بين الضغط الاقتصادي والاجتماعي… وخطر المعركة المقبلة في الجرود عرسال تنتفض في وجه الإرهاب وتعود إلى حضن الدولة

تحقيق: محمد حمية

مع بداية الأزمة السورية عام 2011، برزت بلدة عرسال البقاعية كإحدى أهم بؤر التوتر الأمني على الحدود اللبنانية ـ السورية، إضافة إلى تحوّلها من قبل قوى محلية وإقليمية، إلى حاضنة للإرهابيين وقاعدة خلفية لهم للانطلاق بهجمات عسكرية ضدّ النظام في سورية، وضدّ مناطق لبنانية. كما تحتضن مخيماً للنازحين السوريين يضمّ ثمانين ألفاً، من بينهم بعض عائلات المسلّحين الذي يشكّلون بحسب أهالي البلدة قنبلة موقوتة ستنفجر في أيّ وقت.

على رغم أنّ هذا الوضع خلّف الكثير من الآثار السلبية على مختلف مناطق البقاع ولبنان عموماً، إلا أن أهالي عرسال هم الذين دفعوا الثمن الأكبر من حيوات أبنائهم، وأمنهم وأرزاقهم وممتلكاتهم ولقمة عيشهم، حتى صُوّرت بلدتهم وكأنها خارجة عن سيادة الدولة، وهي التي قدّمت عدداً من الشهداء في الجيش، وصارت رهينة في يد المسلحين السوريين، ما دفعها مؤخراً إلى الانتفاضة على من تعاملت معهم كضيوف، ودفعت من أجلهم ثمناً باهظاً في علاقاتها مع الجوار.

فما حقيقة الوضع في البلدة، وهل فعلاً ردّ فعل الأهالي الأخير على النازحين هو بداية انتفاضة عرسالية؟ وهل تتطوّر إلى اشتباكٍ مسلح؟ وكيف هي علاقة أهالي البلدة مع القرى المجاورة؟ وهل تتكرّر أحداث الصيف الماضي؟ وهل يستطيع الجيش بقدراته الحالية صدّ أيّ عدوان جديد؟

الموقع الجغرافي والدور المزدوج

تقع بلدة عرسال في حضن سلسلة جبال لبنان الشرقية، وتبعد عن مدينة بعلبك حوالى 38 كيلومتراً، وتشترك مع سورية بخطّ حدودي طوله 50 كيلومتراً، ويصل عدد سكانها إلى 40 ألف نسمة.

هذا الموقع الجغرافي لعرسال ساهم في عبور المسلّحين والسيارات المفخخة من سورية إلى لبنان، كما عبور المسلحين من لبنان إلى سورية، وأصبحت محطة لجوءٍ للسوريين الذين تدفق معظمهم من منطقة القلمون بعد تهجيرهم على إثر معارك حمص ويبرود. كما أدّت المعارك العسكرية في سورية، لا سيما في القلمون إلى خروج المسلحين من بين اللاجئين السوريين ومن المستشفيات الميدانية، واللجوء إلى الجرد المحيط بالبلدة، ذي المساحات الشاسعة والمفتوح لرصد أيّ حركة لجيوش نظامية سوريّة كانت أم لبنانية.

في الأول من آب من عام 2014، شنّت المجموعات الإرهابية التي كانت متحصّنة في داخل عرسال هجوماً على مراكز الجيش وقوى الأمن الداخلي بعد توقيف الجيش المطلوب عماد أحمد جمعة الذي ينتمي إلى «جبهة النصرة». ودارت اشتباكات عنيفة، ما أدّى إلى استشهاد عدد من ضباط الجيش وجنوده، وخطف 36 عسكرياً خلال انسحاب المسلحين إلى الجرود، بينهم 19 من الجيش و17 من قوى الأمن الداخلي، ولا يزالون محتجزين حتى الآن ليتحوّل هذا الملف إلى ورقة ضغط في يد المسلحين على الدولة اللبنانية، تهدّد أمن لبنان واستقراره.

بعد هذه الاحداث، شهدت عرسال أحداثاً أمنية دائمة، ومواجهات بين المسلحين والجيش الذي أفشل محاولات تسلّل عدّة إلى داخل البلدة. كما عاشت توتراً وخطفاً وخطفاً مضاداً بين عرسال والمناطق المحيطة، لا سيما بلدة اللبوة المجاورة. كما تعرّض خراج البلدة إلى غارات من الطائرات السورية أثناء ملاحقتها المسلحين على الحدود.

مواجهة من نوع آخر

في الآونة الاخيرة، شهدت البلدة نوعاً آخر من المواجهة لم تعرفها من قبل، بين أهالي البلدة والنازحين السوريين أشبه بالانتفاضة. إذ تتحدّث معلومات عن تحول المخيم إلى ملاذٍ لخلايا إرهابية ومجموعات مسلّحة منتشرة في أعالي الجرود، تستفيد لوجستياً من هذا المخيم الجردي الذي صار يشكل رئة لها، تتنفس من خلالها. وكثيراً ما يتسرب إليها جزء من الإمدادات التي ترسلها الدولة والمنظمات الانسانية إلى النازحين لاعتبارات إنسانية.

في الـ30 من آذار، أقدم مسلحون مجهولون على خطف المواطن حسين سيف الدين من بلدة عرسال، وفرّوا به باتجاه جرود البلدة. ما دفع عدد من أهالي البلدة إلى خطف 23 سورياً من بلدة «قارة» السورية ردّاً على خطف سيف الدين، وأمهلوا خاطفيه ساعات للإفراج عنه. إلا أن عمل الوسطاء نجح في الإفراج عن سيف الدين والمخطوفين السوريين وجنّبوا البلدة مواجهة حتمية.

عرسال تئنّ اقتصادياً

رئيس بلدية عرسال علي الحجيري قلّل في حديث لـ«البناء» من خطورة الوضع الامني في عرسال. معتبراً أن الوضع الامني مضبوط حالياً، وأنّ المسلحين متواجدون على مسافة بعيدة من البلدة لا في داخلها. إذا تبعد نقطة تواجدهم عن مواقع الجيش في عرسال ثلاثة كليومترات. مشيراً إلى أن مخيم النازحين السوريين فيه عدد قليل من المسلحين.

وأكد الحجيري أن «الجرود مفتوحة من عنجر إلى عرسال وهي تحتاج إلى جيوش لتغطيتها ولا يستطيع الجيش اللبناني وحده ذلك. «فالجيش يحاول حماية البلدة لكن هناك بعض الثغرات التي يمكن أن يستغلها المسلحون للعبث بالامن، لكن أهالي عرسال يحملون السلاح ويساعدون الجيش في حماية بلدتهم».

ولفت الحجيري إلى التواجد الكثيف للنازحين السوريين الذين يقدّر عددهم بـ90 ألف نازح، بعدما كانوا يشكلون أكثر من 135 الفاً مسجلين في قوائم رسمية في البلدية، مشيراً إلى أن البلدية تعمل على تسهيل أوضاعهم وأمورهم.

الحجيري تحدّث عن معاناة أصحاب المصالح، خصوصاً مقالع الحجر، والتي تشكل مورد رزق أساسي للعراسلة، نافياً حصول مشاكل مع القرى المحيطة بعرسال. وعلى رغم تأكيد الحجيري أن عرسال «خارج الحصار»، عاد وأكد أن الحل في عرسال مرتبط بالوضع العام في لبنان.

وعن الحلول المقترحة لتواجد هذا الكمّ من النازحين، لفت الحجيري إلى أنهم طلبوا من الدولة ووزارة الشؤون الاجتماعية إنشاء مخيمات خارج عرسال على غرار الأردن وتركيا. أما الردّ فكان ـ وفق الحجيري ـ «يتهربون من ذلك».

الحجيري عزا الحصار المفروض على أراضي البلدة الزراعية لأسباب أمنية من الجيش، وأمل فكّ هذا الحصار قريباً.

مصادر عسكرية بقاعية تحدثت لـ«البناء» عن نفورٍ شديد لدى أهالي البقاع عموماً والبقاع الاوسط خصوصاً من النازحين السوريين، لا سيما بسبب تأثير اليد العاملة السورية على اللبنانية، مؤكدة احتمال عودة التوتر بين النازحين السوريين وأهالي عرسال، مشيرةً إلى وجود عددٍ كبير من المسلحين داخل مخيم عرسال في حين يعمل الجيش على تنظيف الجبهة الداخلية لكبح جماح تحرك الخلايا النائمة.

زيدان

ويشرح أحد فعاليات بلدة عرسال، خالد زيدان لـ«البناء» الوضع الاجتماعي والمعيشي والحياتي اليومية، ويصفه بالسيئ، منتقداً ما وصفه بـ«الخناق» الذي ضيّق عليهم بفعل التدابير الأمنية من قبل الجيش اللبناني وحزب الله. مشيراً في هذا المجال إلى أن عناصر «النصرة» لم يبدوا أيّ إزعاج لأبناء عرسال الذاهبين إلى أراضيهم الزراعية وبساتينهم ومقالع الحجر التي تعدّ مورداً أساسياً في جني رزقهم.

زيدان تحدّث كاشفاً عن اجتماع حصل مؤخراً مع أصحاب المقالع وبساتين الأشجار المثمرة، واتفق الجميع على تحرك أشبه باعتصام باتجاه السراي الحكومية، إذا لم يُفكّ الحصار عنهم من قبل الجيش اللبناني وحزب الله. ويقول: «بفعل هذا الحصار، أضحت عرسال في حال من البطالة التي عمت البلدة وشبابها، والمزارعون الذين ينتظرون أرزاقهم، يراقبونها كيف تذهب سدى بفعل التضييق عليهم».

وفي الحديث عن أنّ قيادة الجيش تتوجّه إلى فكّ الحصار عن عرسال والسماح لأصحاب المقالع والمزارعين من أبناء البلدة بمزاولة أعمالهم وأشغالهم بشكل طبيعيّ في اليومين المقبلين، رأى زيدان أن مثل هذا الكلام بقي «وعوداً»، وقال: «لطالما سمعناه منذ أشهر من السياسيين وضباط الجيش، إنّ وقف التحرّك رهن بفك الحصار».

لم ينف زيدان حصول إشكالات داخل البلدة بين العراسلة والنازحين، واضعاً ذلك بفعل الاكتظاظ السكاني، ولا يقتصر على أكثر من الاشكالات الفردية التي تطوق. مؤكداً، أن أهالي عرسال ينشدون الدولة، فهي لطالما كانت ولا تزال إلى جانب الشرعية والجيش والقوى الأمنية. مطالباً الدولة أن تكون عادلة من ناحية عرسال.

المختار الحجيري

مختار عرسال محمد الحجيري أكد لـ«البناء» أنّ الوضع العام في عرسال ليس كما يصوّره البعض «قندهار». ومع طمأنته بأن الوضع الأمني «ممسوك»، لم ينف حصول إشكالات فردية، على رغم حصول إشكالات بالأسلحة. واضعاً تطور أي إشكال بالسلاح على غرار ما حصل مع أحد الأشخاص ومع عناصر من «داعش»، حيث قطع الأخير رأسه، ما تطوّر إلى بلبلة وانتهت!

المختار الحجيري أشار إلى خنق أصحاب المصالح المقالع التي تشغّل نحو 5 آلاف عامل، فضلاً عن الآليات والشاحنات والجرافات. واليوم لم تعد هذه المصالح تشكل أكثر من 5 في المئة من اليد العاملة، كما أن المزارعين منعوا من الوصول إلى أراضيهم من قبل الجيش لأسباب أمنية، ما سبب بطالة وصلت إلى 95 في المئة، مشيراً إلى أنّ هذا التضييق أضاف عليهم معاناة وأزمة.

وقال: «عرسال استقبلت نحو 150 ألف نازح، لا يمكن لهؤلاء أن يُتركوا أعباء كمكافأة على ما قدّمه العراسلة لهم، على رغم تشتتهم السياسي واللامبالاة وعدم المسؤولية». ولفت الحجيري إلى أنه عندما دخل «داعش» إلى جرود عرسال، ضيّقوا على أبناء عرسال، وزاد ذلك دخول نحو 300 مسلح من «الجيش الحر» إلى المخيمات، إلى ان عادوا واندمج بعضهم مع «النصرة» و«داعش»، ومن بقي التحق بـ«الحر» في مناطق القلمون.

الحجيري ادّعى أنّ مشكلة العراسلة، «تكمن في تواجد حزب الله الذي يشكل خنقاً لوصولهم إلى أراضيهم، والناس متخوفون من استمرار هذا الخناق الذي أرخى إحباطاً وقلقاً»، مشيراً إلى أن مواقع حزب الله لا تبعد عن مواقع «النصرة» أكثر من 700 متر، وعن «داعش» ثلاثة كيلومترات.

وقال المختار الحجيري أنه قبل «الثورة السورية» كانت عرسال مزدهرة، لكنها اليوم معدومة والبطالة تفشّت.

مخيم النازحين… معلومات متضاربة

الظروف الإنسانية الصعبة التي يعانيها النازحون السوريون في مخيم عرسال نتيجة موجات الصقيع التي مرّت، ونقص المؤن والطبابة، لا سيما بعدما أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة توقيف مساعداته لهم إضافة إلى وجود المسلحين، كل ذلك حوّل المخيم إلى مأساة إنسانية وقنبلة أمنية موقوتة، إذ تنقل مصادر بقاعية لـ«البناء» أن الوضع الاجتماعي للنازحين في عرسال جيد ويتلقون مساعدات من أكثر من مصدر كالامم المتحدة وجمعيات إغاثية دولية ومن الجيش اللبناني. فالمواطنون العاديون يعانون من نقص المازوت، بينما كل شخص من النازحين يحظى بغالونين أسبوعياً.

وأكدت المصادر وجود مسلحين في المخيم، وأن الاجهزة الامنية تُمنَع من الدخول إلى المخيم. والمسلحون يتسللون من الجهة الشمالية الشرقية للمخيم الذي يؤدي إلى جرود عرسال. وتؤكد المصادر أن المسلحين السوريين انقلبوا على آل عزّ الدين وسيف الدين الذين أووهم بداية الأزمة.

رئيس بلدية اللبوة رامز أمهز أكد لـ«البناء» وجود مئة عائلة سورية نازحة في بلدة اللبوة، ويسكنون بين منازل البلدة ويعامَلون معاملة حسنة، ولكن كحال أهالي اللبوة يعانون من أوضاع اجتماعية وإنسانية صعبة، كما يشكلون ضغطاً اقتصادياً على المنطقة.

وأوضح أمهز أنه بعد الوضع المتوتر بين عرسال واللبوة في المرحلة السابقة حصل نوع من الجفاء بين البلدتين. وحصلت أحداث أمنية، «ولكننا لم نشمل كل اهالي عرسال، بل قسماً منهم، ونحن طالبناهم مراراً وتكراراً بأن يتّخذوا مبادرات ويتعاونوا مع الدولة والاجهزة ضد الإرهابيين، لكننا لم ولن نتخلى عن اهالي عرسال، ولو عبث البعض منهم بأمن البلدتين».

وأضاف: «أما الآن، فنرى أن الحسّ الوطني الاصيل يعود إلى عرسال وأهاليها لأن عرسال في مرحلة معينة شكلت بيئة حاضنة للنازحين من نحوٍ إنساني ولكن بعض الاشخاص استغلوا الوضع لمآرب شخصية. كما ان بعض النازحين اليوم عملوا على التخريب في المنطقة، لكن أهالي عرسال انتفضوا وتصدّوا لهم بالتعاون مع الدولة».

وأكد أمهز وجود ثمانين ألف نازحٍ سوري في مخيم عرسال، وأن بعض المسلحين يتواجدون في المخيم فهم يصعدون في النهار إلى الجرود وفي الليل يتسللون اليه. لكن في الفترة الاخيرة، ضيقت إجراءات الجيش والاجهزة ـ بمساعدة أهالي عرسال ـ الخناق عليهم وقلّصت حريتهم في الحركة والتنقل، تمهيداً لإنهاء هذه الظاهرة.

وعبّر أمهز عن مخاوفه من صِدام مسلّح مقبل بين المسلحين وأهالي عرسال في حال استمر أهالي عرسال بالتضييق على العابثين بالامن من النازحين وبالتعاون مع الدولة، مؤكداً أن أهالي عرسال أقوياء وقادرون على الدفاع عن أنفسهم.

أين «أبو طاقية»؟

ولفت أمهز إلى أن أهالي عرسال كشفوا حقيقة الشيخ مصطفى الحجيري «أبو طاقية» الذي كان رأس الحربة لما حصل من أحداث امنية، وهو امير «جبهة النصرة» الذي كان يضلل الناس، والاهالي يدركون ذلك. مؤكداً أن الحجيري موجود الآن في عرسال لأن لا تواجد للجيش في داخل البلدة بل هو يطوّق عرسال من جميع الجهات ويدخلها بحالات امنية، ولا يسيطر عليها من الداخل لأن ذلك يحتاج إلى قرار سياسي.

وشدّد على أن أحداث الصيف الماضي لن تتكرر، لأن لا قدرة للمسلحين على ذلك، والجيش يسيطر على البوابات الرئيسية للبلدة وخلفه المقاومة وأهالي عرسال.

وطمأن أمهز إلى أن منطقة البقاع واللبوة محصنة، «لكننا نعمل اليوم على حماية عرسال»، نافياً بحسب علمه أن يكون اهالي عرسال يعتدون على النازحين، الا بعض الاشخاص الذين اعتدوا على اهالي عرسال وخطفوا المواطن سيف الدين لأسباب مادية.

وإذ أكد أمهز أن اهالي عرسال يعانون اقتصادياً من النازحين النازحين، لفت إلى أن النازحين يتلقون مساعدات من عدة مصادر لأسباب انسانية أولاً، اضافة إلى أن المخطوفين العسكريين يجب أن تصل إليهم هذه المساعدات.

إمارة إسلامية غير معلنة

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إمارة إسلامية ستعلن عنها «جبهة النصرة» أو تنظيم «داعش» في عرسال. في حين تنفي معلومات أخرى ذلك لأسباب عدّة. إلا أنّ ما ينقل من عرسال يُظهر وجود شبه إمارة إسلامية غير معلنة. عناصر مسلحون مكشوفون يجوبون الشوارع، ويفرضون الخوّات، ويعتقلون من يريدون. محاكم شرعية تجتمع وتصدر أحكاماً «شرعية» بحق لبنانيين وسوريين وتنفّذها، فقد نفذت «جبهة النصرة» في الثامن والعشرين من شباط عام 2014 حكم الاعدام بحق سوريين هما علي ومحمد الكوز في جرود عرسال بتهمة دعم النظام في سورية، كما هدّدت الجبهة في بيان 12 سورياً تعتبرهم موالين للنظام.

أما ما يثير الاسغراب أكثر، فيتمثل في تنفيذ «داعش» حكم الإعدام في 29 آذار المنصرم بالمواطن اللبناني يونس الحجيري بعد خطفه لمدة شهرين، إذ وجد جثة مقطوعة الرأس في جرود عرسال.

عضو القيادة القطرية لحزب البعث الدكتور أديب الحجيري أكد لـ«البناء» أن عرسال شكلت بيئة حاضنة ومتعاطفة مع الإرهاب تحت دواعٍ انسانية ومذهبية. ولكن مع مرور الزمن، ونتيجة ممارسات العناصر الإرهابيين، بدأت القاعدة العريضة لأهلها بالتغيّر، إلا قلة قليلة مرتبطة نتيجة مصلحة سياسية أو مادية أو في الأساس هم جزء من الإرهابيين كـ«أبو طاقية» وجماعته. مؤكداً أن النازح السوري يشكل عبئاً على عرسال لاعتبارات عدّة، فعلى رغم مساعدات الامم المتحدة، ولو كانت ضئيلة احياناً، لكن النازح السوري بدأ يعمل في عرسال كالمواطنين العرساليين، يفتح مطعماً ومحلاً للحلاقة وآخر للهواتف الخلوية، ويعمل في كل أنواع العمل على رغم قرار وزير العمل الذي لم يطبّق في عرسال».

وإذ أشار الحجيري إلى أن غالبية النازحين هم في الخيم، وقلة قليلة تستأجر المنازل، إلا أنّه نفى أن يكون النازحون يعانون من أزمة إنسانية. معرباً عن اعتقاده بأن الامم المتحدة تتآمر على الدولة السورية لإظهار الدولة أنها تهجّر شعبها، لكن الحقيقة ان عدداً من الرجال النازحين يعملون في سورية، ونساؤهم موجودات في المخيم ويذهبن إلى سورية ويعدن إليه. مؤكداً وجود مسلحين داخل المخيم، والذين شاركوا في أحداث الصيف الماضي لا يزالون فيه، إضافة إلى الذين أتوا من سورية نتيجة الظروف المناخية.

المعركة المقبلة!

من جانب آخر، تتحدث معلومات عن خطة ممنهجة يجري الإعداد لها لإشعال معركة بين أهالي البلدة والنازحين لتبرير توزيعهم على مخيمات عدّة. كما تطرح المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة. في حين يكثر الحديث عن معركة مقبلة بين الجيش والمجموعات الإرهابية، ستكون أمّ المعارك وحاسمة.

وينقل الحجيري أن وجوه المسلحين التي يشاهدها أهالي عرسال تدلّ على انهم ليسوا من عرسال بل من سورية، وربما من دول عربية وإسلامية أخرى.

ولا يستبعد الحجيري أن تتصاعد الامور في أي وقت إلى اشتباك مسلح بين العراسلة والنازحين بسبب ممارسات هؤلاء، الذين يعتمدون شكلاً من أشكال الحكم الشرعي. فهم لديهم المحاكم الشرعية ويطبّقون قوانينهم ويعدمون من شاؤوا. لذلك الوضع الامني لا يُطمئن وغير مستقر، وما حصل في عرسال مؤخراً بداية انتفاضة عرسالية، فالجيش غير موجود في قلب عرسال، ولا أيّ قوة أمنية أخرى، بل يقيم سوراً حولها فقط.

وفي هذا السياق، يتحدث الخبير الاستراتيجي العميد الدكتور هشام جابر لـ«البناء» حول احتمالات المواجهة المقبلة، فأكد أنه لا بدّ أن تقوم المجموعات المسلحة بعمل عسكريّ في أي وقت وفي أيّ ظروف مناخية. لأن هذه المجموعات تتبع تكتيك حرب العصابات، وهي تستفيد من رداءة الطقس أحياناً. لكن الجيش في الوضع الحالي يعزّز مواقعه في عرسال ومحيطها وفي رأس بعلبك، لا سيما في المناطق التي تعتبر رخوة وهي في البقاع الشمالي من رأس بعلبك إلى القاع، فهناك قرى شيعية وهناك قرى سنّية وثمة قرى مسيحية. والمجموعات المسلحة تعتبر بعض القرى المسيحية والسنّية رخوة أكثر من القرى الشيعية، والسبب أن سكان القرى الشيعية من العشائر، وجميعهم مسلحون بطبيعتهم، والسبب الثاني أن حزب الله يساندهم، ومحاولات التسلل إلى هذه القرى فشلت سابقاً كعملية بريتال، لذلك تنظر المجموعات المسلحة يومياً إلى الوضع الميداني للنفاذ من أي ثغرة للانقضاض على احدى القرى. لكنه استبعد تكرار أحداث عرسال الصيف الماضي، اولاً لأن الجيش عزّز مواقعه في المنقطة، وثانياً لأن عرسال لم تعد بيئة حاضنة للإرهابيين.

وأضاف العميد جابر: «التوتر الذي يحصل داخل البلدة سببه أنّ أهالي عرسال ضاقوا ذرعاً من المجموعات المسلحة، لأن عرسال بلدة لبنانية قدّمت للجيش مئات الشهداء، لكن بعض المجموعات المسلحة استطاعت بمساعدة بعض النافذين في البلدة، ممّن لديهم مصالح معينة، ودخلت إليها، ولو لم ينقذها الجيش لكانت الآن عاصمة لامارة محتملة».

وقال جابر إنّ الجيش يعرف أن هناك عناصر مسلحين مندسين في المخيم، ويعرف أنّ عائلات أهالي الخاطفين موجودون أيضاً في المخيم، لكن الجيش لا يتعرّض لهم للضغط على المسلحين. وهذه نقطة حضارية تسجّل للجيش، وعادة في دول أخرى، لكان الجيش داهم المخيم واعتقل كل هؤلاء العناصر.

وأوضح أنّ المجموعات المسلحة الآن معظمها خارج المخيم باستثناء بعض المسلحين، إنما لا يهددون البلدة، لأنّ أهالي عرسال يساعدون الجيش في حماية بلدتهم والدفاع عنها، كما أن الجيش سيطر مؤخراً على التلال الاستراتيجية حيث حقق هدفين: الاول منع الامداد اللوجستي من ذخيرة ومحروقات وعتاد ومؤن للمسلحين، وثانياً منع تقدّمهم في اتجاه عرسال.

وأكد أنّ المخيم وضعه شاذ ويسبب الاحراج للدولة، لا سيما أن هناك تواصلاً بين المجموعات المسلحة والنازحين في المخيم بطريقة أو بأخرى، لكنه في الوقت نفسه يجزم بأن المنطقة ابتعدت عن الخطر نسبياً مقارنة مع السنة الماضية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى