«داعش»… «زواج مصلحة» بين فصائل إرهابية يتزعّمها البغدادي وبقايا فلول نظام صدّام ٢

إعداد وترجمة ليلى زيدان عبد الخالق

لم يعد خافياًَ على أحد أنّ «داعش» وغيره من التنظيمات التكفيرية المتطرّفة التي تعيث قتلاً في سورية والعراق، يستخدم السلاح «الإسرائيلي»، ولا العلاقة الواضحة الجلية بين الكيان الصهيوني وتنظيم «داعش».

الصحف «الإسرائيلية» بحدّ ذاتها أكدت أنّ حوالى 700 عنصر من «داعش» ممّن أصيبوا في سورية عولجوا في «تل أبيب»، وهذا يدل على حجم الدعم المقدّم لهم، وعلى أنّ «إسرائيل» تموّل «داعش» بالأسلحة والمعدات والاموال وكافة أنواع الدعم التقني واللوجستي، كما عمدت الولايات المتحدة الاميركية الى تدريب مئات العناصر من «داعش» و«النصرة» في الاردن بتمويل خليجي معروف المصدر والجهة.

على العالم اليوم الّا يستمرّ في التعاطف مع «إسرائيل»، ألا يستمر مخدوعاً بـ«الهولوكوست»، ولا بالتضخيمات التي رافقتها. على العالم اليوم أن يلتفت إلى ما تفعله «إسرائيل» بحق الشعوب. إلى ما تفعله «إسرائيل» بحقّ أطفال فلسطين ولبنان وسورية.

على العالم اليوم أن يلتفت إلى من تدعمهم «إسرائيل»، إلى «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية المتطرّفة، التي لا تختلف بشيء عن «الهاغانا» أو «شتيرن» و«آرغون» في الوحشية والعنف والإرهاب، إذ بثّت هذه العصابات أفظع المشاهد الإرهابية لإجبار الفلسطينيين على الهجرة، وكذلك يفعل «داعش»، ولكن التفوق يظهر طبعاً في توفر التكنولوجيا التي مكّنت «داعش» من عرض هذه المشاهد بوجود «هوليود» والمؤثرات الصوتية والضوئية، بينما لم يكن ذلك ممكناً للعصابات الصهيونية.

على العالم ألا يهاجم العرب ولا المسلمين بسبب «إسلامية داعش»، أو الستارة الإسلامية التي يتلطّى بها «داعش». على العالم أن يبحث عن الصهيونية في تنظيم «داعش»، وأن يتعاطف مع المسلمين، ويكفّ عن التعاطف مع «إسرائيل».

اليوم، ننشر الحلقة الثانية والأخيرة من التقرير الذي نشرنا منه الحلقة الأولى منذ يومين، والذي اعتبرناه تحليلاً مثيراً للاهتمام، ترتكز قيمته في التعاطف مع العرب والمسلمين لا مع «إسرائيل» ـ كما جرت العادة.

يتابع مهدي حسن:

اللاهوتي

لا يكمن الإنجاز «الداعشي» الأكثر إثارةً للدهشة في حجم الأراضي التي استولوا عليها، إنما بالطريقة التي يتكتّل ضدّها أكثر من 1.6 مليار مسلم في العالم. وسواء كانوا سنّة أم شيعة، سلفيين أم صوفيين، محافظين أم ليبراليين، مسلمين وقادة مسلمين، يدينون وينددون بالإجماع جميع الأنشطة غير الإسلامية أو المعادية للتعاليم الإسلامية.

وبالنظر إلى البيانات المختلفة للجماعات الإسلامية كمنظمة التعاون الإسلامي على سبيل المثال، والمتمثلة في 57 دولة، فهي تقرّ بأن «داعش» لا يمتّ إلى الإسلام بِصلة كذلك يؤكد المجتمع المسلم في أميركا الشمالية: أن أفعال «داعش» لا تمثّل أي شكل التعاليم الإسلامية جامعة الأزهر في القاهرة، وهي المكان الأرقى لتعليم الإسلام السنّي في العالم: صرّحت أن تصرفات «داعش» تحت غطاء إسلامي ديني مقدّس ما هو الا محاولة تصدير كاذب للإسلام وحتى المفتي السعودي السلفي عبد العزيز آل الشيخ يقول إنّ «داعش» العدوّ رقم واحد للإسلام.

ومع ذلك، يتساءل المضيف اليميني شون هانيتي في محطة «فوكس نيوز» عن سبب صمت المسلمين حيال سلوكيات «داعش»: «أين القادة المسلمون؟»، ويؤكد هايغل هنا أن قادة «داعش» أصبحوا يتمتعون بالشرعية نفسها كأيّ قائد عربي آخر»

يقول أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة كامبردج وعميد جامعة كامبردج الإسلامية ومدرّب أئمة الجوامع البريطانية عبد الحكيم مراد: «تأتي الشرعية من خلال القادة الدينيين. فإذا كان القادة المسلمون لا يعتبرون داعش أمراً واقعاً وحقيقياً، فستكون الحال كذلك». وكان مركز الدراسات الاستراتيجية الملكي في الأردن قد وصف مراد بأنه أحد أكثر اللاهوتيين احتراماً في الغرب والذي تخوّله إنجازاته أن يكون من بين أبرز المسلمين في العالم.

إن العالم الديني سواء كان مسلماً أم مسيحياً أم يهودياً، محكوم بسيطرة مجموعة من المجموعات الأصولية التي تدّعي التفافها بعباءة الأصالة. ولقبول سيطرة مثل هذ الجماعات يقول مراد، نكون إما «سذّج أو مغرضين».

ويتابع: «ومثلما لم تمثل المسيحية بقيادة ميليشيات رادوفان كارادازيتش في البوسنة منذ 20 سنة مضت الكنيسة وتعاليمها، كذلك تفعل اليهودية المتطرفة من قبل مستوطني الضفة الغربية من حرق للمساجد، وهكذا، فإن داعش لا يمثل الإسلام».

ويشرح مراد أنه على عكس الحكمة التقليدية التي توحي بأن الإيمان الذي يتبعه الملايين من الناس حول العالم لا يبدو أنه يتمتع بتسلسل هرميّ، «فللإسلام قياداته، جامعاته، مفتيه، وأكاديمييه وجميعها تتنصّل من العلاقة مع داعش المهووس بقطع الرؤوس وتقطيع الأيدي». أما بالنسبة إلى العقوبات الدينية الكلاسيكية فيتمّ تحديد تعاليم الدين في كلّ عصر للإجماع على معنى النصوص الشرعية المعقدة من قبل من نصّبوا أنفسهم «مستشاري الشريعة» في وسط مناطق الصراع.

ويقول مراد: «قبل أحداث العراق عام 2003، كنا بالكاد نسمع عما يسمّى بالسلفية الجهادية المتطرفة في العراق وسورية، وحتى في جوامع هذه البلدان. فالرجال الغاضبون الذين عانوا مما لحق بهم في سجون التعذيب الأميركية، والتي وصلت إلى أقصى أنواع العنف والأذية. إنه ردّ فعل نفسيّ وليس التزاماً إيمانياً وفياً للمعايير الإسلامية الكلاسيكية الفقهية. وفي ضوء هذه النظرة الإسلامية اللاهوتية، فإن داعش يدين لأولئك الأوروبيين اليمينيين المتطرفين. ما سيفرض قراءة متجانسة لتأسيس أدبيات ضخمة ومعقدة مبنيّة على أسس دينية مختلفة، وهذا أمرٌ جديد للغاية في الحضارة الإسلامية، ويمثل دفعة أكثر شمولية، تبدو أقرب إلى الفاشية الأوروبية منها إلى المعايير الإسلامية الكلاسيكية.

الراديكالي

تحوّل الشيخ مبين تربّى في تورنتو من أبوين هنديَيْن مهاجرَيْن بعدما كان يتمتع بأسلوب خاص في مراهقته مثل تعاطي المخدرات واللحاق بالفتيات والتردّد إلى الحفلات، إلى اعتناق الجهادية المتشدّدة المثيرة لمشاعر الكره والغضب.

شعر بأنه أصبح «غريباً في أرضه وبيته»، في إشارة من الشيخ إلى أزمة هوية ساعدت في نموّ «حسّه الجهادي». فبعد أحداث 11 أيلول عام 2001، فكر في الذهاب إلى أفغانستان أو الشيشان لأن: «هذا هو الأمر الصحيح الذي ينبغي القيام به».

إنه لمسارٌ مألوف، تأثر به من قبل أمثال تامرلان وجوهر تسارناييف، الأخوان المتهمان بتفجير ماراثون بوسطن، وكذلك شريف وسعيد كواشي، مهاجمَي «شارلي إيبدو» في باريس قال صديق سابق لشريف أنه لم يكن يدرك الفرق بين الإسلام والكاثوليكية، قبل أن يتحوّل إلى ذلك المتطرف بعد مشاهدته لصور الجنود الأميركيين يهينون المسلمين في سجن أبو غريب، كما أوضحت صحيفة «نيويورك تايمز».

تخلى الشيخ بعدها عن أفكاره العنيفة بعد دراسته على شيخ مسلم صوفيّ في الشرق الأوسط، ليتطوّع بجرأة في دائرة الاستخبارات المركزية الكندية لمكافحة تسلّل عدد من المجموعات المتطرفة إلى تورنتو.

أخبرني الشيخ الأصلع والملتحي البالغ من العمر 39 سنة، وهو مستشار لدى المسؤولين الكنديين، أنه من المنافي للعقل والحكمة القول بأن قتل «داعش» المسيحيين والأيزيديين منصوص عليه في القرآن الكريم أو موصى به في العقيدة الإسلامية. وإذا كان كذلك، «كان لا بدّ أن يقوم المسلمون بذلك منذ أكثر من 50 سنة، إلا أننا لم نشهد على شيء من هذا القبيل».

وهو بذلك يقدم لنا ثلاثة تفسيرات واضحة حول الأسباب التي تمنعنا من اعتبار «داعش» ظاهرة إسلامية. يوافق الشيخ قائلاً: «الادّعاء بأن داعش إسلامية هو استخدامٌ سطحي وسخيف، لأن المراجع الإسلامية نفسها تقول إن هؤلاء ليسوا إسلاميين. ويستشهد في ذلك بقولٍ صادر عن أول خليفة للمسلمين أبي بكر الذي قال: لا تقتلوا الأطفال، النساء أو الشيوخ… فعندما تأتون إلى أولئك الذين اختاروا العيش في أديرتهم، أتركوهم وشأنهم».

وبالنسبة إلى «الشيخ»، التكفيريون هم أولئك الذين يعلنون أن غير المسلمين مرتدّون، وهذا ما ينادي به خليفتهم البغدادي الذي يُعدّ من أبرز علمائهم المعتمدين، ويضيف الشيخ ساخراً: «فحتى الشيطان يمكنه الاقتباس من الكتاب المقدّس».

ثانياً، يؤكد «الشيخ»، أنه من الخطير في مكان أن نضمن تمتع «داعش» بالشرعية الدينية وسط جهود لتحديد صياغة متماسكة حول استراتيجية مواجهة التطرّف العنيف التي يعتمدها الغرب. ومن المحتمل جداً أن توجّه ضربة قاضية في هذا المجال، لأنه يدين المسلمين صراحةً وعلانية… إنها مقاربة انفصامية لن تعرف النجاح مطلقاً.

ثالثاً، يذكرني «الشيخ» بوزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد الذي استشهد في عدد من خطبه ببعض الآيات من الكتاب المقدّس، كأن نتساءل عما اذا كانت الحرب العراقية حرباً مسيحية على دولة مسلمة؟ أو عن الآيات المحفورة في الكتاب المقدّس والتي تنصّ على استخدام البنادق في حروب العراق وأفغانستان؟ ويختم «الشيخ» هذا الحوار بالقول: «إن مقاربة نهج مكافحة الإرهاب لا يعود فقط إلى عوامل إيمانية أو إلى الدين، بل يتعدّاه إلى عوامل أخرى سياسية، اجتماعية ونفسية».

استطلاعات الرأي

ما لا تعرفه داليا مجاهد عن الرأي العام المسلم قد لا يستحق أن يُعرف. واستطلاعات الرأي السابقة والتي أجراها مركز غالوب التخصصي في الولايات المتحدة بالتعاون مع الأكاديمي جون أسبوزيتو تحت عنوان «من يتحدث بإسم الإسلام؟ ما الذي يفكر فيه مليار مسلم»، والتي استغرقت سنوات ستّ، وضمّت أكثر من 50000 مقابلة أُجريت مع مسلمين في أكثر من 35 دولة، أظهرت نتائج الاستطلاع وضوحاً صارخاً: الغالبية العظمى من العالم الإسلامي ترفض أسلوب «داعش» العنيف.

تضمّن كتاب مجاهد السابق الذكر – نتائج استطلاع غالوب، فـ93 في المئة من المسلمين على سبيل المثال أدانوا هجمات 9/11 2001. وقالت لي مجاهد إن مؤسسة غالوب وجدت في أسئلة المتابعة أنه ما من شخص واحد بين الخمسين ألف أقرّ بأن القرآن يشمل آيات تدافع عن الإرهاب، بل هم استعانوا بذكر بعض الآيات القرآنية للتدليل على عدم أخلاقية هجمات 9 أيلول.

تعاطف 7 في المئة من المسلمين مع هجمات برجَي مركز التجارة العالمي «يتوافق هذا الموقف مع مبدأ المعاملة بالمثل: يقتلون شعبنا. ونستطيع قتل شعبهم».

وبالتالي، فمن غير السليم تجريبياً، الخلط بين المعتقد الديني، ودعم العنف. فمجاهد ـ المصرية الأميركية ذات الأربعين سنة، التي أصبحت أول امرأة مسلمة ترتدي الحجاب وتعمل في البيت الأبيض وتحديداً في مجلس باراك أوباما الاستشاري حول «الشراكة الدينية»، تقول انها كانت متفاجئة بنتائج الاستطلاع هذا «الذي واجه كلّ ما يُقال حول فرضية أننا نصنع استراتيجيتنا الخاصة في مواجهة الإرهاب».

أما بالنسبة إلى ادّعاءات هايغل من أن الإسلام هو «ما يقوم به المسلمون وكيف يعملون على تفسير نصوصهم الدينية»، فترفضه مجاهد رفضاً عنيفاً، وتقول: «إذا كان الإسلام فعلاً ما يفعله المسلمون، فإن داعش بالنسبة إلى مجموع المسلمين حول العالم يمثل نسبة ضئيلة حقاً».

كيف تكون هذه العصابة التي دانها العالم برمته لوحشيتها وعنفها مسلمةً أكثر من المسلمين أنفسهم، وهي لا تكاد تمثل جزءً ضئيلاً من المجتمع الإسلامي العالمي؟

وتتابع المستشارة في البيت الأبيض قائلة: «إن أيّ فلسفة أو إيديولوجية، من المسيحية إلى الرأسمالية، تمتلك عدداً من السلطات والمبادئ المعيارية تحاكي تلك المعايير. ولديها ايضاً بعض المنحرفين ممن يشوهون تحقيق تلك الأهداف السياسية. إذا ما أنكرتُ وجود المسيح، وأسمّي نفسي ـ في الوقت عينه ـ مسيحياً، سأكون مخطئاً. إذا ما قلتُ إنه على الدولة أن تضع يدها على ممتلكات الشعب ثم تقوم بإعادة توزيعها بالتساوي في ما بينهم، وأدّعي بأنني رأسمالياً، سأكون كاذباً من دون شك. لا يختلف الإسلام مطلقاً عما أسلفتُ».

وكما فعل مراد، تعيد مجاهد تصويب النقاط التالية: «أعلنت السلطات الإسلامية أن داعش غير إسلامي. ولهذه الأسباب، فإننا نتقدّم بشكوى انتهاك المبادئ المعيارية للفلسفة على النحو المحدّد من قبل أولئك الذين يمتلكون سلطة اتخاذ القرارات، هي ببساطة غير شرعيّة».

لكن ماذا عن ادّعاءات هايغل بأن مقاتلي «داعش» يستشهدون دوماً بنصوص من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، أو ببعض التقاليد من حياة النبي، وأنهم يداومون على المجاهرة بعقائدهم مرتدين أزياءهم الرسمية عبر شاشات الكاميرا؟ وتتساءل مجاهد: «لمَ يقومون بذلك، لو أنهم فعلاً لا يؤمنون بما يقومون به أو ليسوا صادقين حياله؟ القرآن والحديث وفقاً لمن؟ وكما فُسّر على يد من؟ وكما فهمه من؟».

تؤكد مجاهد ـ التي شغلت منصب المدير التنفيذي لمركز غالوب للدراسات الإسلامية حتى العام 2012 وتعمل حالياً في معهد السياسة الاجتماعية، وتمتلك شركة استشارية خاصة مقرها واشنطن ـ أنّ «داعش» يستخدم لغة ورموزاً إسلامية اليوم، تشبه إلى حدّ بعيد في أسبابها، تلك التي استخدمت فيها المجموعات الفلسطينية العسكرية اللغة القومية العربية العلمانية في الستينات والسبعينات.

وتضيف: «تستخدم أيّ منظمة الوسط الاجتماعي السائد في محيطها… فالعملة الأكثر تداولاً اليوم في العالم العربي، هي الإسلام. فأكثر من 90 في المئة من العرب المسلمين يقولون أن الدين يشكل جزءً رئيسياً من حياتهم اليومية وفقاً لما جاءت به نتائج استطلاع غالوب. فالجميع ولا يقتصر الأمر فقط على داعش يتحدث لغةً إسلامية، بدءاً من دعاة الديمقراطية إلى جماعات المجتمع المدني المناهضة للأمية».

وتخلص مجاهد إلى استنتاج رائع يقول: «إن قراءةً عنيفة للقرآن لا تؤدي إلى عنف سياسيّ. بل إن العنف السياسي يؤدي حتماً إلى قراءة عنيفة للقرآن».

وفي مقال نُشر في مجلة « Foreign Policy»، ومن بلدة الزرقاء، مسقط رأس أبي مصعب الزرقاوي، والتي تعتبر واحدة من أقسى المواطن الإرهابية للتطرف الإسلامي، جلس دايفيد كينير مع مجموعة من الشباب الداعمين لـ«داعش». «لم يبدُ على أحدهم التديّن. ولم يسعَ أيّ منهم إلى تحويل الحوار للبحث في مسائل دينية، كما لم يتزحزح أحدهم من مكانه عند ارتفاع صوت الآذان والنداء للصلاة. لكن، كان يظهر للعيان غضبهم وسخطهم من الطريقة المذلّة التي عوملوا بها من قبل رجال الشرطة أثناء المذابح السنيّة في العراق وسورية ـ أكثر من اهتمامهم بالغوص في تفسيرات مفصّلة للنصوص الدينية».

يعجز القلم ـ في أحيان كثيرة ـ عن التعبير أو الوصف: ليس أتقاكم من هو أكثركم إرهاباً، أو انضماماً إلى صفوف «داعش». فما من دراسات أو بحوث مسيحية تكشف أيّ دليل لوجود «الحزام الناقل» الذي يحوّل الإنسان من مؤمن راسخ إلى مروّج للعنف.

يؤكد سايغمان، كما غيره من الخبراء، أن الدين يلعب دوراً في مسار التطرّف. أعتقد انه عذرٌ تبريريّ أكثر منه سبباً لذلك. فـ«داعش» هو نتاجٌ واضح للقمع السياسي، الجريمة المنظمة، وزواج المصلحة في ما بين الأنظمة الحاكمة والعلمانيين البعثيين الساعين إلى السلطة، فضلاً عن كونه نتاجاً لفساد المعتقدات والممارسات الإسلامية. أما العلماء المسلمين، فقد نبذوا ـ بالإجماع ـ «داعش»، على حدّ قول مراد، بينما دان المسلمون العادّيون حول العالم البغدادي وأتباعه المتعطشين للدماء، على حدّ تعبير مجاهد.

إذاً، ما يُسمى بتنظيم «الدولة الإسلامية»، هو «إسلاميّ» بقدر ما هو الحزب الوطني البريطاني «بريطاني»، أو الحزب الشعبي الديمقراطي في كوريا الشمالية «ديمقراطي». ولا يرى المحلّلون خطراً في أن تكون هذه الكيانات السابقة الذكر ممثلة إما لبريطانيا أو للديمقراطية لكن، لمَ الكيل بمكيالين في ما يتعلق بتنظيم يُطلق على نفسه اسماً إسلامياً ولقباً دينياً؟ لمَ هذا الميل لإثارة الضجيج والزوابع الإعلامية حول ما يُسمى بـ«داعش؟».

علينا توخي الحذر من فخ نصبه لنا البغدادي وجماعاته، فخٌ وقع في شركه الكثير من الجماهير المحبطة. وقد أسرّ لي أحد مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية ممن عملوا في مجال مكافحة الإرهاب، عن مدى قلقه حيال تصريحات كلّ من وود، هايغل، بيرغين وغيرهم في مجلة الأتلانتيك والتي قد تساهم في صنع السياسات الأميركية المقبلة. وقال: «إنه لمن المحبط ان يطالعك بعض المحللين بمثل هذه التصريحات في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس أوباما إلى تهميش كل المطالبات المتطرفة للشرعية الإسلامية».

تؤكد مجاهد على أن رئيسها السابق يحاول جاهداً الفصل بين التطرف العنيف في العقيدة الإسلامية في خطاباته العلنية. وتقول: «إن إعطاء جماعات إرهابية مثل داعش الشرعية الدينية، يكون كمن يسلمهم الانتصار الإيديولوجي الذي يشتهونه».

إن الادّعاء بإسلامية «داعش»، لهو ادّعاء اعتباطيّ وغير دقيق بالمطلق، ناهيك عن إهانة 1.6 مليار مسلم على هذا الكوكب. والأهم من كل ذلك، أنه أمرٌ خطير واستسلاميّ، فضلاً عن أنه يمنح البغدادي وأتباعه من المجنّدين، هدية إعلامية مجانية تقدّم اليهم على طبق من فضة، وتساعد على انضمام المئات، لا بل الآلاف من المحبطين الجدد إلى صفوفهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى