مختصر مفيد السعودية تنتحر

ما قامت به السعودية إزاء اليمن، أكثر من مجرد عدوان عسكري على سيادة دولة، بذريعة المطالبة الواردة من رئيس منتهي الولاية ومستقيل، فيما رؤساء دول أخرى اقتُلعوا بقوة التدخل الأجنبي وبطلب عربي، بذريعة أن جزءاً من شعبهم لا يريدهم، كما هي حال ليبيا. أو أن معارضة سياسية وعسكرية لم تستطع أن تسيطر على جزء من بسيط من النسبة التي سيطر عليها الثوار اليمنيون من بلدهم، ولم تستطع استمالة جزء بسيط من النسبة التي استمالها الحوثيون من القوات المسلحة في بلدهم، كما هي حال سورية، حيث يزاول الرئيس مهماته وصلاحياته من قصره الرئاسي ويدير مؤسسات الدولة ولم يطلب معونة أيّ دولة لتحميه، ولا تبدو المعارضة التي تنتصر لها السعودية موجودة إلا بقوة التدخلات الخارجية، سوى وقف التدخل السعودي ومثله التدخلات المشابهة من تركيا وقطر و«إسرائيل».

لا ينفع التذرّع السعودي بميثاق الأمم المتحدة ولا ميثاق الدفاع العربي المشترك. فالمعلوم أن التدخل الخارجي لدعم دولة يصبح ممكناً لمواجهة غزو خارجي من بلد آخر، لا لتأييد نظام حاكم ضدّ أحداث داخلية مهما أُلبِست ثوب الارتباط بالخارج. لأن المنطق يقول: من معه شعبه والدولة وأجهزتها، لا تهزّه مؤامرة خارجية تستخدم أدوات داخلية، فيخسر جيشه وأجهزة الأمن والناس، ولا يجد من ينصره إلا جيوش دول أجنبية. والمنطق يقول، إنه في حال نزاع داخلي مسلّح أو حرب أهلية، تتموضع على خطوط تماس حزبية وطائفية وقبلية، يصير التدخل الخارجي من مؤسسة الأمم المتحدة أو الجامعة العربية مشروطاً كما قالت تجربة لبنان بالتوصل لتسوية داخلية بالتراضي والتفاوض، يليها إرسال قوات تدخل او مراقبين وفقاً لما يرتضيه المتخاصمون في شروط المصالحة الوطنية، وفق برنامج متفق عليه ومهام محددة.

الواضح أن الدور السعودي يستند إلى ورقة توت مهترئة هي الرئيس المنتهية ولايته والمستقيل منصور هادي، لتبرير عدوان موصوف، لوضع اليد على اليمن وقمع ثورته، وقهر إرادته، وإلحاقه سياسياً وأمنياً بالعرش السعودي. واليمن هو اليمن، هو ثقل الخليج كله، وعدد سكانه ضعف مجموع سكان الخليج مجتمعاً بما فيه السعودية. واليمن هو تجّار السعودية ومزارعوها وصناعيوها، وحرفيوها وأساتذة مدارسها، وأطباؤها. واليمن هو بعض من جغرافيا احتلها السعوديون في جيزان وعسير ونجران.

السعودية تعتبر أنّ حربها تتخطى دعم شرعية منصور هادي كما تقول، وإلا لماذا هذا الحلف الممتد من باكستان إلى المغرب وبينهما مصر ودول الخليج والأردن والسودان؟ إن لم يكن الهدف هو حلف من لون مذهبي في وجه إيران، واعتبار اليمن الجغرافيا التي ستخاض فيها هذه الحرب، ليقول حلفاء أميركا الذين قررت السعودية حسم قيادتها لهم بالمال من جهة، وقدرة المبادرة من جهة أخرى، لتقول إنها تفعل في اليمن ما لم يستطع فعله الأتراك، لحسم وضع سورية، وما عجزت عنه «إسرائيل» في عملية القنيطرة ضد حزب الله.

تريد السعودية، بتأييد أميركي خوض آخر الحروب، في المنطقة، أملاً بقسمة الشرق الأوسط إلى شمال وجنوب، حيث الشمال يضم العراق وسورية ولبنان، وهناك يجري التسليم بدور إيراني مرجعي على المتسوى الدولي، مقابل السعي إلى انتزاع اعتراف بدور مماثل للسعودية في الجنوب الذي يشمل مصر والأردن والسودان والخليج والمغرب واستطراداً، وضمناً عرب أفريقيا والخليج والأردن، والرهان السعودي في حال نجاح المهمة اليمنية، بتحقيق أهدافها وتثبيت الهيمنة السعودية على القرار اليمني، خلق توازنٍ سلبيّ بين إيران والسعودية في المنطقة والعالم الإسلامي، يشكل ملحقاً ضمنياً للتفاهم النووي مع إيران.

الأسبوع الحاسم في مفاوضات الملف النووي الإيراني، هو الأسبوع الحاسم في مصير هذه المعادلة السعودية. فإن مر الأسبوع ولم تنجح السعودية بإطلاق مناخ داخلي في اليمن ضد الثوار، ينجح باسترداد الجزء الرئيسي من الجغرافيا اليمنية من يد الثوار، يبدأ العد التنازلي لفشل العملية، والحديث عن الحاجة إلى تدخل بري أو بدء الردّ اليمني على العدوان. وبالتالي تحول الأمر في كل حال إلى نزاع يمني ـ سعودي، يصير البحث له عن تسوية مصلحة سعودية ضرورة مهما كابر المكابرون. فالسعودية تخسر أمنها، واستقرارها، وتدخل استنزافاً لا طاقة لها على تحمله في ههذ الحالة، مهما قيل كلام آخر.

المشهد سيكون خلال شهر، أن التغيير المرتجى في اليمن لم يحدث، وأن الانتفاضة التي موّلها السعوديون لحساب منصور هادي وحزب الإصلاح أي الأخوان المسلمين، لم يتحقق منها ما يجدي، لتتغيّر التوازنات. وأن الحدود السعودية ـ اليمنية اشتعلت، والقصف بدأ يتراجع عن صفته تحالفاً إقليمياً، ليصير هجوماً جوياً سعودياً، وينضب بنك الأهداف العسكرية، ويبدأ العدوان بالتحول إلى استهداف التجمعات المدنية، والسكانية، وسيقع حادث دراماتيكي في قلب هذه المواجهة، يطلق تحولاً نوعياً عكسياً، تبدأ فيه الرياح تجري عكس الرغبات السعودية.

العدوان السعودي على اليمن يشبه عدوان حرب تموز 2006 على لبنان. إذ القوة النارية السعودية، والقدرة البرية السعودية مختبرة مع الحوثيين كما القدرة البرية «الإسرائيلية». وكما عام 1996 مجزرة قانا، سيرتكب السعوديون مجازر، ولن تكون السعودية مدللة أكثر من «إسرائيل» في العالم. أسعار الأسهم في البورصة السعودية كأسهم البورصة «الإسرائيلية»، تنهار في يوم الحرب الأول، الحوثيون لا يرعبهم التدخل السعودي لأنهم جزء من يومياتهم، كما حزب الله لم يرعبه «الإسرائيلي» يوماً وهم جزء من يومياته، والطريق في مساره واضح، السعودية ستخسر كثيراً، ويبدأ الذين وقعوا معها البيان الأول بسحب تواقيعهم والتذرع بالابتزاز المالي السعودي وأولهم الأردني والمصري والسوداني والباكستاني. وفي الخليج سيهرعون إلى إيران يطلبون التفهم والتوسط مع اليمن الجديد.

غريب الحديث عن أمن قوميّ عربيّ مهدّد من الحوثيين في باب المندب، تتذرّع به مصر لتغطية التحاقها بالسعودية. وقبل عشرين سنة كان باب المندب موزّعاً بين قاعدة سوفياتية في اليمن، وقاعدة أميركية وأخرى فرنسية في جيبوتي، واليمن وجيبوتي هما دولتا مضيق باب المندب، فما الذي سيحدث تهديداً للأمن القومي العربي إذا تغير نظام الحكم في اليمن؟

– هل ثمة فرضية لحرب صواريخ بين اليمن والسعودية، عنوانها موانئكم مقابل موانئنا ومطاراتكم مقابل مطاراتنا؟

– هل ثمة فرضية أن يدخل الحوثيون الأجزاء اليمنية المحتلة من السعودية؟

– هل ثمة فرضية إذا طالت الحرب أن يتصل اليمن بشرق السعودية؟

– هل صارت مسقط المكان الوحيد لصناعة التسويات في الخليج؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى