قالوا: مملكة الخير

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

تناقل الناس منذ زمن مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز أن الملك جمع أبناءه الأكبر سناً حول فراش الموت وقال لهم: «رخاؤكم في ضنك اليمن وصحتكم في أساه».

هذه الرواية إن صحت فهي تعكس طبيعة الموقف السعودي التاريخي من اليمن أرضاً وشعباً وحضارة، وإن خالطها الشك والريبة فإن النتائج تُعبّر عن الطبيعة ذاتها والموقف نفسه. أي أنّ «البعره تدل على البعير والأثر يدل على المسير»!.

ليس تجنّياً أن نقول إن السعودية مارست أبشع أنواع الإهانة ضد الشعب اليمني. عاملته معاملة العبيد. جوّعته، أفقرته، قسّمته، ونشرت الفتن بين أبنائه وأمدّته بالمال والسلاح ليستمر اليمنيون بالتناحر والتنافر فتأمن المملكة التي سمّت نفسها: «مملكة الخير»!

أي خير عندما تسعى المملكة المشؤومة باستغواء صغار الكسبة الذين يقودهم حبهم للنفط السعودي إلى جعل اليمن بلداً فاشلاً وبائساً.

فمن يتابع المسار التاريخي للسعودية في اليمن يدرك بسهولة النظرة الاستعلائية الاستكبارية من الطغمة الحاكمة ضد شعب اليمن الذي دعا له النبي صلى الله عليه واله وسلم عندما قال: «اللهم بارك في يمننا» و«الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية»، وهي نظرة قديمة تتكشف اليوم ملامح أخرى منها عبر تسليط المفسدين والتلاعب بالحقائق وتقديم ما يحصل في اليمن على أنه انقلاب فيما «عاصفة الحزم» هي لاستعادة الديمقراطية فقط!

فهل يعقل أنّ نظاماً استبدادياً إنما يقوم بهذه الحملة لأجل منح اليمنيين الديمقراطية!

ومن قال إنّ اليمنيين يحتاجون مساعدة بهذه الطريقة الغشومة الظالمة الخارجة عن القوانين الدولية والشرعية والأخلاقية.

هل تريدنا السعودية أن نصدق أنها تفعل ذلك من أجل آلام ومعاناة اليمنيين وهي التي لم تسأل عن خبزهم ومائهم وأمنهم، بل هي من ضاعفت عذاباتهم وهي من صنعت لهم مصاعبهم وأوضاعهم الاقتصادية والسياسية والأمنية القاسية.

أتوقف عند هذا الحد وأسأل: ماذا تريد السعودية من ضرباتها في اليمن؟ لماذا تستقدم قوات متعددة لضرب اليمنيين فيما جزرها محتلة من قبل الصهاينة ولم تحرك على ذلك ساكناً؟

لماذا يشارك الأردن في العدوان على الشعب اليمني والعدو «الإسرائيلي» أقرب إليه من أزقة صنعاء البائسة؟

لماذا يشارك السودان في عدوانه على اليمنيين فيما فشل في مواجهة من أراد له التقسيم؟ لماذا دبّت الحمية في المصريين وإلى جوارهم شعب فلسطيني مظلوم يحتاج كل حبة قمح وطلقة رصاص.

نعم هؤلاء هم العرب الأشاوس الذين يملأون الساحات زعيقاً حين تطل الفتن برأسها ويجلسون كالنساء في جحورهم عندما تهدد «إسرائيل»؟ هذه النخبة العربية البلهاء والعاطلة تنثر علينا كل يوم خطباً ومواعظ بالية بعيداً بعيداً عما هو مطلوب من أهداف إنسانية وأخوية وقومية وإسلامية.

على كلّ حال فإن السعودية إنما تجني على نفسها بحزمها المفتعل، واليمن عسير المنال على أمراء أغرار لا عهد لهم بالرأي والحكمة.

قال الأحنف بن قيس: «من فسدت بطانته كان كمن غصّ بالماء، ومن غصّ بالماء فلا مساغ له، ومن خانه ثقاته فقد أتي من مأمنه»!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى