بين الحريري والجعفري

ناصر قنديل

– يظهر الرئيس سعد الحريري مراهقة سياسية أحياناً، لا تناسب حمله لقب رئيس سابق لحكومة بلد كلبنان عرف عن مسؤوليه التحفظ والحصافة، خصوصاً في ضوء نصائح الرئيس السابق ميشال سليمان للسياسيين بأن يتذكّروا إعلان بعبدا، الذي سيبقى في رأيه مرجعاً لا سابقة له ولا شبيه، في رسم استراتيجيات بلد كلبنان وسط العواصف الإقليمية، ولحسن الظن يفترض المرء أنّ إعلان بعبدا الذي يكرّر الرئيس الحريري إعلان إدانته لحزب الله بتهمة الخروج على مبادئه وفي مقدّمها النأي بالنفس، وهي غير تحييد لبنان، بل تحييد الفرقاء السياسيين لأنفسهم عن التورّط في هذه النزاعات، لنفترض أنّ الإعلان من المنجزات التي يتشارك فيها الرئيس الحريري مع الرئيس سليمان تباهياً، لكن يبدو أنه بقوة اندفاع عفوي يفقد السيطرة ويسيل لعابه على التدخل في الشأن السوري، بصورة تتخطى إبداء رأي بارد هنا أو تعليق هناك، إلى حدّ التحوّل طرفاً يستدرج طلب التدخلات العسكرية، كما يعني كلام الحريري عن تمني عاصفة حزم تشبه التي طاولت اليمن لتطاول سورية.

من منطلق السعي للمشتركات وجسر الهوة بين اللبنانيين فكرت قبل الكتابة، وتساءلت لماذا لا نحاول أن نلتقي ولو لمرة واحدة؟ وقرّرت أن أعلن تأييدي لتمنيات الحريري، وقلت لم لا، فلتأت عاصفة حزم السعودية إلى سورية. ومحق في استنتاجه الرئيس سعد الحريري بأن العرب سيرتاحون والشعب السوري سيرتاح، فلنبدأ بتخيّل مصير التحالف الذي سيشارك السعودية في عاصفة سورية، والمؤكد أنّ باكستان ستؤكد انسحابها، وفي المقابل تركيا ستحسبها جيداً على رغم الرغبات والتمنيات، لأنها حرب حدودية لها، بينما السعودية تختبئ وراء الأردن حدودياً، وماذا عن الأردن، ومصر والسودان، والكويت، ربما تبقى الإمارات وقطر، وهل ستجرؤ «إسرائيل» التي تشارك الحريري ذات التمني على التورّط؟

– الأكيد أن المتورط، كما تقول قصيدة نزار قباني قارئة الفنجان، مقتول يا ولدي مقتول مقتول، فلا قيادة سياسية راشدة ستجرؤ على التشارك في المقامرة، فتركيا تعلم أنّ حرباً حدودية علنية تفادتها يوم أسقطت لها الدفاعات الجوية السورية إحدى طائراتها، هي ذات الحرب التي تفادتها يوم نقلت قبر سليمان شاه، فأبلغت القنصلية السورية في اسطنبول ليلاً أنها ستقوم بعملية محدودة لساعات لنقل القبر وتأمل عدم اعتباره استفزازاً، والتوغل تمّ لساعات وفي منطقة تحت سيطرة «داعش»، والحرب المفترضة هي الحرب الحدودية التي ستعني تساقط الصواريخ على مدن ومناطق تركية، لن تبقى معها حكومة أردوغان في الحكم، وهي حكومة برّرت بالمناسبة رفض الدخول في حرب ضدّ «داعش» بذريعة تحييد اقتصاد الأتراك وأمنهم عن المواقف السياسية للحكومة، ليقينها أنّ هذا هو رصيد بقائها وهي لن تغامر به لينهار بضربة واحدة، لأنّ الأتراك سيسألون وما هو الثمن الذي يستحق المقامرة باستقرارنا وازدهارنا. أما الأردن، فسيكون تورّطه إعلانا لانفجاره من الداخل مع أول اشتباك حدودي وأول صاروخ بري خلف الحدود. أما «إسرائيل» التي هربت من الردّ على عملية مزارع شبعا فتعلم أنّ انخراطها في حرب على سورية سيعني دخول المقاومة في رمشة عين، وستكون عندها جبهة الجليل وجبهة الجولان، وما بعد بعد ديمونا في مرمى الصواريخ.

– طالما الرئيس الحريري يحب التخيّل، فلنتخيّل موقف إيران، وروسيا، اللتين توسلت لديهما السعودية لإخراجها من مستنقع خسارتها ووحل هزيمتها في اليمن، والطبيعي أنّ الشرعية السورية ليست شرعية منصور هادي الذي لم يجد من يحمل له صورة في اليمن كله، على رغم فلوس السعودية التي ترن، وها هي السعودية تستعدّ لعزله، على كلّ حال، أما الشرعية السورية كعنوان وجسد من المتانة والصلابة والقوة بمكان، يسمح لإيران وروسيا بقوة معاهدات حقيقية للتعاون العسكري تدخلاً لا يرغب الحريري في رؤيته، بحيث تقرّر إيران التي امتنعت عن دخول حرب اليمن، أن تدخل حرب سورية، لكن ليس من الأراضي السورية، بل في الخليج ومياه الخليج وبرّ الخليج، وهذا ما كان سيُتاح للحريري الإطلاع على دراية الأميركيين به من الإيرانيين، لو سألهم رأيهم بتخيّلاته قبل النطق بها، ومثل إيران سيكون التزام روسيا بجسر بحري لإمداد سورية بما تحتاج من سلاح وذخائر، ووضع مراكز الرصد والتنصت والمعلومات في اتصال مباشر مع الدفاعات السورية، كما حدث يوم جاءت الأساطيل الأميركية وبكت السعودية وانتحب الحريري لرحيلها، قبل أن تتورّط في حرب مع سورية، وربما لو سأل الحريري مضيفيه الأميركيين لأبلغوه أنهم لن يتورّطوا ولن يتدخلوا في مثل هذه الحالة، حتى في الحدود التي أعلنوها في الحالة اليمنية، التي كانوا يأملون أن تكون الحرب فيها مصدر تفوّق وربح سعوديين، يعوّضان خسارة محققة للسعودية في سورية.

– لنتخيّل أيضاً مع الرئيس الحريري، في الميدان، يراهن الحريري ومعه السعوديون أنّ الذين قاتلوا معهم في اليمن، أيّ فروع تنظيم «القاعدة» هم أنفسهم من سيقاتل معهم في سورية، لكن الفارق في سورية، أنّ عمليات السحق ستكون سريعة وعاجلة، في حرب تطحن العظام، لأنّ تفادي العمل العسكري في المناطق الحدودية لتفادي حروب حدودية، هو الذي يبقي مساحة مناورة في هذه المناطق لتجمّعات فروع «القاعدة» المستندة إلى دعم ما وراء الحدود، أما متى وقعت الحرب، فسيكون سحق هذه الجماعات طريق الوصول إلى الحدود، وستكون حكماً حرباً ستتساقط فيها مئات آلاف الصواريخ على مساحة المنطقة وتنتهي برابح وخاسر، ويعلم قادة السعودية أن زلات لسان مندوبهم في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي ورّطتهم في سجال يكشف محدودية قدرتهم وعجزهم، ويفضح أكثر حقيقة فشلهم، وربما بدلاً من تهديد السفير السوري الدكتور بشار الجعفري، بقطع اليد التي ستمتدّ إلى سورية، يقرّر السعوديون قطع لسان مندوبهم الذي تسبّب لهم بهذه الورطة ومن ورائها الفضيحة بأنهم أعجز من ترجمة التهديدات، وقصد الدكتور الجعفري ليس تحديداً يد السفير السعودي، بل اليد السياسية والعسكرية التي ستتورّط في حرب على سورية، فهل يبقى الرئيس الحريري عند تمنياته لو سأل السعوديين؟

– هل يريد الرئيس الحريري أن نتابع التخيّل، ماذا سيحدث في اليمن نفسه، بعد الذي حدث وماذا سيحدث في السعودية نفسها، وكلّ عاقل سيقول إنه إذا كانت السعودية قد حققت نصراً كبيراً في اليمن، وتحققت لها أهداف حزمها فسينتظرها نصر تاريخي أكبر بكثير إلى درجة لا توصف في سورية، وستتحقق بنسبة أهمّ بكثير أهداف العاصفة، بذات طريقة النصر وتحقيق الأهداف، بمثل ما ستعزل الحرب الرئيس منصور هادي الذي جاءت لتثبيته في اليمن، ستثبت الحرب الرئيس الذي ستأتي لعزله في سورية، وبمثل ما كرّست الحرب شرعية الحضور العسكري البحري الإيراني في باب المندب، بعدما جاءت تحت شعار إبعاده، وبمثل ما جاءت الحرب على اليمن لإنهاء التيار الحوثي فصار هو من يفرض شرطاً مسبقاً على الملك السعودي بالإعلان عن وقف الحرب كي يفتح باب الحلّ السياسي ويتوقف عن ردّه المقرّر مع بلوغ نهاية الشهر الأول في الحرب، سيصير الرئيس السوري الذي ستستهدفه حرب السعودية على سورية، مقرّراً في مستقبل الحجاز ونجد.

– إذا كانت ورقة التوت التي تغطى بها القرار السعودي لحرب اليمن هي طلب منصور هادي، الذي سيخلعه بعد الفشل، وثمناً للفشل، فكي يفعلها في سورية سيحتاج إلى غطاء أبي بكر البغدادي، أو أبي محمد الجولاني أو رئيس الائتلاف، فيكون خلع رقابهم في الحصيلة خير على سورية وعلى المنطقة.

– المهم كما قال الحريري أننا نجحنا في تحييد لبنان وحفظ استقراره بإبعاده عن تداعيات الخلافات الناتجة بسبب حروب المنطقة، فهل يخدم هو هذا التحييد بكلامه، وهل واثق هو من بقاء هذا التحييد إذا ما حدث وتحوّلت تمنياته إلى وقائع؟

– مرة أخرى نحتاج نسخة من إعلان بعبدا مع إهداء خاص للرئيس الحريري، وقليل من الماء البارد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى