الموسيقيّ والرسّام القوميّ… المغمور حزبيّاً خليل مكنية

لبيب ناصيف

كان الأمينان محمد جبلاوي ورضا كبريت، قد أوردا لي أكثر من مرّة في سياق الحديث عن رفقاء فنّانين عرفاهما خلال عملهما الحزبيّ النضاليّ الطويل، اسم الرفيق خليل مكنية، وأنه شقيق والدة الرفيقين الموسيقار توفيق الباشا، والرسّام أمين الباشا خالهما .

إنما لم أقرأ عنه في أدبيات الحزب، ولم يبرز اسمه في مناسبات حزبية مركزية أو محلية في منفذية بيروت. ففيما نرى حضوراً بارزاً في الحزب لكلا الرفيقين الموسيقيين زكي ناصيف وتوفيق الباشا، نجد غياباً شبه تام للرفيق خليل مكنية.

في النبذة المعمّمة بتاريخ 09/08/2010 يشرح الرفيق الراحل الموسيقار توفيق الباشا 1 كيف عرف الحزب على يد خاله الرفيق خليل مكنية، وعلى يديه مشى خطواته الأولى في عالم الموسيقى.

وفي لقاء أجراه الرفيق د. ميشال خير الله مع الرفيق توفيق الباشا، في بحمدون الضيعة حيث كان يصطاف 2 ، يقول الرفيق الباشا: «عام 1947، بعد عودة الزعيم من مغتربه القسري، أقمنا حفلة موسيقية في الوست هول في الجامعة الاميركية، خالي خليل، زكي ناصيف، وأنا، مع فرقة موسيقية كبيرة وجوقة من المنشدين الهواة. حضر الحفلة سعاده والأمينة الاولى، وأعربا عن إعجابهما، كذلك كل الحاضرين، الذين ناهز عددهم 400».

وفي مكان آخر من الحديث، يفيد الرفيق الباشا: «عام 1955، أقمنا حفلة كبيرة في صالة سينما الكابيتول 3 توزّعت إلى قسمين:

الأول: موسيقية، شاركتُ فيها مع خالي الرفيق خليل والرفيق زكي ناصيف الذي قدّم نشيد تحية الزعيم، وكنّا قد أحضرنا فرقة سمفونية كبيرة، وقدّمنا الأغاني على ألحان كلاسيكية.

الثاني: مسرحية «المنبوذ» للرفيق سعيد تقي الدين، قام بدور البطولة فيها الرفيق أنيس أبو رافع.

على إثر ذلك، طلبت إلينا الأمينة الأولى أن نقدّم حفلة مماثلة في الشام، ووضع المركز تحت تصرّفنا ـ وكان في دمشق ـ كل ما نطلبه، ولكن حادثة المالكي حالت دون تحقيق ذلك.

في كتابه عن الموسيقار الرفيق توفيق الباشا، يتحدث الأمين محمود غزالة في كثير من الأماكن عن الموسيقيّ الرفيق خليل مكنية، ودوره الإيجابي إزاء الاحتراف الموسيقي لابن أخته، الرفيق توفيق الذي أخذ عن خاله، الهواية الموسيقية، كما أخذ عنه شقيقه الرفيق أمين الباشا هواية الرسم فصار من الرسّامين المعروفين.

في الصفحة 12، يروي الأمين غزالة عن الرفيق الباشا قوله:

«وعيتُ على الموسيقى في المنزل، بسبب وجود خالي خليل مكنية، الذي أصيب بنكسة صحية ألزمته المنزل في عين المريسة، وتحوّل هذا المنزل إلى ملتقى للفنانين المحليين والأجانب».

«وإضافة إلى تحوّل المنزل إلى ما يشبه المرجعية الموسيقية، فقد أكمل خالي هواياته بالرسم.

ويمكنني القول إنّ خالي أخذ الموسيقى عن سامي الشوا، فقد كان على صداقة مع والدي قبل أن يتزوج من والدتي، وكان واحدهما يحضر إلى المنزل تسجيلات سامي الشوا ويلتقي الأصدقاء للاستماع، وتبادل الأحاديث والالفة، فيلتقي الطبيب والمهندس والكاتب والراوي، وانتشرت بين المثقفين والذواقة، حتى وصلت معرفته إلى زكي ناصيف الذي جاء ينسجم في علاقاته مع عائلات الهواة الآخرين».

وفي الصفحة 17:

«في أحد أيام سنة 1941، أفقتُ في الصباح وأخذت أغني افرح يا قلبي لأمّ كلثوم في منزل جدّتي فسمعني خالي ثمّ قدّمني لزكي ناصيف الذي اقترح عليه أن يعلموني الموسيقى.

وكان عُهد في السنة 1938 إلى الكاتب آلبير أديب أن يتقلد مقدرات الإذاعة وكانت تدعى يوم ذاك راديو الشرق ، ولم يكن في البلاد العربية إلا إذاعة القاهرة وإذاعة القدس.

وكان آلبير أديب على صداقة مع خالي، فطلب منه أن يتسلّم قسم الموسيقى في هذه الإذاعة، لكن فقدان التجهيزات والاستديو في الإذاعة المذكورة، جعل من منزل خالي مرجعاً ومقرّاً لتقديم البروفات، قبل تقديمها في الإذاعة.

وكانت الأغنيات تقتصر على ما يقدّمه يوسف فاضل، وليام صعب، يوسف حاتم، ولاحقاً يوسف تاج ثم كانت لور دكاش 4 ».

ويضيف في الصفحة 19:

«اشتغل خالي خليل مكنية بنفسه فأخذ على عاتقه تحقيق شخصية موسيقية خاصة، لأنه كان يؤمن أنّ الموسيقى البحتة تفرض نفسها، وتحتل موقعها، خصوصاً إذا كانت فيها الموسيقى شبه غائبه إلا ما ندر. فأخذ يكتب الموسيقى ويقدّمها كل أسبوع مرّة، وتعاون مع زكي ناصيف الذي يعزف على آلة الفيولونسيل التي كانت تفتقر إليها فرقة خالي الموسيقية».

وفي الصفحة 20:

«لكننا كنّا نسعى إلى إحداث موسيقى قومية لا تقع في فخ الغربة، فأسّسنا نوعاً من الرباعي الذي ضمّ كلّاً من: محمود السبليني من كبار الهواة كان عازفاً على القانون. مصطفى الشريف مدرّس آلة العود. خليل مكنية على الكمان، وتوفيق الباشا على الفيولونسيل.

وكنّا نجتمع كلّ ليلة في بيت من بيوت الثلاثة الأوائل، لأن والدي كان لا يحتمل أن يراني أعزف على آلة موسيقية».

وفي الصفحة 23:

«عندما كلّفت بالتدريس في المعهد الموسيقي، وكان في بداياته، خلال تجديده في مطلع الخمسينات، قسّموا المعهد إلى فرعين، واحد للموسيقى الشرقية وآخر للموسيقى الغربية.

كان الفرع الغربي منظّماً، فأساتذته مرّوا بمعاهد عالمية عالية، وكتبه متوفّرة، وإمكانيات التدريب فيه كانت ميسّرة إلى حدّ بعيد.

في حين كانت الموسيقى الشرقية تنحصر في التدريب على العود، وبعد شهرين تجد الطالب حمل عوده واستقل، كأنه يرغب في أن يصبح مثل فريد الاطرش.

فقد كان عدد الطلاب في بداية السنة 150 طالباً، فأصبحوا في منتصفها 100 طالب وفي نهايتها 50 طالباً. كان واحدنا، من المدرّسين، يعلّم كل الفنون الموسيقية، أنا وعبد الغني شعبان وجورج فرح وخليل مكنية وغيرهم. لأن المسؤولين عن المعهد كانوا يعتبرون الفرع الغربي هو الأساس.

ومع الوقت، تطوّرت الأمور حتى حصل التخصّص في التعليم، واشترك معنا أساتذة مهمّون وهم لا يعوّضون الآن مثل زكي ناصيف، يعقوب طانيوس الذي كان رئيس فرقة محمد عبد الوهاب، أنطوان زابيطا رئيس محطة إذاعة حلب، فريد غصن البارع في العزف المنفرد على العود وسواهم».

تحت عنوان «اللقاء مع الرحبانيين» يروي الأمين محمود غزالة نقلاً عن الرفيق توفيق الباشا، ما يلي ص31 :

«أما بالنسبة إلى اللقاء مع الأخوين رحباني عاصي ومنصور ، فكان عرّابه كذلك خليل مكنية. ففي أحد الأيام جاءنا بخبر أنه اكتشف شابين يقدّمان الاغاني الخفيفة المرحة، يعزفان ويغنيّان، ولا يلتزمان بالأنماط الغنائية السائدة، وقد اكتشف فيهما طموحاً إلى الأفضل، ودعانا أنا وزكي ناصيف إلى أن نلتقي بهما.

أُجري اللقاء في كازينو سعاده على الدورة، حيث كانا مع صديق لهما، هو فرحات الهاشم، يؤلفون ثلاثي رحباني، يقدّمون الأغاني الخفيفة. وكان الثلاثي يعزف ويغني في وقت واحد، عاصي على الكمان ومنصور على البزق، وفرحات على الكمان، وهو يتمتّع بصوت أجمل من صوتيهما.

وتكرّر الاجتماع والتقينا أخيراً في الأوركسترا، حيث كنت أنا على الفيولونسيل، وكان زكي ناصيف يشترك معنا على البيانو وكان معنا هاوٍ جديد للموسيقى اسمه سامي عرداتي، يعزف على الأكورديون، وهو صديق لخالي ولزكي. وكانت الموسيقى من تأليف خليل مكنية.

عندما تفرّغنا للموسيقى، وجمعنا العمل في محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية، عام 1953 وأخذ عطاؤنا ينمو ويحتل مكانه، لُقّبنا بعصبة الخمسة، تيمّناً بالخمسة الكبار من الروس الذين استطاعوا أن يجعلوا من موسيقاهم القومية موسيقى عالمية.

وتألفت عصبة الخمسة من زكي ناصيف، عاصي ومنصور الرحباني، توفيق الباشا، توفيق سكر الذي حلّ محله عبد الغني شعبان في ما بعد. ويمكن القول إن هذا اللقب عصبة الخمسة أطلقه علينا كبار الموسيقيين، بعدما جمعتنا لقاءات حميمة فنية واجتماعية، وخضنا مجابهة قاسية مع التقليديين الذين أطلقوا علينا لقب عصابة الخمسة . لكن الجولة الاخيرة كانت للتجديد الذي وضعنا خطوطه الاساسية، ما دفع التقليديين إلى الالتحاق بنا.

أما علاقاتي بجورج فرح فقد بدأت عندما أسندت إليه رئاسة قسم الموسيقى الشرقية في المعهد الموسيقي الوطني، حيث تعاونا على أكمل وجه، وكان له دور ملموس في الموسيقى الحديثة.

أما سامي الصيداوي، فقد جاء متأخراً إلى حلبتنا، فكان له جوّه الخاص في الأغنية الاجتماعية النقدية، وكنت أضع في خدمة ألحانه معرفتي وخبرتي وصوغ موسيقاه».

هوامش

1. الحديث عن الرفيق خليل مكنية يرتبط في أحيان كثيرة مع سيرة الرفيق الموسيقار توفيق الباشا، نقترح الاطّلاع على النبذة المعمّمة عنه في أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2. كنت أتردّد دائماً إلى بحمدون الضيعة حيث كان يصطاف عددٌ من أقربائنا في المصيطبة، ولطالما شاهدت الرفيق توفيق الباشا جالساً مع رفقاء، منهم الراحل ابرهيم خير الله وشقيقه، الذي نرجو له العافية، أنطون، والأمين المحامي ميشال نعمة.

3. كانت تقع في بناية العسيلي، ساحة عالسور المواجهة لمبنى السراي الحكومية.

4. الرفقاء منهم: وليام صعب، يوسف حاتم، ويوسف تاج، للاطّلاع على النبذات الخاصة بهم، الدخول إلى أرشيف تاريخ الحزب على الموقع المذكور آنفاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى