تقرير

سلطت صحيفة «هاآرتس» العبرية الضوء على الأمير الشاب وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان. «فمن طفل يلهو بالزيّ العسكري مع رفاقه في كبرى المجمّعات التجارية السعودية، إلى طالب حقوق، إلى وزير دفاع لا خبرة عسكرية سابقة لديه، لكنه نجح خلال أسابيع معدودة في تحقيق إنجازات ما كان أحد ليتصوّرها».

محمد بن سلمان بحسب الصحيفة يرمز إلى عهد جديد للمملكة التي دائماً ما عملت من خلف الكواليس، وفضلت المبادرات الدبلوماسية أو دفع مبالغ عملاقة للخصوم لتهدئة الصراعات، لكنها الآن راحت تقدم استراتيجية جديدة لا تنفصل عن طابع القيادة الجديدة، التي لا تخفي إحباطها ما تعتبره أخطاء سياسية للملك الراحل عبد الله.

فخلال ساعتين، نجح الأمير محمد في تحويل الرئيس السوداني عمر البشير من حليف لإيران، إلى حليف متحمس للمملكة، كذلك استطاع إدارة الأزمة مع السويد باقتدار وصولاً إلى اعتذار ستوكهولم على الإساءة للمملكة، ونجحت المملكة في إعادة قطر إلى الحضن الخليجي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا، صاحبة المصالح الواسعة مع طهران والتي صرّحت مؤخراً بأنها بصدد إرسال مساعدات لوجستية للحرب على الحوثيين.

ورأى تسفي برئيل، محلل الشؤون العربية في الصحيفة في مقال بعنوان «اليمن أولاً»، أنه وعلى رغم صعوبة التكهن بمستقبل عملية «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين باليمن، إلا أنها ستحدد ما إن كانت القيادة السعودية الجديدة قادرة على فرض سياستها على الشرق الأوسط برمّته.

إلى نص المقال…

«ابن 30 سنة، يقود الحرب في اليمن»، هكذا ابتهجت عناوين الصحف العربية التي تغطي حرب «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن. «ابن الثلاثين» هو وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، الابن السادس للملك السعودي، الذي يقود الهجوم من دون أي خبرة عسكرية أو تعليم عسكري.

وبينما تقول سيرته الذاتية أنه حاصل على بكالوريوس في القانون من جامعة سعودية، يستحوذ الأمير محمد على أهم ثلاثة مناصب في المملكة، إذ يترأس المجلس الاقتصادي الذي شكّله والده لمواجهة مشاكل الاقتصاد السعودي، وهو رئيس الديوان الملكي إدارة القصر التي من بين مهامها تحديد من يلتقي الملك، ومن يُرفض، وكيف تترجم سياسته إلى أفعال، وبالطبع هو أيضاً وزير الدفاع.

بدأ منتقدو الوزير الشاب هذا الأسبوع في نشر «ذكريات» له عندما كان طفلاً في العاشرة من عمره وأقام فريقاً من الأطفال الذين اعتادوا ارتداء ملابس عسكرية وأداء ألعاب حرب داخل المراكز التجارية الكبرى في السعودية. بعد ذلك بوقت طويل، أنشأ عدة شركات تجارية صغيرة، لكن جوهر قوته كان في السياسة.

سنّ الأمير محمد محل خلاف، في «ويكيبيديا» أُشير في البداية إلى أنه من مواليد عام 1980، لكن وفقاً لتقارير على مواقع الإنترنت، فقد أصدر أوامر بتغيير ذلك إلى 1985، في حين أن عمره الحقيقي 27 سنة فقط. على أي حال، فإن القيادة العربية الشابة لم تعد تثير الدهشة: الأمير سلطان كان عمره 31 سنة فقط عندما قاد كوزير للدفاع القوات السعودية المشاركة في حرب الخليج الأولى، بشار الأسد أصبح رئيساً لسورية في الـ35 من عمره. تولى عبد الله ملك الأردن مهام منصبه عندما كان ابن 37 سنة. خلف تميم بن خليفة والده حاكماً لقطر في سنّ 35. وعُيّن حسن نصر الله قائداً لحزب الله في سنّ الـ32.

عمل الأمير محمد على تسوية الخلاف مع حكومة السويد، بعدما دانت وزيرة خارجيتها، مارغوت فالستروم بشدة قوانين السعودية الصارمة، وقمع المرأة في المملكة والحكم على ناشط حقوق المواطن رائد بدوي بالسجن عشر سنوات و1000 جلدة، لأنه دشّن موقعاً يدعم العلمانية. في القصر الملكي استشاطوا غضباً، وأعادوا السفير من ستوكهولم. وبعدما اعتذرت السويد، كان محمد بن سلمان من خاط من جديد العلاقات التي تمزّقت بين الدولتين.

كذلك التقى الأسبوع الماضي في الرياض الرئيس السوداني، عمر البشير، حليف إيران، وبعد ساعتين من النقاش، غيّر الأخير جلده وأعلن انضمام السودان للحرب ضد الحوثيين، لا بل أبعد الوفود الإيرانية من بلاده. ما تعهد به وزير الدفاع السعودي للرئيس السوادني غير معروف، لكن لم يعد هناك شك في أن الأمير محمد أصبح صانع القرار في المملكة.

الحرب في اليمن، هي الأولى التي تقودها السعودية خلال العقود الماضية، ففي حرب الخليج انضمت فقط إلى التحالف الدولي، لكنها هذه المرة هي التي تتولى القيادة. كذلك تدفع السعودية مع مصر مبادرة لإقامة قوة تدخل عسكري في الشرق الأوسط، هدفها المعلن الحرب على الإرهاب، لكن مقصدها الحقيقي سيكون وقف التأثير الإيراني في المنطقة.

المملكة التي عملت بشكل تقليدي من خلف الكواليس، وفضلت المبادرات الدبلوماسية أو دفع مبالغ عملاقة للخصوم لتهدئة الصراعات، تقدم الآن استراتيجية جديدة لا تنفصل عن طابع القيادة الجديدة، التي لا تخفي إحباطها ما تعتبره أخطاء سياسية للملك الراحل عبد الله.

لم يهدر سلمان ونجله محمد الوقت، وسارعا لإصلاح «الأضرار»، ليس السودان فقط الذي تحوّل فجأة إلى حليف، تركيا أيضاً ـ التي اعتبرها الملك عبد الله ثقيلة ظل، يجب إقصاؤها من الساحة الإقليمية على خلفية علاقاتها الوطيدة مع إيران وبسبب النقد اللاذع الذي وجّهه رجب طيب أردوغان للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ـ أصبحت حليفاً جديداً.

صحيح أن الرئيس التركي حظي باستقبال فاتر نسبياً عندما زار السعودية مطلع الشهر، لكنه، نهاية الأسبوع الماضي، صرّح بأنه سيرسل مساعدات لوجستية للمعركة ضد الحوثيين. وعلى رغم علاقاته المتشعبة بطهران، إلا أنه لم يمنع لسانه من الهجوم عليها قائلاً: «تحاول إيران السيطرة على المنطقة، هذا الأمر بدأ يقلقنا، ويقلق السعودية ودول الخليج. هذا لا يمكن تحمّله، وعليها أن تدرك ذلك».

هكذا، فجأة تحول أردوغان الذي لم يسمح للتحالف الدولي باستخدام القواعد التركية لقتال «داعش»، إلى فارس المعركة ضد الحوثيين وإيران، كذلك قطر، التي تصالحت مع السعودية ليلة وفاة عبد الله، انضمت إلى التحالف السعودي على رغم علاقاتها الوطيدة مع إيران.

ما زال من السابق لأوانه تقدير مسيرة الحرب في اليمن، لكن على هذه الساحة، التي لم تكن لتثير اهتماماً دولياً حتى السنة الماضية، سيتضح إلى أيّ مدى بمقدور السعودية تحديد جدول الأعمال في الشرق الأوسط برمّته. مهمة ليست بالسهلة للملك المريض البالغ 80 سنة، والذي يعاني على ما يبدو من الألزهايمر، وكذلك بالنسبة إلى نجله ابن الـ30، حتى إن كان أخوه غير الشقيق أول رجل فضاء عربي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى