قمّة شرم الشيخ وعاصفة جار السوء

د. تركي صقر

لا أحد يتوقع من القمم العربية الدورية أو غير الدورية الخير لأبناء الأمتين العربية والإسلامية، بعد أن آل أمرها إلى حكام السعودية وقطر، ومن المتوقع أن تنتج المزيد من الشرّ والأذى والمزيد من التخريب لحاضر العرب ومستقبلهم. فقد بات الجميع على قناعة تامة بأنّ الجامعة العربية انقلبت في السنوات الأخيرة إلى مهلكة عربية تعمل تمزيقاً وتدميراً وتقطيعاً في الجسد العربي. ففي كلّ قمة نشهد وقوع بلد عربي ضحية قراراتها العدوانية التآمرية. ولعلّ الشواهد كثيرة من الصومال إلى ليبيا، مروراً بالعراق وسورية والبحرين والقدس وغزة وكلّ فلسطين.

واليوم، جاءت قمة شرم الشيخ لتكرس هذا الانحدار الأخلاقي والجحود بالأمة وقيمها وعروتها الوثقى وتتبنى العدوان الأميركي ـ السعودي على اليمن، مهد العرب والعروبة، لتقسيمه وتقطيع أوصاله وسفك دماء أبنائه، مثلما تبنت عدوان حلف «ناتو» الذي قصفت صواريخه أبناء الشعب الليبي قبل ثلاث سنوات، فدمرت الدولة الليبية عن بكرة أبيها وتركتها عرضة للنهب والتفتيت والمذابح والفظائع والاحتراب الداخلي.

ربما أصاب حكام السعودية الغرور وهم يرون رتلاً من الحكام العرب المغلوب على أمرهم يصطف وراءهم في همروجة إعلامية على وقع طبول الحرب على اليمن، وربما غمرهم شعور بنشوة الانتصار لا على من يحتلّ القدس ويدنس المسجد الأقصى ويسحق شعباً بأكمله في فلسطين، وإنما على شعب من أفقر شعوب العالم وسبب فقره وتعاسته تآمر جار السوء عليه طوال سبعين عاماً، لينتهي الأمر بهذا الجار الحاقد إلى شنّ حرب ضروس، مستخدماً أحدث ما أنتجته صناعة السلاح في العالم ومجيشاً، تحت عناوين كاذبة، أنظمة عربية وغير عربية للاستقواء عليه وإعادته صاغراً إلى بيت الطاعة الوهّابي وتحت الوصاية السعودية إلى الأبد.

ربما يتوهم حكام السعودية أنّ الحشد العربي والإقليمي الكبير والسريع ضدّ اليمن قد تشكل بفضلهم أو تملقاً لهم، بينما يعرف الجميع أنّ الأوامر القاطعة قد صدرت من واشنطن، لهم ولغيرهم من هذا القطيع الذي لا يجرؤ أحد منه على الاعتراض أو معصية أسياده في البيت الأبيض، حتى ولو كان الأمر يتعلق بذبح جاره أو قريبه أو شقيقه وهدم ما فوقه وما تحته.

ويبدو أنّ الحقد والجنون سيطرا على آل سعود ففقدوا الحكمة والتروي والبصر والبصيرة، فارتكبوا حماقة العدوان وأخذتهم العزة بالإثم من دون أن يدركوا حجم الورطة التي تورطوا فيها والفخ الذي نصب لهم جراء تدحرج كرة النار في اليمن، حيث ينبغي أن تدرك السعودية، قبل غيرها، أنّ المغامرة البرية في اليمن باهظة الثمن ودونها عروشهم، المهزوزة أصلاً، في الوقت الذي يجب أن تدرك، قبل غيرها أيضاً، أنّ الضربات الجوية لا تجدي نفعاً إلا إذا اقترنت بعمل برّي على الأرض، لكنها تعمّدت الدخول المباشر على خط الأحداث في اليمن لإدخال المنطقة في حرب مفتوحة، وفتح الأبواب أمام تصعيد خطير في ساحات الصراع، لن تقف حدوده عند اليمن، في المدى المنظور على الأقلّ.

في حال لم يتوقف العدوان على اليمن خلال وقت قريب، ولم يتم الإعلان عن التزام بالحلّ السياسي، فماذا سيجري؟ من المتوقع، إن لم يكن من المؤكد، أنّ عمليات الردّ سوف تبدأ، ويتوقع لها أن تكون شديدة للغاية، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام جرّ السعودية إلى حرب برية جربتها سابقاً وخسرتها، وستكون هذه المرة حرب استنزاف طويلة الأمد مع شعب اليمن بكامله، وليس مع جزء منه كما حصل قبل سنوات في المناطق الحدودية، وهذا من الصعب أن تتحمله السعودية، الجاثمة على برميل من بارود، حتى لو استعانت برياً بهذا الحشد الواسع، وعلى حكام الرياض أن يتذكروا كم حشدت واشنطن من دول قوية في حروبها على أفغانستان والعراق وماذا كانت النتيجة. وإذا كانت تراهن على قوات برية مأجورة من باكستان فهذا رهان خاسر سلفاً، لأنّ فائض القوة لدى الجيش الباكستاني الغارق في مواجهة مفتوحة مع حركة طالبان لا يقدم ولا يؤخر. وتحت عنوان أمن الدول العربية ومواجهة خطر التوسع الإيراني وخطر «داعش»، انعقدت القمّة العربية في شرم الشيخ، قمّة تحركها وتضع جدول أعمالها دول الخليج وعلى رأسها السعودية، كما كان يجري في القمم السابقة، وأخطر ما في الأمر أنّ هذه القمّة تساوي في الخطر بين إيران و»داعش» ظاهرياً، لكنها في المضمون تعمل على ترسيخ الصراع المذهبي في المنطقة وتغييب الصراع مع الكيان الصهيوني وشطبه عملياً من أعمال القمم العربية. أما القوة العسكرية المشتركة التي شكلتها قمة شرم الشيخ، فإنها ستكون في خدمة الأهداف السعودية فقط، لتأجيج حقدها وجنونها ضدّ إيران ومحور المقاومة ولا تدري مملكة آل سعود أنها، بحماقتها، تنتج وبالاً ودماراً على نفسها، في حال قررت تغيير الواقع اليمني بالقوة، وهو أمرٌ سيترك بصمته على السعودية ودول الخليج برمتها، وربما على مصر نفسها إذا ما تورطت في تدخلٍ عسكري إلى جانب دول الخليج، عندها سنكون أمام تطوراتٍ خطيرة لن يكون في وسع أحدٍ التكهن بمسارها ونتائجها.

ويمكن القول إنه إذا ما ذهبت الأمور باتجاه التدخل العسكري البري المباشر في اليمن، فإنّ هذه الحرب لن تكون مجرد نزهة، بل ستكون مفتوحة على جميع الاحتمالات، وقد تشكل للدول المتدخلة عسكرياً مستنقعاً سيكون الخروج منه معقداً ومكلفاً، وهو أمرٌ ليس بعيداً عن حسابات أميركا و»إسرائيل» اللتين لا تمانعان توريط الدول الخليجية ومصر في معركةٍ لا يعرف أحدٌ متى تنتهي، فأميركا التي سحبت قواتها من اليمن، والتي تعمل ضمن استراتيجية عدم التورط المباشر بقواتٍ عسكرية، لا يبدو أنها ستعمد إلى زجّ نفسها في حربٍ تعرف مدى تكلفتها البشرية وصعوبة النجاح فيها، وأمامها آثار تجارب قاسية ومريرة لم تخرج منها حتى الآن. ولا يبدو أنّ أميركا هي الجهة المحشورة هذه المرة، بل حكام السعودية الذين فشلوا في حروبهم الإرهابية القذرة في المنطقة، أما عدوانهم العسكري المتهور والأرعن على اليمن فمحكوم عليه بالفشل، مهما حشدوا له من دول، وقد تكتب عاصفة جار السوء، عاصفة الحقد والجنون السعودية، بداية النهاية للحكم السعودي الذي حان الوقت لكي يدفع ثمن جرائمه التي لا تعدّ ولا تُحصى.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى