الحرب من أجل الدين أم الدين من أجل الحرب؟

جمال العفلق

هي عبارة بسيطة تحمل من التعقيد ما تحمل وتحتاج إلى باحثين مخلصين لقضيتهم الوطنية وقضيتهم الإنسانية، لعلّهم يصلون في بحثهم إلى ما يوقف هذا القتل وهذه المجازر التي لم ترحم كبيراً ولا صغيراً وهدمت البيوت وشردت الناس. ولكي لا نبتعد في التاريخ كثيراً، علينا أخذ عناوين لجرائم ارتكبت في حق الإنسانية يعرفها القاصي والداني ولا تحتاج إلى إثبات وهي بهدف الحرب وليست بهدف الدين.

فالولايات المتحدة الأميركية والتي تتصدر دول العالم في الحديث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بنيت على أنقاض ثقافة كاملة بعد أن أبادت السكان الأصليين.

أما في الشرق، فقد كانت الحروب الدينية عبر التاريخ تحمل ملامح مختلفة، وخصوصاً بعد الغزو الصليبي واحتلال القدس، ويمكن وضعها في إطار صراع الحضارات وطموح الملوك إلى المجد الزائف باتجاه تحقيق انتصارات، عبر شنّ حروب باسم الدين.

وما فعلته المنظمة الصهيونيه بعد إعلان وعد بلفور كان ضمن هذا الإطار، حيث استخدمت المنظمة التزوير والتدليس لجمع اليهود، بالترغيب والترهيب لجلبهم إلى فلسطين، ومن هنا بدأت الحرب الدينية التي غرست مفاهيم خاطئة في عقول الكثيرين عن الحرب بين اليهود والمسلمين، لكنّ حقيقة الأمر أنها حرب بين الصهوينية وشعوب المنطقة ومنهم اليهود العرب الذين وصفوا بالاعتدال آنذاك، ورغم أنّ بعضهم لم يقتنع بالفكر الصهيوني إلا أنه لم يستطع تغيير أي شيء. وما المجازر التي نفذتها الصهيونية في فلسطين إلا صورة من صور الحرب المعلنة المتسترة بالدين، ولكنها في الحقيقة حرب من أجل الاستيطان والتوسع وإخلاء الأرض من سكانها الأصليين.

أما مذابح الأرمن التي ارتكبها العثمانيون بعد أربعمئة عام على احتلال المنطقة، والتي ذهب ضحيتها مليون ونصف المليون أرمني، فهي دليل آخر على أنّ حجة استخدام الدين كوسيلة للقتل هي وسيلة وضيعة تستخدم لتغييب العقل ونسف المفاهيم الأخلاقية عندما تقتضي الحاجة .

أما المجازر التي تقع يومياً في التاريخ الحديث، فهي نتيجة لسياسة أميركا بعد احتلال العراق الذي تم تقسيمه إلى ثلاث دويلات بحجة خلق تعايش، رغم أنّ شعب العراق ما قبل الاحتلال الأميركي هو نفسه بعد الاحتلال، فلماذا تمّ تقسيمة بهذه الصورة وتصوير المعارك الدائرة على أنها شيعية ـ سنية؟ ولماذا قامت أميركا من خلال العرب التابعين لها بتغذية النزعة الطائفية والإصرار عليها من خلال الإعلام وتصوير العراق على أنه ثلاث قوميات لا يمكن أن تجتمع أو تتعايش؟

استمر هذا المشروع حتى أنتج «داعش» الذي يقتل الناس بسيف الدين، وهو في حقيقة الأمر يقتل كلّ من يخالف توجه التقسيم ولا يفرق بين سني وشيعي ومسيحي وكردي.

أما اليمن، فهو يقصف اليوم باسم المذهب، وحقيقة الأمر أنّ الذين يقتلون هم اليمنيون، فالقنابل والطائرات لا تسأل الهدف عن مذهبه أو دينه، إنما تقتل وهي عمياء كما الذين أمروها بذلك. ولو أنّ الحوثيين استجابوا لرغبة السعودية وأميركا، لكان عنوان الحرب مختلفاً في حال شنت.

وفي سورية، استحدث مفهوم الحرب الطائفية على ما أطلق عليه، زوراً، اسم ثورة سورية بهدف تقسيم سورية وإعادتها إلى عهد الانتداب الفرنسي الذي قسمها آنذاك إلى خمس دويلات، وقد ناضل السوريون طوال ربع قرن لمنع هذا التقسيم وتوحيد سورية كما يجب أن تكون، لا كما رسمها المستعمرون، تحت شعار «الدين لله والوطن للجميع» الذي أطلقته الثورة السورية الكبرى في بيانها الأول عام 1925.

لا يوجد شيء اسمه حرب من أجل الدين، إنما هو استخدام سفيه للدين من أجل الوصول إلى أهداف لا أعتقد أنها تحتاج إلى تفسير وتوضيح، فصور التقسيم وخرائطه منشورة على مواقع الإنترنت، ومن يقود هذا التقسيم اليوم هم بعض العرب الذين يتبعون لمذهب لا علاقة له بالدين ويدعي أنه هو الطريق الصحيح للوصول إلى الله عز وجل، ولو سألنا أياً من أتباع هذا المذهب التكفيري: لماذا لا تحرّرون فلسطين؟ فلن نجد إجابة لديه رغم أنّ فلسطين المحتلة لا يسكنها شيعة ولا علويون ولا يزيدية!

إنّ ما يزيد جنون هؤلاء أنّ الطرف الآخر لا ينزل إلى مستوى خطابهم المذهبي، بل هو متمسك بالمقاومة كمفهوم تحرّري وأخلاقي وكواجب وطني، لذلك هم يحاربون هذه التيار الذي لو فكر في يوم من الأيام بمدّ اليد للصهيونية، فإنهم سيغيرون خطابهم ويرضون به حتى ولو أعلن ردته عن الدين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى