ممالك النفط و«الشرعية السياسية»!

نصّار إبراهيم

ما سمعناه من خطابات ومعلقات وأناشيد عن «الشرعية السياسية» في قمة مهازل العرب في شرم الشيخ، مثير للضحك حتى الثمالة. هي فعلاً قمة «شرم الشيخ» اسم على مسمّى. فكم هم مضحكون وساذجون ومنافقون وبائسون وهم يتحدثون عن الشرعية السياسية.

عبد ربه منصور هادي الذي خلعته أغلبية الشعب اليمني مشغول بالشرعية السياسية، حتى ولو كان ثمنها تدمير اليمن ذاته وإبادة اليمنيين. المهم الحفاظ على شرعية فخامته، كذنب لآل سعود وأسيادهم وراء البحار وأمامها.

دعونا نغمض أعيننا ونصدّق حكاية «الشرعية السياسية» تلك، فمرحباً بالشرعية السياسية وأخواتها وعماتها وشقيقاتها وجاراتها وعشيقها أيضاً.

حسناً لنسأل، وذلك فقط من باب الحرص على صحة المولود الجديد في الخطاب الرسمي العربي في «شرم الشيخ» طبعاً، أي «الشرعية السياسية»، ولكي نفهم أو ندافع وربما نشارك في قصف اليمن، بما نملك من طائرات حتى ولو ورقية، دفاعاً عن الشرعية السياسية وقدّها الميّاس.

السؤالهو: ألم يكن رئيس أوكرانيا السابق فيكتور يانوكوفيتش، الذي انقلبت عليه العصابات المدعومة من الدول الكولونيالية الغربية ألم رئيساً منتخباً يحظى بالشرعية السياسية وقد طلب الدعم من روسيا؟ ماذا لو أنّ روسيا أبادت أوكرانيا دفاعاً عن شرعية الرئيس يانوكوفيتش؟ ولماذا لم يحفل عشاق «الشرعية السياسية» بهذا الانقلاب الفاضح عليها؟

سؤال آخر: يا عمدة مصر عبد الفتاح السيسي، وفقاً لهذه المعايير بالضبط، والتي تشنّون الحرب على اليمن بذريعتها، أليس من حقّ محمد مرسي التمسك بـ«الشرعية السياسية؟ وماذا لو طلب التدخل الخارجي لتدمير مصر دفاعاً عن «شرعيته»؟

وبالنسبة إلى حركة حماس التي أعلنت أيضاً تمسكها بـ«الشرعية السياسية» في اليمن، وطبعاً السبب معروف وهو أنّ حزب الإصلاح أي حركة «الإخوان المسلمين» تؤيد «الشرعية السياسية» في اليمن، فيا حركة حماس المناضلة، ألم يكن ما قمتم به، وفق المعايير نفسها، في تموز 2007 في غزة انقلاباً على «الشرعية السياسية»؟ إذن من حقّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس مطالبة العربان بالتدخل.

أليس الرئيس بشار الأسد الذي انتخبه أكثر من 88 في المئة من الناخبين السوريين، رئيساً منتخباً يحظى بالشرعية السياسية؟ فلماذا تدعمون وتسلحون وتموّلون كلّ مارق وقاتل وإرهابي وتكفيري يعمل لتقويض الدولة السورية والشرعية السياسية والدستورية في سورية العروبة والخير؟

هناك أسئلة كثيرة وأمثلة عديدة على مهزلة الشرعية السياسية وتوظيفها كخادمة للسياسات عند الضرورة. فهل يذكر قيام برويز مشرف بانقلاب عسكري عام 1999 على شرعية نواز شريف في باكستان، ومع ذلك تعاملت معه كلّ «الديمقراطيات العريقة» وممالك العربان؟ ماذا عن المحاولات الانقلابية التي كانت تنظمها الولايات المتحدة من وقت إلى آخر ضدّ الشرعية الثورية والسياسية والوطنية لرئيس فنزويلا الراحل البطل تشافيز، ولاحقاً ضدّ الرئيس الحالي مادورو؟

إنها مجرد أسئلة، وبالمناسبة، ولكي لا تخطئوا فإنني أوضح ما يلي: لقد استخدمت أعلاه تعبير ومفهوم الشرعية السياسية، وفقاً لمنطق العربان وليس وفقاً لمنطقي أنا، ذلك لأنّ «الشرعية السياسية» في واقع الأمر لا تساوي عندي خردلة إذا لم تكن ذات مضمون قومي وطني وتحرّري، مضمون يقوم على الكرامة والسيادة والاستقلال والحرية سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.

وبناء عليه، فإنّ أيّ نظام أو ملك أو زعيم أو قائد أو رئيس بلدية حتى، لا يلتزم في مواقفه وسلوكه بهذه المبادئ ويعكسها في برامجه وسياساته واستراتيجياته فهو فاقد للشرعية الوطنية التي هي أهمّ، مليون مرة، من الشرعية السياسية الشكلية، وبهذا المعنى بالضبط، فلا أحد من كلّ ملوك وأمراء وسلاطين النفط والرمال يملك أية شرعية سياسية، أي الشرعية القومية الوطنية الحرة وعلى كلّ المستويات، والتي يمكن تكثيفها بالسيادة الوطنية والاستقلال الكامل، وهنا لم أقصد ولم أصل بعد إلى مفهوم الشرعية الثورية . ولهذا فهم ساقطون حكماً وشرعية، ساقطون سياسياً ووطنياً وقومياً، لأنّ كلّ الشرعيات السياسية الشكلية لا يمكنها أن تغطي على فضيحة احتلال فلسطين وقتل شعبها وتشريده وتدمير وتدنيس مقدساته، ففلسطين هي التي تعطي الشرعية وتمنعها، وأيّ حديث عن الشرعية السياسية في ظلّ الصمت والتواطؤ على احتلال فلسطين هو مجرّد لغو فارغ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى