لعبة أردوغان المزدوجة في اليمن

عامر نعيم الياس

صعّدَ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان من لهجته حيال إيران على خلفية بدء عمليات «عاصفة الجنون» التي تقودها السعودية، ولم تشارك بها تركيا حتى اللحظة، واتهم أردوغان إيران بالسعي إلى الهيمنة على المنطقة، داعياً إياها إلى «سحب قواتها مهما كان لها في اليمن، وكذلك في سورية والعراق وأن تحترم سلامة أراضيها»، من دون أن يعني ذلك أنه ألغى زيارته المقررة إلى إيران الأسبوع المقبل.

بالتوازي مع ذلك، صدر بيان عن الخارجية التركية أكثر هدوءاً أعربت فيه أنقرة عن «دعم العملية التي بدأها التحالف بطلب من الرئيس الشرعي المنتخب عبد ربه منصور هادي»، مندّداً بالتحركات العسكرية التي تبنّتها جماعة الحوثي للسيطرة على مدينة عدن. من دون أن ترد في البيان أيّ فقرة تشير إلى استعداد تركيا حالياً للمشاركة في التحالف الذي أنشأته السعودية. فهل يعبّر السلوك التركي عن ارتباك، أم أن أنقرة تكتفي بمراقبة ما يجري لتطوير موقفها مستقبلاً؟

يندرج الموقف التركي في سياق لعبة الانتظار ومراقبة التطورات الميدانية واحتواء كافة قوى الصراع عبر خطاب مزدوج يعكس بدوره لعبةً مزدوجة لحكومة حزب «العدالة والتنمية» في الإقليم والداخل التركي، ينظمها موقف تركيا من التحالفات الدولية والإقليمية في المنطقة، والذي أخذ مسافةً منها وابتعد عملياً عن المشاركة المباشرة بها منذ الغزو الأميركي للعراق، مروراً بتحالف أوباما ضدّ «داعش»، وليس انتهاءً اليوم بالتحالف السعودي المصري للعدوان على اليمن. إذ تحاول أنقرة اليوم العمل على المحاور التالية:

ـ الإبقاء على التنسيق مع السعودية وعدم الابتعاد عن النهج الجديد للملك سلمان في المنطقة والقائم على إعادة صوغ التحالف الإقليمي بما يلبي هدف مواجهة إيران، فالموقف التركي أيّد السعودية وهاجم إيران من دون أي خطوة عملية للمواجهة المباشرة مع طهران في اليمن.

ـ الحفاظ على نمط المواجهة غير المباشر مع طهران في الدول العربية، وعدم الدخول في مواجهة مباشرة معها تجنباً للتداعيات السياسية والاقتصادية على حكم الحزب الإخواني في تركيا.

ـ الاستمرار في لعبة الاستقطاب الطائفي والمذهبي في المنطقة، ومحاولة أنقرة بناء نفوذها استناداً إلى هذا العامل في الوقت الحالي، وكسب المزيد من أوراق القوة الإقليمية في الدول العربية عبر ما يسمى التمتين، من دون اللجوء إلى التدخل العسكري المباشر في المنطقة.

ـ إدراك أنقرة حساسية الوضع في اليمن، ما يستوجب منها عدم التدخل المباشر، لكن في المقابل يستوجب دفع الدول المشاركة إلى مزيد من الانخراط العسكري عبر التلويح بإمكانية تقديم الدعم اللوجيستي مستقبلاً، وهو ما يصب في خانة الدفع بعرب العدوان ومصر تحديداً إلى ساحة استنزاف تنزع أوراق القوة الإقليمية عن القاهرة، وليس كما يروّج البعض أن التحالف العربي يؤثر على دور تركيا ويعيد مصر إلى الواجهة، خصوصاً أن التلويح بالتدخل البرّي السعودي عبر الجنود المصريين يزداد يوماً بعد يوم، لمواجهة التقدم الميداني المضطرد للجيش اليمني و«أنصار الله» في مختلف الأراضي اليمنية، على رغم الغارات الجوية الدموية للسعودية وحلفائها.

ـ العامل الداخلي وحسابات الانتخابات البرلمانية التركية في تموز المقبل لها ثقلها في بلورة الموقف التركي الحالي من العدوان السعودي الخليجي المصري على اليمن، خصوصاً أن الناخب التركي عموماً لا يحبّذ أيّ انخراط عسكري مباشر للجيش التركي في حروب المنطقة، فضلاً عن التقسيمات الطائفية داخل تركيا التي ستتأثر في حال دخلت أنقرة في تحالف طائفي في اليمن.

أيّدت تركيا السعودية في عدوانها، لكنها لم تتدخل مباشرةً به، فيما يتوجه الرئيس التركي إلى إيران في زيارة رسمية يتوقع ألا تخرج عن إطار إيحاء الدوليتين بمتانة العلاقات الثنائية بينهما، اننهازيةٌ سياسية ليست غريبة عن نهج الإخوان المسلمين سواء كانوا عرباً أم أتراك.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى