سيناريوات سعودية قبل وقف الحرب

تعرف السعودية أنها لا تستطيع دخول اليمن وتحديداً جنوبه، وتحقيق هدفها المباشر الذي تسعى إليه، وهو وقف تقدّم الحوثيين، وهي تعرف تماماً أنّ أيّ دخول إلى الأراضي اليمنية سيكلف جيشها خسائر تعرّض حكمها للاهتزاز المباشر، لأنّ الجيش السعودي لا يمكن له قتال أهل الارض التي تلعب الجغرافيا لمصلحتهم تاريخياً الدور الأكبر.

تعرف السعودية أنّ أيّ حرب تنتهي بتسوية سياسية، وأنها حتى الساعة وإنْ كانت ليست في صدد التراجع، إلا أنها ستقدم على هذا الأمر عاجلاً أم آجلاً، وأنها ستفاوض وأنه بمجرّد قبولها الجلوس إلى الطاولة للبحث في إنهاء الحرب، فهي تعترف بالحوثيين وتخسر فرض الحلّ مع حلفها فرادى.

منذ فترة تواجه السعودية معضلة حقيقية تتعلق بالحشد او المدّ الشعبي والالتفاف حول السيد عبد الملك الحوثي، وبمعنى آخر الالتفاف حول عقيدة «أنصار الله» ورؤيتهم نحو اليمن، وقد لاحظت وأيقنت دقة المشهد بالتظاهرات الحاشدة والضخمة التي كانت تجتمع لتاييد «أنصار الله» والمطالبة بحقوقهم السياسية.

الذي لا تعرفه السعودية وهو مستغرب ولافت في هذا الإطار أنها في حربها التي طال أمدها جواً، واستنفدت الوقت والوسيلة بملامستها «الشهر» تسهم في إشاعة جو من الوحدة والألفة بين كافة أفرقاء الشعب اليمني وتسهم في تتويج عبد الملك الحوثي قائداً حقيقياً يدافع عن العدوان على بلاده بغضّ النظر عن أيّ حساب وجدال لأنّ الوطن يتعرّض لمحنة وحرب، وقد عاش اللبنانيون شيئاً شبيهاً والتفوا حول حزب الله في حربه ضدّ «إسرائيل»، وفي أسوأ حال التفوا حول بعضهم بعضاً واستضاف اللبنانيون اخوانهم الذين عانوا من التهجير.

الفئة الرمادية من الشعب اليمني والتي لم تكن تموضعت سياسياً مع هذا الطرف أو ذاك ستجيّر موقفها تلقائياً مع «أنصار الله» في وجه من يدمّر البلاد او يقتل ايّ بريء.

التراجع في هذه الحرب صعب، والأصعب ان تنتهي الحرب بنصر مؤزر لـ«أنصار الله»، وعليه أصبح لا بدّ للسعودية أن تفكر في سيناريوات ما بعد خروجها من الحرب، تماماً مثل تفكيرها بخروج مشرّف تحقق فيه ما تصبو اليه.

تشير المعلومات إلى أنّ تنظيم «القاعدة» الأخطر القابع في اليمن هو أكثر المستفيدين من هذه الفوضى التي توفرها الحرب، وتؤكد انّ الطائرات السعودية تقصف مخازن الأسلحة والمدرّعات التابعة للجيش اليمني، إلا أنها وبشكل لافت تترك بعضاً منها يقع بين أيدي الإرهابيين، وتنظيم «القاعدة» تحديداً، فهل هذا هو المقصود؟

كلّ شيء ممكن في هذه الحرب التي يديرها الاميركيون مباشرة، ويبدو انّ السيناريو الأبرز المقبل هو إطلاق العنان للجماعات الإرهابية لكي تتكفل في المواجهة مع حركة «أنصار الله» بحيث يمكن الاعتماد عليها براً بدلاً من الجيوش المستقدمة كسيناريو اول، والتي من المرجح ايضاً ان تعمل على استنزاف قدرات «أنصار الله» بعد الحرب كسيناريو ثان، ايّ بعد انتهاء الحرب بالحساب الاميركي.

تتوقف الحرب عندما تتأكد السعودية انّ محاولاتها نجحت في ضمان انّ حركة «أنصار الله» ستقع عاجلاً أو آجلاً في نار استنزاف الإرهاب بتقديرها وإلا لماذا لا يتمّ استهداف الإرهابيين في اليمن اولاً؟ والسماح للأسلحة التابعة للجيش اليمني الوقوع بين أيديهم ثانياً؟ إذا كان الأميركيون جادّين في مكافحة الإرهاب بمعزل عن الحرب الدائرة كمبدأ لا يمكن التراجع عنه…

بين الدخول البري المباشر وعدمه او استقدام «القاعدة» ليحلّ في وجه الحوثيين، كلها سيناريوات ومخارج قد تعمد السعودية الى استخدامها، وكلها تأكيدات إضافية على انّ هذه الحرب لن تنتهي سريعاً، خصوصاً أنّ التجربة في سورية أكدت انّ السعوديين لم يتراجعوا حتى بعد سنوات من الأزمة، وهم دأبوا على ابتكار مخططات جديدة في كلّ معركة، فكيف في هذه الحرب التي تعنيهم مباشرة وبالتالي فإنّ اي سيناريو لا يبقي السعودية متورّطة مباشرة ولوقت طويل يبقى الأكثر طرحاً.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى