامة في الفراش، أما في المناقشة فهناك فائز واحد.

تينا: قد يتصور كلا الطرفين أنّه فائز.

إيغون: حينئذ يكون أحدهما على الأقل مخطئاً.

تينا: مثل مباراة تنيس بلا حكم، إذ لا يمكن للاعبين أن يتفقا على ما إذا كانت الكرة جاوزت الخط.

إيغون: حينئذ ينبغي أن يكون الأحدّ بصراً هو من يقرر، وفي الفلسفة ينبغي أن يكون الأفضل منطقاً.

تينا: أليس ظريفاً أن كل طرف في التنيس يرى الأمر على النحو الذي يحلو له؟

إيغون: بالطبع، للمصلحة الشخصية والأوهام الشخصية دور.

تينا: ولا دور لهما في الفلسفة؟

إيغون: أحياناً يكونان دافعين حتى للفلاسفة، لكن السماح بذلك يتنافى مع العقلانية.

تينا: ليس التفلسف لحساب نفسك مماثلاً للحفاظ على تقدمك في التنيس، وفقاً لتقديرك الشخصي لما إذا كانت الكرة جاوزت الخط أم لم تجاوزه؟ كل لاعب سيأتي بنتيجة مختلفة. لا ينبغي أن تكون الفلسفة حزمة من المونولوغات، ينبغي أن تكون حواراً حقيقياً.

إيغون: مثل محاورات أفلاطون؟

تينا: بلى، وإن تكن حواراته أكثر ميلاً إلى أحادية الجانب، بين سقراط الحكيم والشخص الأحمق.

إيغون: حوارنا هذا ألم يكن حقيقياً؟

تينا: لست أنت سقراط ولسته أنا، وسيكون من حظي أن يكتب شخص هذا الحوار، مشوّهاً تماماً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى