قمة بكركي: انتخاب رئيس لضمان بقاء الدولة

أعرب رؤساء الطوائف عن قلقهم واستيائهم للفراغ في سدة الرئاسة لما يشكله من خطر على لبنان وأمنه وسلامته، وحتى على صيغته الحضارية التي يعتبرها رسالة الى محيطه والى العالم. وشجعوا على استمرار الحوارات على رغم أنها لم تثمر إلا القليل ولم تلامس الوجع الأساسي الذي هو انتخاب رئيس الجمهورية. وشددوا على «أن موضوع انتخاب رئيس للجمهورية يجب أن يبقى الموضوع المحوري والملح لأن رئيس الجمهورية المسيحي الماروني هو الضمانة الاساسية لاستمرارية العيش معاً وبالتالي لبقاء الدولة اللبنانية».

ولفتوا في خلال القمة الروحية التي انعقدت في الصرح البطريركي في بكركي بدعوة من البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى «أن مسألة النزوح السوري أدت إلى تخطي قدرة لبنان على الاحتمال ما تسبب بإرهاق كاهل الخزينة، ودعوا إلى ضرورة مأسسة القمة الروحية وجعل اجتماعاتها فصلية، وأشادوا بالجيش والقوى الامنية وطالبوا بوجوب تسليحهم ليتمكنوا من محاربة الإرهاب».

وجدد المجتمعون في بيان تلاه الأمين العام للجنة الحوار الاسلامي المسيحي حارث شهاب «دعوة القوى السياسية اللبنانية كافة إلى الاحتكام إلى المصلحة الوطنية العامة وإيلائها الأفضلية على كل مصلحة أخرى، وذلك للخروج من دوامة الدوران في فراغ جلسات الانتخاب العقيمة التي لم تؤد حتى الآن إلا إلى استمرار هذا الفراغ والى تضاعف مخاطره».

وأشار المجتمعون إلى «أن التأخير في انتخاب رئيس للحمهورية ينسحب سلباً على كل المؤسسات الدستورية والمؤسسات العامة، فتتعطل الواحدة تلو الأخرى، ويتم ملء الوقت الضائع في محاولة استنباط حلول لمشاكل تنجم عن هذا الفراغ. بينما المطلوب واحد وهو الاحتكام إلى صندوق الاقتراع في المجلس النيابي وفقاً للدستور». وناشد المجتمعون المسؤولين بضرورة إيلاء الشأنين الاقتصادي والاجتماعي عناية فائقة، لما يترتب على المواطنين من ثقل الازمات المتراكمة على هذين الصعيدين». وأكدوا «أن المدخل لمعالجة هذه القضايا هو التعجيل في إقرار الموازنة العامة للدولة، والعمل على ضبط الانفاق غير المجدي، وتعزيز الانفاق الاستثماري الذي يعود بالنفع على الحركة الاقتصادية لتنشيطها، بحيث يستفيد المواطنون منها ان لجهة ايجاد فرص عمل جديدة، او لمساعدة الفئات الأكثر فقراً».

ولفت رؤساء الطوائف إلى «أن الحروب والصراعات الدائرة في سورية والعراق قد خلفت مآسي لا تعد، من مقتل مئات الآلاف، إلى تدمير العديد من المدن والبلدات والقرى، إضافة إلى تهجير ما يزيد على مليون ونصف مليون من النازحين السوريين إلى لبنان، فضلاً عن آلاف النازحين العراقيين، ناهيك عن ما يزيد على نصف مليون لاجئ فلسطيني. وقد أدى دخول النازحين السوريين غير المنظم وانفلاشهم على امتداد الجغرافيا اللبنانية، إلى تخطي طاقة لبنان على الاحتمال على أكثر من مستوى، من الأمن إلى السكن والعمل، الى الصحة والتعليم، والمياه والكهرباء، والغذاء والنقل وسواها، ما يتسبب في إرهاق كاهل خزينة ترزح لاهثة تحت الأثقال والعجز والديون. ولا يمكننا أن ننسى الظروف المأسوية واللاانسانية التي يعيشها هؤلاء النازحون، والتي تحتاج إلى تحرك دولي فاعل يهدف إلى زيادة المساعدات الانسانية وتكثيفها. كما يجب أن يدرك المجتمع العربي والدولي أن لدى لبنان قدرة استيعاب محدودة لعدد النازحين الذين يمكنه احتضانهم لفترة محددة، فيمنع تحول لجوئهم إلى لبنان من موقت إلى دائم لأن ذلك يشكل خطراً كبيراً على وحدة لبنان واستقراره.

وشدد رؤساء الطوائف على «أن ظاهرة الإرهاب التي تجتاح المنطقة، والتي تتلبس لباس الدين وتتوسل التكفير والعنف ورفض الآخر، يجب التصدي لها ومواجهتها بجدية ثقافياً وتربوياً واقتصادياً وسياسياً. كما تكون مواجهتها بتوحيد صفوف الاعتدال وتعزيز مواقعه وتطوير الخطاب الديني الذي يؤكد على المصالحة والتسامح والتعايش ويبتعد عن مصطلحات الاقصاء والالغاء».

وحذر المجتمعون من إلباس الحياة السياسية وجهاً طائفياً أو مذهبياً في عالمنا العربي، متوقفين أمام ما أقدمت عليه الحركات الارهابية من إلغاء الحدود والتوجه نحو الخيار التقسيمي في المنطقة لأن هذا يلتقي مع المخطط الصهيوني المعروف، والهادف الى تفتيت المنطقة بأسرها الى دويلات طائفية صغيرة، متحاربة باستمرار، ما يتيح للكيان الاسرائيلي ان يكون الأقوى في المنطقة».

ورأى المجتمعون «أن هذه الموجات من العنف والإرهاب لم توفر أياً من الطوائف والمذاهب والمكونات المجتمعية في البلدان المختلفة، وتوقفوا ملياً عند ما يتعرض له المسيحيون المشرقيون بمختلف تلاوينهم من ملاحقة وقهر وتشريد وتهجير وكأن آخرهم أبناء الطائفة الأشورية، وأكدوا «أن ما يميّز بلداننا المشرقية منذ القديم، هو التعايش بين أديان متعددة، والتفاعل بين حضارات متعددة، وأن الحضور المسيحي في هذه البلدان هو حضور أصلي وأصيل سبق ظهور الإسلام بعدة قرون، وهو مستمر. وكانت للمسيحيين على مر العصور مساهمات جليلة في الحفاظ على اللغة العربية، وإغناء الحضارة العربية. ولا يزال لهذا الحضور اليوم دور أساسي في إعطاء هذا المشرق مكوناً أساسياً في هوية المنطقة، ونشر حضارة المحبة والمغفرة والسلام».

وكانت القمة الروحية توقفت باهتمام كبير أمام التطورات السياسية والعسكرية التي تعصف بالمنطقة العربية وبخاصة في اليمن وأعربت عن تمنياتها في احتواء هذه التطورات بما يحفظ للدول العربية أمنها وسيادتها ووحدتها، ويحقق لها ما تصبو اليه شعوبها من استقرار وازدهار.

وأقر المجتمعون مأسسة القمة الروحية وجعل اجتماعاتها العادية فصلية. وجددوا المطالبة والسعي من أجل الافراج عن جميع المخطوفين والأسرى مدنيين وعسكريين وروحيين وفي طليعتهم المطرانان يوحنا ابراهيم وبولس يازجي.

وأشادوا بالدور المسؤول والبنّاء الذي يقوم به الجيش والقوى الأمنية في حماية أمن لبنان وسلامته واستقراره، ورد العدوان الذي يحاول التسلل اليه عبر الحدود. ودعوا إلى تأمين كل حاجات الجيش والقوى الأمنية من أسلحة ومعدات حتى تتمكن من مواصلة اداء هذه المهمة الوطنية.

وأقام البطريرك الراعي مأدبة غداء على شرف المشاركين.

الخازن: القمة وقفة وطنية في وجه التحدّيات

وتعليقاً على انعقاد القمة الروحية، اعتبر رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن «أن انعقاد القمة الروحية في بكركي تمثّل وقفة وطنية في وجه التحدّيات التي يواجهها المسيحيون والمسلمون في هذا الشرق». وقال في تصريحٍ له: «إذا لم تحقّق القمة الروحية في بكركي الحلول السحرية، فإنها وقفت وقفة وطنية في وجه التحديات التي يواجهها المسيحيون والمسلمون في هذا الشرق وفي هذه اللحظة بالذات».

وقال: «لقد عاد القادة الروحيون إلى تأكيد فعل إيمانهم بنموذج العيش السماوي في لبنان في وجه نماذج التطرّف والعنصرية التي تحاول أن تقيم دويلات طائفية في المنطقة. يكفي أنهم أنعشوا، في لقائهم، هذا التناغم الذي أكّده الإرشاد الرسولي قاطعين على العابثين بوحدة المسيحيين والمسلمين على العيش بسلام الطريق من أول الطريق. وإذا ما تطرّقوا إلى الشأن الوطني في بيانهم، فلِكَي يقيلوا أهل السياسة من تخبّطهم ليعودوا إلى صواب الحوار الوطني، وليشرعوا للحال في انتخاب رئيس للجمهورية لتستقيم المؤسسات حيث لا يجوز الإستهانة بخطورة بقاء لبنان من دون رأس في أعلى سلطة الهرم، لأنه عامل أساسي في وحدة البلاد». وأشار إلى «أن مثل هذه القمم الروحية تمثّل أرقى درجات الارتقاء إلى الحِسّ الوطني لتفعيل أواصر التفاهم ورصّ الصفوف».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى