هل تكون جائزة «مان بوكر» العالمية من نصيب قلم عربيّ هذا العام؟

أعلنت في مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا قائمة ترشيحات «جائزة مان بوكر العالمية لعام 2015»، كاشفة عن عشرة كتّاب مرشّحين. وتمنح هذه الجائزة، وقدرها 60 ألف جنيه استرليني، كل عامين لمؤلف على قيد الحياة احتفاء بمجمل إنجازاته الأدبية على الصعيد العالمي. ويشترط أن تصدر للمؤلف كتب باللغة الإنكليزية أو كتب مترجمة إلى الإنكليزية.

حول طبيعة الترشيحات لـ«جائزة مان بوكر العالمية لعام 2015»، التي أعلنت قائمتها، تقول رئيسة لجنة التحكيم البروفيسورة مارينا ورنر: «لقد خاض الحكام تجربة غاية في النشوة وهم يطالعون الكتب لأجل هذه الجائزة. تجولنا عبر أنحاء العالم ودلفنا إلى خيال كتاب يطرحون تنوعاً استثنائياً من الخبرات. في وسع الأدب جعل العالم أرحب لنا جميعاً وتعزيز فهمنا وتعاطفنا مع الآخرين.تتخذ الرواية اليوم شكلاً ممتازاً: فهي حقل للتساؤلات، محكمة للتاريخ، خريطة للقلب، مسبار للنفس، وحافز للفكر، وينبوع للمتعة ومعمل للغة. نشعر في الحقيقة بأننا أقرب إلى شجرة المعرفة».

تردد ورنر صدى كلمات ويليام فينيس رئيس لجنة تحكيم جائزة فوليو هذا العام، إذ أشاد بقدرة الرواية المعاصرة على إنعاش نفسها، مؤكداً أنها تتوسع في هياكل واستراتيجيات غير معهودة، ولا تزال تكتشف حتى اليوم ما قد تصيره، وما قد تصنعه. ويرافق ورنر في لجنة التحكيم أعضاء من ثقافات وأعراق متباينة، هم: الروائي الباكستاني نديم إسلام، وأستاذة الأدب العالمي في جامعة أكسفورد إلكه بومر، وأستاذة اللغة العربية والأدب المقارن وين-شين أويانغ، والبريطاني إدوين فرانك مدير تحرير كلاسيكيات «نيويورك ريفيو».

تضم القائمة القصيرة سيزار أيرا، وينظر إليه النقاد واحداً من رواد المغامرة التجريبية في عالم الرواية الأرجنتينية. يتوخى الإيجاز في أعماله، وإن كانت تتسم بالغزارة، إذ ينشر أربع روايات تقريباً سنوياً، مفسرا هذا الإنتاج المتدفق بأنه ينسج من تفاصيل حياته اليومية المعقدة، وينهل من تاريخه الشخصي البائس.

إليه، رُشّح سفير البرتغالية ميا كوتو من موزمبيق، المستعمرة البرتغالية السابقة. ونال كوتو جوائز ربما لا يسعه إحصاؤها، فهو كاتب أبيض آخر يتحدث بلسان أفريقيا السمراء، وهو خير ممثل للواقعية السحرية بالبرتغالية وإن يكن يصر على رفض هذه التسمية، متمسكاً بشعريته المفرطة وهو يخلط التاريخ الشفوي الموزمبيقي بالإرث البرتغالي. وكان شارك في كتابة النشيد الوطني الموزمبيقي في منتصف السبعينات، وله ديوان «جذر الندى» ورواية «أرض مسرنمة» و«طيران الفلامنكو الأخير».

من الهند رشّح المخضرم أميتاف جوش الذي صدرت له روايتان مترجمتان بالعربية، أولاهما رواية أدب الرحلات «في البلاد العتيقة»، ويرنو فيها إلى قرية مصرية في محافظة البحيرة في نهاية السبعينات، يوم زحفت آثار الانفتاح على الثقافة المصرية وغلب التطاحن الاجتماعي وأفل نجم الجالية اليهودية في مصر إلى الأبد. وكان أقام في القرية أثناء إعداد رسالة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا الاجتماعية. والملاحظ أن الكتاب مشبع بروح التسامح ويعدّ منبراً لحضارتين تتخاطبان من دون أن تشوبه الأحكام المطلقة التي تعيب في الغالب النظرات الاستعمارية وآداب المستشرقين.

أمّا روايته الملحمية «القصر الزجاجي» فترتحل من القرن التاسع عشر إلى العشرين، وفيها يهيم الأبطال على وجوههم في الهند ومنطقة جنوب شرق آسيا الزاخرة بثراء عرقي ولغوي هائل. تعاين الرواية تقاليد الشعوب بنبرة محبة وإن كانت لا تخلو من الانتقاد. تلك التقاليد حامية لهم تارة وخانقة تارة أخرى. كما تحلل ما حاق بهم من تبدل عبر عقود من الزمن وتمس كفاح الهند، السلمي وغير السلمي، ضد بريطانيا في سبيلها إلى الاستقلال.

تضم الترشيحات كذلك الشاعرة الأميركية المخضرمة فاني هاوي، في حين فشل الياباني هاروكي موراكامي والنرويجي كارل أوف كناوسغورد في بلوغ القائمة القصيرة. وكان أحد النقاد البريطانيين لمح إلى أن لجان التحكيم الغربية ضجرت على ما يبدو من إقحام الاسمين في كل قائمة «كأن لا وجود لكتاب غيرهما»، وتود أن تمد آفاق الأدب إلى ما هو أرحب.

وهكذا ثمة ستة أسماء جديدة مرشحة للجائزة للمرة الأولى، بينها لازلو كراسناهوركاي من المجر و«ملكة» الفرونكفونية والكلاسيكيات ماريز كونديه من جزر غوادلوب. وكونديه هي الكاتبة العالمية المثالية، إذ ولدت في جزيرة كاريبية نائية يصعب العثور عليها في الخريطة، ودرست في السوربون حيث نالت رسالة الدكتوراه في الأدب المقارن، مستخرجة نماذج من الأنماط المقولبة السوداء في الأدب الكاريبي. عاشت إثني عشر عاماً في غينيا وغانا والسنغال قبل أن تعود لدراسة الأدب الفرونكفوني في فرنسا، ومنها ارتحلت لتستقر في أميركا إلى اليوم. وشكلت القارة الأفريقية قاعدة الإلهام لعدد من كتاباتها، مثل رواية «هيريماكونون» التي استلهمتها من حياتها في غرب أفريقيا، ورواية «موسم في ريهاتا» وهي تنفض في نهاية القرن العشرين على أرض أفريقية سحرية. أمّا رواية «سيجو» فرسخت حضورها كواحدة من أبرع كاتبات جزر الكاريبي، وتسرد فيها الأثر العنيف المكلل بالقسوة لتجارة العبيد، كما تتطرق إلى الإسلام والمسيحية واستعمار «الرجل الأبيض» من خلال عائلة ملكية بين عامي 1797 و1860.

لا تخلو القائمة من ممثلين عن الكوميديا، الأفريكانية مارلين فان نيكيرك من جنوب أفريقيا، وألان مابانكو من جمهورية الكونغو، وهذا الأخير يكتب هجاء «لعوباً ومتوحشاً» بلغة فرنسية يتلاعب بمفرداتها، مضيفاً إليها كلمات أفريقية تناهت إليه طفلاً صغيراً. تتراوح مواضيع مابانكو بين أزمة هوية يتعرض لها الأفريقي في بلاد النور إلى أبله نصب عليه أحدهم وباع له بدلة واسعة. وللعرب نصيب محترم في القائمة الحالية إذ تحوي القائمة اسماً نسائياً عتيداً في الأدب العربي هو اسم اللبنانية هدى بركات المقيمة في باريس ومؤلفة «حجر الضحك» و«أهل الهوى» و«ملكوت هذه الأرض».

كما تشمل القائمة الليبي إبراهيم الكوني، كاتب رمزية الصحراء العربية. وكتب الكوني، الطارقي نسبة إلى جبل طارق ما يربو على سبعين كتاباً. تستلهم رواياته ثقافة الصحراء، مضيفة آفاقاً إنسانية وشعرية إلى سرد البرية، مع سيل من الخبرات الأنثروبولوجية والفلسفية. وفي إطار تقنيات سردية متشابكة تسبر نصوصه ما في جعبة الصحراء من خير وشر، وندرة غذاء وقسوة أرض، وأحياناً قسوة سكان، وترنو بعين حكيمة إلى محاسن الرمال الصفراء المترامية من اتساع الروح وانفتاح على الوجود. أفق فسيح، حر إنما مخيف، وأكثر ما يتحكم في أبطاله علاقتهم الحتمية بطبيعة الأرض التي تحملهم، أدواتها، قهرها، وحكمها الإلهي وإيمانها بالقضاء والقدر.

يعلن اسم الفائز النهائي في لندن في التاسع عشر من أيار المقبل. وللتذكير، فإن الكندية أليس مونرو فازت بالجائزة نفسها عام 2009، كما فاز بدورتها الثانية عام 2007 الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي، والكاتب الألباني إسماعيل قادري عام 2005 والأميركي فيليب روث عام 2011، علماً أن فوز هذا الأخير أثار جدلاً وخلافاً بعد استقالة الناقدة الأسترالية كارمين كاليل اعتراضا على قرار اللجنة منحه الجائزة.

مع كل هذه الأسماء المشهورة التي حازت الجائزة ماضياً، بات واضحاً اتجاه «للتوسع» وفقاً لتعبير لجنة التحكيم، للوقوع على كنوز أدبية من بقاع قصية من العالم. يعترف إدوين فرانك بأنهم سيكونون مدّعين لو قالوا إنهم أرادوا سبر العالم بأسره، لكنهم رغبوا في الانتباه إلى عالم الأدب الأوسع: «لقد وقفت على أشياء كثيرة عن كتاب لم أقرأ لهم قط، ولا سيما الكتاب العرب، وهم للأسف لم يترجموا بالقدر الكافي إلى الإنكليزية»، يقول.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى