أفلام وأخبار سينمائيّة من العالم… شرقاً وغرباً

لا تكتشف الزوجة في الفيلم البريطاني «45 عاماً»، للمخرج أندرو هايغ، الذي عرض في مسابقة مهرجان برلين السينمائي، أنها لا تعرف عن زوجها شيئاً، بل أنها تجهل كذلك الكثير عن نفسها، عن مشاعرها، وعمّا يجمعها بهذا الرجل منذ 45 عاماً.

وقبل أسبوع واحد من الاحتفال بعيد زواجهما الخامس والأربعين، وفيما الزوج «جيوف» توم كورتناي والزوجة «كيت» شارلوت رامبلنغ يستعدّان لإقامة حفل كبير تعويضا عن الحفل الذي ألغي في اللحظة الأخيرة، قبل خمس سنوات لمناسبة 40 عاما على زواجهما، بسبب دخول جيوف غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية عاجلة في القلب، يبدو في الأفق شبح كارثة قد تقوّض تلك العلاقة التي استمرت تلك السنين كلها، ساكنة، مستقرة، ومنسجمة، كما يبدو ظاهرياً من السطح الخارجي الذي يغلف حياة الزوجين اللذين لم ينجبا أطفالاً.

قصة الفيلم نموذج لأسرة إنكليزية تقليدية تنتمي إلى الطبقة الوسطى، تقيم في منزل كبير في في منطقة ريفية رائعة، شرق إنكلترا، أما في الداخل فهناك الكثير من عدم اليقين والشك، ومن الصمت الذي تقطعه أحاديث عادية كثيرة حول الكف عن التدخين، وعن الكلب الذي يجب أن يخرج للنزهة اليومية، وأيضاً عن الأصدقاء الذين ينتظرون الاحتفال الكبير المزمع إقامته، وعن الفستان الجديد الذي سترتديه الزوجة في هذه المناسبة، وعن ساعي البريد الشاب الذي كان تلميذاً لكيت ماضياً، تلك المعلمة التي أصبحت متقاعدة الآن والتي لا تدخر وسعاً في الاحتفال بالطفل الجديد لساعي البريد الشاب، ومع كل ما تبديه كيت تجاهه من تودد، إلاّ أنه يتطلع إليها في قلق وريبة، فقد عرفها كمعلمة مستبدة، ذات شخصية قوية في الماضي، وهي أصبحت الآن، كأي امرأة إنكليزية تقدّم بها العمر، تملك القدرة على التحكم في مشاعرها ببرودة تامة.

أما الزوج «جيوف» فهو مدير شركة تقاعد من عمله، وكان ارتقى السلم من أسفله، وما زال شبح ماضيه النقابي يحلق فوق أفكاره. و«جيوف» شخصية مليئة بالحيوية والحركة، تبدو عليه سمات الطيبة والهدوء، ويقبل كثيراً على مشاركة كيت الكثير من الأعباء المنزلية. وفي مقابل هذه الحياة الساكنة المستقرة، تنقلب الأمور فجأة رأساً على عقب، بعد تلقي «جيوف» مكالمة يعلم من خلالها أن السلطات عثرت أخيراً، بعد خمسين عاماً، على جثة امرأة ألمانية تدعى «كاتيا» لاحظ التشابه بين الاسمين! كان «جيوف» ارتبط معها بعلاقة عاطفية قبل مصرعها في حادث انهيار ثلجي في جبال الألب أثناء تزلجها على الجليد.

الاهتزازة النفسية التي تصيب «جيوف» ليس ممكناً إخفاؤها عن زوجته التي تبدأ في التساؤل عن حجم تلك العلاقة، وعما إذا كان «جيوف» دائم الاهتمام بتلك المرأة طوال السنين الماضية؟ ولماذا أخفى الأمر عنها؟ ولماذا أسرع الآن باحثاً يفتش في دفاتره القديمة ومخرجاً الصور والشرائح المصورة لكاتيا؟ وهل كان ممكناً دفن هذا السر إلى الأبد أم كان من الأفضل أن تعرف كيت الحقيقة؟ وهل يمكن أن تغفر له تلك العلاقة الآن بعدما عرفتها؟ وهل الأمر مهم إلى هذا الحدّ رغم أن علاقة زوجها بالمرأة الألمانية مضى عليها خمسون عاماً وأنها في حكم الأموات منذ عقود عدة؟

هذه التساؤلات وغيرها تشكل موضوع هذا الفيلم، كاشفاً الكثير من التفاصيل الإنسانية في التركيبة الشخصية للزوجة وزوجها، بل لمؤسسة الزواج نفسها وقدرتها على الصمود أمام حوادث تبدو «عادية» فيطرح المشاهد تساؤلاً أيضاً: هل يمكن أن يمضي زوجان 45 عاماً معاً من دون أن يعرف كلّ منهما الآخر لدجة كافية؟ وهل تمضي سنوات العمر سريعة متلاحقة حقاً، فلا تسمح للمرء بالتوقف والتساؤل عن حقيقة علاقته بالطرف الآخر في تلك «المؤسسة» وكيف كان ذلك ممكناً؟

السيناريو مقتبس عن قصة قصيرة للكاتب ديفيد كونستانتين، ويعتمد الفيلم على الشخصيتين الرئيسيتين، أي الزوج والزوجة، مع بعض التفاصيل والشخوص الثانوية المساندة، وبالتالي يغدو العنصر الأهم هنا هو الأداء التمثيلي أو تلك المباراة الممتعة بين اثنين من عمالقة التمثيل في العالم، توم كورتناي وشارلوت رامبلنغ.

ويدفع المخرج الأداء ويحوطه بالوهج بحيث لا ينحرف المزاج السائد في الفيلم نحو الميلودراما، كما لا يسقط الأسلوب في المنهجية البليدة لما لـ«المسرح المصور»، المعتمد على الحوار، وعلى الانتقال بين اللقطات من شخصية إلى شخصية أخرى، رغم وفرة الحوارات في الفيلم إذ يعتمد فضلاً عن ذلك على التحكم في نبرات الصوت والالتفاتات والإيماءات الموحية والهمسات والغضب المكتوم الذي يمكن أن نشعر به لدى «كيت»، التي تعبر عنه بالنظرات أكثر من الحركة المباشرة. والإضاءة الواقعية داخل المنزل، مع الانتقال إلى الخارج وإلى المناظر الطبيعية الساكنة، تجسد الحالة النفسية والمزاجية التي تجعل الشخصية أسيرة المكان، وتجعل للمكان دلالاته الرمزية أيضاً: الوحدة والعزلة والبعد عن حيوية الحياة في المدينة. إنه مزاج نفسي يوحي أيضاً مراجعة النفس أكثر من مراجعة العلاقة مع الآخر.

في أحد أفضل مشاهد الفيلم، يحاول «جيوف» استعادة زوجته إليه ليمارسا الحب في الفراش بعد سنين من القطيعة، لكنه يعجز عن الاستمرار في المحاولة، والمشهد لا يقصد منه البحث عن المتعة المشتركة، بل عن النفاذ إلى الطرف الآخر واستعادة العلاقة الذهنية وتكثيفها في العلاقة الجسدية.

لا صراخ ولا هستيريا نسائية، ولا تعبير على نحو مباشر تقليدي عنيف عن الألم، بل ثمة حيرة وتفكير ورفض، وإحساس بأن ما حدث لا يمكن نسيانه أو تجاوزه، رغم كونه مجرد «حدث رمزي» يقصد منه تكثيف الغربة، رغم ذلك العيش المشترك، ورغم ما يبذله الرجل من بسالة حقيقية لاستعادة زوجته إليه، خاصة في مشهد الذروة خلال الحفل الكبير أمام حشد من الأصدقاء، حيث تتألق شارلوت رامبلنغ وتثبت أنها ما زالت تتمتع بالكثير من السحر والجاذبية التي عرفت بها، رغم أنها قاربت السبعين. أما أداء توم كورتناي، فينطبق عليه «الأداء المشحون» الذي يكشف عن قدرة هائلة على التحكم في إبداء المشاعر والتعبير عن الحب والرغبة في مواصلة الحياة رغم كل ما يعتريها من عقبات. ممثل متألق دوماً، مذ ظهر بقوة على الشاشة في فيلم «عزلة عداء المسافات الطويلة» لطوني ريتشاردسون عام 1962.

سيرة مارلون براندو مثلما دوّنها روبرت ليندسي

لم يدوّن النجم الكبير الراحل مارلون براندو سيرة حياته، بل طلب إلى الصحافي روبرت لندسي زيارته للقيام بهذه المهمة، فنشأت بينهما صداقة طويلة ودوّن لندسي بتدوين مذكرات براندو الذي أملاها عليه، إذ كان يرى «أن أحدا ما أساء إليه». وبدأت علاقتهما بعبارة سمعها لندسي عبر الهاتف «أنا مارلون براندو» فكان كتاب «أغان تعلمتها من أمي» نقلة في حياة الصحافي.

مارلون براندو من مواليد 1924 في مدينة أوماها، ولاية نبراسكا، ذو أصول ألمانية وإنكليزية وإيرلندية، أبوه كان والده يعمل في الصناعات الكيميائية، أما أمّه فكانت ممثلة، إلاّ أنها واجهت مشاكل كحولية إذ كانت مدمنة على تناول الكحول ما أثر في علاقتها مع أبنائها، ويذكر براندو أنها «كانت تفضل أن تشرب على أن تعتني بأسرتها»، وكان والده أيضاً مدمناً على الكحول ودائم الغضب ونزق الطباع ومتقلّب المزاج.

طفولة براندو مليئة بالتأمل والذكريات الغريبة، إذ كانت أدق التفاصيل تثير حساسيته وتستدعي استغرابه، فحياته في القرية وتعامله مع الطبيعة نمّيا شاعريته إزاء محيطه، وحافظ على نقاوة مشاعره التي انعكست لاحقاً على عمله، إذ كان فجّاً، صارماً، مرهف الحس إلى أقصى حد، حتى أنه ندم على أدواره التي استنزفت مشاعره وأحاسيسه.

أدوار براندو السينمائية لا تنسى، فهو مارك أنتوني في «يوليوس قيصر» 1953 مسرحية شكسبير التي أُعيد إنتاجها سينمائياً، وأبرز براندو في هذا الفيلم قدرته على تقمص الأدوار التاريخية وإحياء صوتها، بالإضافة إلى التمرين الهائل الذي أخضع نفسه له كي يجيد الدور. أما في «عند الواجهة المائية» 1954 فكان براندو في أوج نجوميته ويدور الفيلم حول الجريمة والعنف والمرابين، ولعب براندو فيه دور «مالوي»، مطلقاً موضة السترة الجلدية والنظارات المميزة التي ما برحت إلى اليوم موضع إعجاب كثر، كما أنه نال الأوسكار عن دوره في هذا الفيلم كأفضل ممثل.

فشل براندو في محاولته الإخراجية الأولى في فيلم «جاك ذو العين الواحدة» 1961 ، إذ استمرّ تصوير الفيلم ستة أشهر، أي ضعف المدة المطلوبة، وكلف أكثر من ستة ملايين دولار، ما دفع الاستوديو المموّل «أم جي أم» إلى استبعاد براندو وإبداله بمخرج آخر تمكن من إنقاذ الفيلم وإعادة توليفه بصورة جديدة، ومع ذلك حاز الفيلم آراء متناقضة من النقاد.

شهدت الستينات والسبعينات تراجعاً في حياة براندو المهنية، وكان لنشاطه المدني والسياسي دور في إبعاده عن الساحة الفنية، إذ شارك في أفلام مغمورة لم يكن لها تأثير كبير بسبب ما تحمل من رسائل سياسية مناصرة لقضايا الشعوب والمسحوقين، ورغم ذلك يرى براندو أن فيلم «احترق» 1968 هو أحد أكثر الأفلام المفضلة لديه، ويرى أنه كان أفضل أداء له فيه.

بعد العثرات التي واجهتها حياة براندو المهنية عاد مرة أخرى إلى الشاشة، وهذه المرة مع المخرج فرانسس فورد كوبولا في «العرّاب» 1972 ، مؤدياً دور كبير أسرة «كوريليوني» الذي أشتهر بصوته الأجش. هذا الدور أعاد براندو إلى النجومية. وجعله يتربع على عرش ألمع الممثلين في هوليوود، وحاز عنه أوسكاراً أفضل ممثل، إلاّ أنه رفض تسلّم الجائزة.

ثم شارك في بطولة «آخر تانغو في باريس» 1972 للمخرج الإيطالي برناردو بيرتالوتشي، ليروي قصة عاشق يعيش مغامرة جنسية مع فتاة صغيرة، وعزّز هذا الدور بروتولوتشي القاسي في براندو، إلاّ أن البعض يرى أن الفيلم همّش بسبب المشاهد الإباحية المبالغ فيها.

بعد ذلك شارك براندو في أدوار صغيرة مثل دوره في «القيامة الآن» 1979 مع كوبولا أيضاً مؤديا دور ضابط في حرب فيتنام، ثم دور طبيب في «دون جوان دي ماركو» 1994 مؤدياً العاشق اللطيف، رغم تقدم في السنّ وتبدّل شكله، قدّم أداء مرهفاً أتاح له الحفاظ على جاذبيته الذكورية.

شارك لاحقاً في عدد من الأفلام التي لم تلق نجاحاً باهراً، وتدهورت صحته وواجهة مشاكل كثيرة بسبب وزنه الزائد. وتوفى إثر أزمة في الرئتين عام 2004، فأحرقت جثته ونثرت رفاته في تاهيتي، في وادي الموت، شرق كاليفورنيا.

مهرجان سالونيك الدولي يناقش أشكال التأليف في الفيلم الوثائقيّ

في لقاء مفتوح عقد خلال تكريمه في السابعة عشرة لمهرجان سالونيك للأفلام التسجيلية في اليونان بين 13 و22 من آذار الفائت، تحدث المخرج النمسوي الأصل هيربرت سوبير، منجز الثلاثية التسجيلية المشهورة «يوميات كينشاسا»، و«كابوس داروين» و«جئنا كأصدقاء»، عن مصطلح تأليف الوثائقي الذي يعتبره الأقرب إلى رؤيته وأفكاره في التعامل مع الشكل الخاص بأفلامه.

موضوع تأليف الوثائقي بالنسبة إلى المخرج النمسووي سوبير، واقعي غير مؤلف، لكن التأليف المقصود هو تأليف الشكل، أو في معنى أدق البحث عن الشكل القادر على إحداث التأثير المطلوب في نفس المتلقي، على أن يكون التأثير نفسه الذي أحدثه الواقع في نفسية المخرج حين قرر تصويره. وسوبير نفسه محسوب على المخرجين ذوي السياقات التقليدية بالمقارنة لتيارات التسجيليين، الأكثر حداثة وشبابا منه مع كامل التقدير الذي تناله أفلامه، لكن المخرجين الذين يقررون خوض هذه المغامرة لا يخشون أن يحترقوا بنار التقويم النوعي، بل يتجاوزونه لترك حرية التأويل والتأثر بالبناء الفيلمي للمتلقي، كلما زادت حدة المغامرة وعنفوانها.

لو كان ثمة جائزة تمنح لأفضل مساهمة فنية في التصوير أو المونتاج لذهبت عن استحقاق إلى الفيلم الهولندي «هؤلاء الذين يشعرون بلسع النار» للمخرج الشاب مورغان كنيبي، والمبني على جملة من «جحيم دانتي» عن مشاهد التعذيب التي يتعرض لها أهل النار في الدرك الأسفل من الجحيم، إذ يبدأ الفيلم بمشهد تمثيلي عن مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين في قارب يتعرض لعاصفة يموت على إثرها أحد الرجال العالقين بين البحر والشاطئ وتصعد روحه إلى السماء. والمشهد مصور من زاوية عين طائر، إذ تحلق تلك الروح التي نسمع صوتها فحسب من دون أن نراها طيلة الفيلم، متنقلة ما بين فئات المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين إلى أوروبا، فاضحة الحلم الوهمي بأن الوصول إلى شاطئ الشمال هو بوابة الدخول إلى الجنة. تتحرك الكاميرا في حركة شبحية محاولة أن تحاكي حركة روح هائمة بين الأماكن والبشر، وفي سياق توليفي أقرب للقطة الواحدة، باستخدام مناطق الإظلام والسواد بين الغرف أو الشوارع أو البيئات المكانية الضيقة والكئيبة التي يعيش فيها اللاجئون. وعبر بناء درامي محكم تنتقل الكاميرا-الروح من فئة إلى أخرى، كأنها تتجول بين غرف الجحيم، لتشاهد الذين سبقوها إلى هناك وهم يمرون بمختلف ألوان العذاب النفسي والبدني ما بين أعمال دونية، أو إدمان مخدرات، أو انتظار حقير أمام مكاتب توزيع الأطعمة والإعانات، من دون أن يكون هناك فرق بين من هو قادم من أفغانستان، واللاجئ السوري أو المتسلل الأفريقي، أو الحالم المغربي الذي لجأ حين صدمه الواقع الأوروبي، إلى تعاطي المخدرات كوسيلة وحيدة للشعور بالجنة.

هذا الشكل المغامر الذي يبدو استلهاماً لما سبق وشاهدناه في أفلام روائية مثل الإيطالي «عكسي» لغاسبار نواه، والأميركي «بيردمان» لإيناريتو، أفرز حالة شعرية ووجودية شديدة القوة والتأثير. وهي تجربة بصرية تبدو غير مسبوقة تسجيلياً على مستوى التصوير بكاميرا طائرة لا تستقر أمام شخص أو داخل مكان، وبإيقاع زمني متلاحق وطويل كأنه وحدة زمنية واحدة يختلط فيها الليل بالنهار والضوء بالظل، فالروح الهائمة لا تنام ولا تستريح خلال جولتها عبر أروقة الجحيم ومشاهدة الأحباب وهم يرسفون في أغلال العذاب.

كيف يمكن التعبير عن الواقع الروحي لفتاة غجرية في العاشرة من عمرها تعاني صمماً كاملاً، لكنها تعشق الرقص الهندي وتحفظ الكثير من الإيقاعات التي لم تستمع إليها يوما إلا عبر عينيها فحسب؟ تقرر المخرجة أجنيشكا زويفكا أن تخرج ما في رأس هذه الملكة الغجرية الصغيرة، وتجسده في شكل لوحات هندية راقصة تشارك فيها جميع شخصيات الفيلم تقريباً، من مجموعة الأطفال أبناء الهامش الغجري الذين تقطنه أسرهم خارج إحدى الأحياء في وارسو في بولندة، مروراً بالجمهور العادي الذي يسير هنا وهناك في الميدان الذي تقصده دينيسيا اسم ملكتنا الصغيرة كي تتسول بعض المال لسدّ رمق أسرتها.

لا أحد يدري كيف أقنعت المخرجة الجمهور العادي بالمشاركة لكن ثمة في بعض اللوحات رقص احترافي واضح يؤديه شبّان يرقصون خلف الغجرية الصغيرة في ملعب لكرة السلة، قريباً من حي الغجر الذي تريد البلدية نقله عنوة خارج المدينة على اعتبار أنهم ليسوا مواطنين. هنا يخرج الفيلم من عباءة القصة الميلودرامية المتأثرة بتيمات الأفلام الهندية التي تعشقها بطلتنا ذات الأعوام العشرة، إلى الواقع الضنين بمساحة أرض وحياة تسع الجميع.

تبني المخرجة فيلمها وفق البناء التقليدي للأفلام الهندية، أي حادثة وأغنية تعلق عليها، لكنه يبدو بناء مغامراً في إطار فيلم تسجيلي يشتبك مع واقع كئيب لبشر لا أحد يطيق وجودهم وإن على مسافة منه. لا أحد يعنيه أن تكون تلك الصغيرة مسكونة بالإيقاع، أو أن تعمل حواسها الروحية بكفاءة أكثر من أطفال كثر أسوياء ، بل تغامر بخوض مسابقة للرقص بين أصحاء، وترقص من دون الاستماع إلى الموسيقى، وحين تخرج المنافسة في التصفيات الأولى تقف حائرة في لقطة تراجيدية شفافة لا تدري هل تم تصعيدها أم أنها خرجت من البداية.

جدلي وصادم على مألوفه هذا النمسوي منجز «ثلاثية الجنة» و«تصدير واستيراد» و«موديلز». إنه إلريش سيدل، لاعن الحدود، والمؤلف الوثائقي المشهور الذي يبحث عن شخصيات واقعية يضعها في أطر خاصة تبدأ من كادرات واسعة ثابتة كأنها بورتريه أو صورة في ألبوم، وصولاً إلى تعرية عورات المجتمع بتعرية عورات الشخصيات ذاتها وتصويرها وهي تمارس طبيعتها الإنسانية بلا سواتر اجتماعية أو وجاهة إنسانية. هكذا نراها في أحدث أفلامه «في القبو» الذي بحث فيه طويلاً عن أشخاص تعبِّر أقبية منازلهم عن طباعهم الشخصية، والمجتمع والحضارة التي أفرزتهم.

لم تكن مصادفة أن يعرض المهرجان فيلم «المخرج أثناء العمل» للألماني قسطنتين وولف الذي أجرى فيه حوارات مطولة مع سيدل أثناء عمله على فيلم «في القبو»، ليجيب عن الكثير من الأسئلة حول الشكل الذي يختاره سيدل لأفلامه، هذا الشكل الجريء الذي يتضمن ترتيب الواقع مثلما يراه هو وليس مثلما يبدو في الحقيقة، تاركا لنفسه حرية تحريك كل شيء بدءاً من الأثاث والديكورات وصولاً إلى شخصيات الفيلم وهي شخصيات واقعية لكنها تتحول إلى نماذج تمثيلية في أفلامه. ومثل على ذلك تلك المرأة السادية وخادمها المطيع أو الرجل الذي يعود من عمله ليرتدي زي النازية ويجتمع هو وأصدقاؤه في القبو فيرفعون أيديهم بالتحية لصور هتلر وغوبلز… أو ذاك الداعر المعاق الذي تتلذذ النساء في الذهاب إلى قبوه كي يركب فوقهن كأنهم أحصنة أسطورية ضخمة وهو جسده الضئيل المشوه، وبعد قليل يموت البحث عن مفهوم للشكل، ويمسي المضمون والحقيقة عاريين أمام المتلقي، وهذا يلامس الوجدان ويقرع الذهن.

تصوير أوّل فيلم روسيّ ـ صينيّ ينطلق في موسكو

بدأ المخرج الروسي أوليغ ستيبتشينكو تصوير فيلم «الجنية فيي 2: الرحلة إلى الصين» في موسكو، ويمكن اعتباره أول مشروع سينمائي روسي ـ صيني مشترك. وأعلن منتج الفيلم أليكسي بيتروخين أن هذا الفيلم سيعرض في دور السينما عام 2016، مضيفاً: «يتمّ تصوير الفيلم على قدم وساق. وصل فريق جاكي تشان السينمائي إلى موسكو، كذلك مجموعة من ممثلي اللقطات الخطيرة وبطلة الفيلم الممثلة ياو سينتون التي ستؤدي ثلاثة أدوار في الفيلم. وتؤدي ياو في دورين في آن واحد، والأميرة الصينية. ويشارك نجم السينما العالمي الممثل الصيني جاكي تشان في تصوير الفيلم بصفته شريكاً في الإنتاج، وقد يشارك كممثل».

تستند حبكة الفيلم إلى عدد من الأساطير التي تتشابك على نحو غريب إذ تضاف أسطورة التنين الصيني وأسطورة أخرى حول ظهور الشاي وأسطورة «القناع الحديدي» إلى أسطورة «الجنية فيي» السلافية وأسطورة بعثة بطرس العظيم الكبرى لأوروبا التي استغرقت ستة عشر شهراً.

يستمر تصوير مشاهد الفيلم في موسكو حتى 10 نيسان الجاري ثم ينتقل فريق التصوير إلى الصين، فإلى تشيكيا,

«مانيا دايز» لبول داليو… العالم بعيون مرضاه

يقول المخرج السينمائي بول داليو الذي يعاني من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب بايبولار ، إنه صنع فيلم «مانيا دايز» لأنه شاء رؤية رواد دور العرض السينمائي العالمَ من خلال أعين المصابين بأمراض عقلية. والفيلم من بطولة كيتي هولمز ولوك كيربي، عرض الأسبوع الفائت في مهرجان «ساوث وست السينمائي» في أوستن ويتناول قصة رجل وامرأة يعانيان هوساً اكتئابياً. وأوضح داليو: «كانت هناك جهود نبيلة لتقديم المرض العقلي في أفلام من صنع أشخاص ليسوا على صلة مباشرة بالموضوع»، مؤكداً أنه أراد رواية القصة من منظار الذين يعيشون مع المرض.

الاضطراب الوجداني ثنائي القطب هو أحد الأمراض النفسية التي تتميز بتناوب فترات من الكآبة مع فترات من الابتهاج غير الطبيعي ، ولا تختلف الأخيرة عن الشعور بالابتهاج الطبيعي، إذ تؤدي بالشخص إلى القيام بأعمال طائشة وغير مسؤولة أحياناً.

أضاف ديالو أثناء عرض الفيلم في عاصمة تكساس: «إذا استطعت أن تعرف كيف يكون الشعور بالمرض، أعتقد أنك ستنظر إلى المصابين به على نحو مختلف». ويروي الفيلم قصة «كارلا» كيتي هولمز و«ماركو» كيربي ، وهما ينزلقان إلى المرض العقلي فينقلان إلى مستشفى للأمراض النفسية، وينجذب كل منهما إلى الآخر، وفيما تتوطد علاقتهما يشتد عليهما المرض. وخلال صعود العلاقة وهبوطها بسبب المرض العقلي يتقاسمان المرح والحنان والتصرفات الغريبة، وبينها النزول بسيارة صغيرة إلى نهر تجري مياهه بسرعة.

يتساءلان عما إذا كانا سيخسران نفسيهما واتقاد مشاعرهماإذا حاولا السيطرة على مرضهما العقلي من خلال العلاج النفسي وتناول الدواء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى