«8 آذار»: السعودية ستكون الخاسر الأكبر إذا مسّت الأمن والسلم الداخليين

تحقيق: محمد حمية

ما إن بدأت «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن في السادس عشر من آذار الماضي، حتى هبّت رياحها الساخنة على لبنان، لتضيف ملفاً خلافياً جديداً بين اللبنانيين. إذ رأى البعض في «عاصفة الحزم» فرصة لانتصار المملكة العربية السعودية على حركة «أنصار الله» اليمنية، تعقبها مغانم سياسية لتعديل التوازن الداخلي لمصلحتهم. فيما وجد آخرون أن الهجوم السعودي على اليمن، نقمة سعودية جديدة على الشعوب العربية، وفرصة لردّ الدين للشعب اليمني الذي كان من الشعوب العربية القليلة التي خرجت للتظاهر تأييداً للمقاومة في لبنان، خصوصاً خلال «العدوان الإسرائيلي» عام 2006، كما وجدوا فيها الوقت المناسب لإماطة اللثام عمّا أخفوه طوال سنوات، من معلومات وأسرار عن تاريخ آل سعود والوهابية وارتكاباتهم بحق دول كثيرة في المنطقة. ما انعكس بشكلٍ تلقائي، تصعيداً إعلامياً وتوتراً سياسياً، كادا يشكلان أزمة حكومية ويطيحان الحوار بين «المستقبل» وحزب الله، إضافة إلى ظهور المال السياسي الخليجي بشكل واضح كأداة للضغط على بعض الإعلام اللبناني، كما تُظهر إحدى الوثائق السعودية. فيما عاد خطر ترحيل اللبنانيين العاملين في دول الخليج إلى الواجهة.

على رغم السقوف العالية التي رسمها الفريقان ـ 8 و14 آذار ـ في مواقفهما من الأزمة اليمنية، إلا أن استمرار الحوار كان سيّد الموقف، ولازمة يختم بها الطرفان مواقفهما.

وعلى رغم إعلان «تحالف العاصفة» انتهاء الحرب على اليمن والانتقال إلى مرحلة «إعادة الامل»، إلا أن الضربات الجوية ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وبالتالي ستبقى الساحة الداخلية بحسب رأي الطرفين، معرضة لهبوب مزيد من الرياح الساخنة، ومفتوحة أمام احتمال ردود فعل ضدّ حزب الله من قبل السعودية التي ستكون «الخاسر الأكبر» إذا ما ارتكبت حماقات، بحسب مصادر في «8 آذار».

لا شكّ أن قراءة الفريقين لنتائج الحرب السياسية والعسكرية بعد أكثر من ثلاثين يوماً على الحرب متباينة إلى حدّ بعيد. فبين انتصار السعودية ولجم النفوذ الإيراني في المنطقة، وبين هزيمة السعودية وخروج اليمن من فلكها بعدما كان حديقتها الخلفية، بين هذين المشهدين الاقليمين المختلفين، كيف يقرأ كلّ من حزب الله وتيار المستقبل المشهد اللبناني؟ وهل تغيرت موازين القوى الداخلية خصوصاً في الملفات الساخنة كرئاسة الجمهورية؟ ولمصلحة من؟ وهل نتّجه إلى التسوية أم المراوحة أم المواجهة؟

العاصفة الواهية

حزب الله كان أول من أعلن رفضه هذه الحرب. فبعد مرور يومين على «عاصفة الحزم»، وصف أمين عام الحزب السيّد حسن نصر الله في خطاب له، الحجج التي قدّمتها السعودية لشنّ الحرب بأنها واهية، واتهم الرياض بالوقوف ضد قضايا الشعوب في المنطقة، معتبراً أن إيران ليست مسؤولة عن تعطيل الانتخابات الرئاسية ولم تضع «فيتو» على أي شخصية.

لم يتأخر رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بالردّ على مواقف السيد نصر الله، فوصف كلامه خلال «تغريداته» على «تويتر» بأنه «عاصفة من الكراهية ضد السعودية ودول الخليج ولا تستحق سوى الإهمال لأنها وليدة الغضب والاحباط والتوتر»، ودافع الحريري عن السعودية قائلاً: «قدّمت للبنان وللدول العربية الخير والسلام والدعم الأخوي الصادق»، وأكد ضرورة مواصلة الحوار مع حزب الله لحماية لبنان.

خطاب السيد نصر الله استدعى أيضاً ردّ السفير السعودي في لبنان علي بن عواض العسيري، معتبراً أن كلام نصر الله تضمّن الكثير من الافتراء والتجنّي على المملكة.

السيد نصر الله رفع سقف التصعيد ضد السعودية في مقابلة على «الاخبارية السورية»، معتبراً أن السعودية فشلت في لبنان وسورية والعراق وفي كل مكان ذهبت إليه، وفي اليمن الذي دفعها للذهاب إلى الحرب، إن الأيادي الداخلية التي تقدم لها الأموال غير قادرة على تحقيق الهدف، فاضطرت أن تدخل بشكل مباشر.

وخلال الاحتفال التضامني مع الشعب اليمني في ضاحية بيروت الجنوبية، شنّ السيد هجوماً لاذعاً ضدّ آل سعود والوهابية، وقال: «على رغم كل معلوماتنا عن دور السعودية في الماضي في لبنان خلال الحرب الاهلية، ودورها اليوم في الازمة السورية، وتدخلها المباشر في قمع الشعب البحريني، كنّا ندعو دائماً إلى الحوار. إنما اليوم، لم تعد السعودية تتدخل بالوساطة، إنما هي التي أعلنت الحرب. فهل هذه هي مملكلة الخير؟». وأكد أنه آن الاوان لكل العالم العربي والاسلامي أن يقف ويقول للسعودية كفى.

ودعا السيد نصر الله البعض في لبنان إلى عدم الرهان على العدوان السعودي ـ الأميركي على اليمن.

المستقبل والرهانات الخاسرة

في حديث لـ«البناء»، يؤكد الكاتب والمحلّل السياسي الدكتور حبيب فياض أن لا شك في أن العدوان السعودي على اليمن ترك تأثيراً كبيراً على الساحة اللبنانية نظراً إلى ارتباط الطرفين الأساسيين في لبنان ـ حزب الله وتيار المستقبل ـ بمجريات الصراع الحاصل في اليمن.

ولفت إلى أنه «ليس خافياً أن فريق 14 آذار، وتحديداً تيار المستقبل، كان يراهن على هذا العدوان من أجل إحداث خلل في التوازن الإقليمي لمصلحة حلفائه في المنطقة، ينعكس على الساحة اللبنانية، ويؤدّي بهذا الفريق إلى إعادة خلق موازين جديدة تخرجه من حالة انعدام الوزن التي عانى منها في المرحلة الأخيرة. وفي المقابل، كان فريق المقاومة في لبنان يرى في العدوان السعودي محاولة لضرب محور المقاومة الذي يعتبر حركة أنصار الله جزءاً أساسياً منه، على أساس أن شعارات هذه الحركة الاساسية ـ الموت لإسرائيل ولأميركا ـ تتوافق مع شعاراته، من هنا يأتي تعاطف المقاومة مع الحوثيين بعيداً عن الحسابات المذهبية».

ويضيف: «إن انتهاء العدوان من دون تحقيق أهدافه، سينعكس مزيداً من الاحباط لفريق المستقبل و14 آذار، بمعنى أنه لو حققت السعودية أهدافها وانتصرت في هذه الحرب، لكنّا شاهدنا هذا الفريق يتصرّف بطريقة أخرى، لأن حالة الانضباط التي يعيشها فريق 14 آذار ليست وليدة قناعة لديه، إنما تعبّر عن الضعف الذي يعاني منه. لذلك، إن لم يكن هناك تطورات غير منظورة على صعيد الازمة اليمنية، فإن المشهد الداخلي في لبنان سيبقى بحالة الستاتيكو».

ويعود فياض بالذاكرة إلى رهانات فريق «14 آذار» غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإبان عدوان تموز 2006، وعقب الحرب على سورية، مشيراً إلى أنه «لدى كل أزمة في المنطقة، أو أيّ حرب أو عدوان، يرى فريق 14 آذار أنّ ذلك تؤدي إلى إضعاف شريكه في الوطن، ويراهن على ذلك. بدءاً من اغتيال الرئيس الحريري واتهام حزب الله والمقاومة زوراً بالاغتيال، إلى الرهان على هزيمة المقاومة عام 2006، إلى الرهان على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، واليوم يراهن على عاصفة الحزم في اليمن».

وأضاف: «لو نجحت السعودية في عدوانها على اليمن، لكان هذا الفريق سينسحب من الحوار القائم مع حزب الله، ولن يعني له الحوار شيئاً. والآن، في ظلّ الضعف الذي يعاني منه، هو مضطر لمتابعة الحوار للتعمية على هذا الضعف، وللتظاهر بالحرص على المصلحة الوطنية اللبنانية. فهو الآن يمارس الازدواجية: تارة يطلق مواقف تصعيدية ضد المقاومة خارج طاولة الحوار، وعلى الطاولة يتحدث لغة وكلاماً آخرين».

ويرى فياض أن طاولة الحوار ليست السبب المباشر لحالة الاستقرار الداخلي التي يعيشها لبنان منذ فترة، إنما موازين القوى الداخلية هي العامل الاساسي، وطاولة الحوار ليست إلا لتظهير هذه الموازين، لأن «المستقبل» لا يستطيع أن يذهب إلى التصعيد. وفي المقابل، لا يريد فريق المقاومة التصعيد، ويعتبر ان لا مصلحة له وللوطن في ذلك.

وقال فياض: «كما أن فلسطين هي محور الصراع الخارجي مع العدو الإسرائيلي، فإن الازمة السورية هي محور الصراع مع العدو الداخلي المتمثل بقوى الإرهاب المدعومة من دول الخليج والغرب. وما حصل في اليمن لم يكن بعيداً عمّا جرى ويجري في سورية. السعودية تلملم ذاتها على مستوى الاقليم في ظل الاخفاق من جرّاء العدوان على اليمن، الذي هو ورقة التوت الاخيرة التي كانت تستر عورة السعودية، والآن سقطت بعدما خرجت السعودية خالية الوفاض. لم تعد الحرب أكثر من حركة استعراضية بعيدة كلّياً عن المجريات الميدانية».

وشدّد فياض على أن حزب الله يعمل ضمن أجندة من الثوابت لا تتغير أو تتبدل، وهو منفتح على كل الاطراف في الداخل، وسيتابع الحوار بهذه الروحية. لكن حزب الله سيتموضع كما كان إلى حالة دفاعية، وسيدافع عن نفسه في وجه من يريد الهجوم عليه في الداخل.

ويستبعد فياض بعد العدوان على اليمن أن تشهد العلاقات الإيرانية ـ السعودية انفراجاً واضحاً. مؤكداً أنّ تداعيات العدوان لم تنته على رغم إنهاء العمليات العسكرية. وما زال هناك مخاض ستشهده المنطقة من سورية إلى العراق إلى اليمن وفي البحرين، سيؤدي في النهاية إلى جلوس إيران والسعودية على طاولة المفاوضات. متوقعاً أن تصاب السعودية بخيبات ونكسات إضافية بسبب سياساتها الانفعالية في التعامل مع ملفات المنطقة.

حزب الله و«المستقبل» وتكافؤ الموازين

عضو كتلة «المستقبل» النائب جمال الجراح ادّعى في حديث لـ«البناء» «أن حرب اليمن بدأتها جماعة الحوثيين المرتبطين جذرياً بإيران التي أردات من خلالهم إشعال الحرب ووضع يدها على بلدٍ عربي وامتلاك أوراق قوة من العراق إلى سورية إلى لبنان إلى اليمن في مفاوضاتها مع الغرب في الملف النووي، وتوسيع نفوذها وهيمنتها على المنطقة على أنقاض الشرعية اليمنية، وإسقاط الاتفاق الذي تمّ بين مكوّنات الشعب اليمني».

وقال الجراح: «كان يمكن للبنان أن يبقى بعيداً عن أحداث اليمن لولا خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الاول بعد الحرب ووقوفه إلى جانب ما أسماه الشعب اليمني. متناسياً أن الحوثيين هم فئة من الشعب اليمني انقلبت بقوة السلاح على السلطة اليمنية، وتحاول أن ترتبط بالمحور الإيراني. ما أدخل لبنان في هذا التوتر الاعلامي ـ السياسي الذي حصل في الاسابيع الاخيرة».

ويعتقد الجراح أن «تداعيات الحرب على لبنان كان يمكن تلافيها لو ابتعد حزب الله خطوة إلى الوراء ولم يقحم نفسه كما أقحم نفسه في سورية». ونفى الجراح ما يقال عن رهانات لفريقه على «عاصفة الحزم»، قائلاً: «لم نراهن على انتصار السعودية لاستثماره في الداخل اللبناني ضد شركائنا، بل نراهن على موقف عربي واحد كما حصل في عاصفة الحزم للتصدّي للمشروع الإيراني في المنطقة».

ويذهب الجراح بعيداً في ادّعاءاته، إلى القول «إن موازين القوى في الداخل متكافئة منذ عام 2005، على رغم امتلاك حزب الله وحلفائه السلاح، نظراً إلى صمود قوى 14 آذار وعدم الاستسلام لمشروع حزب الله. الآن هناك مشروع عربي جديد سيعيد التوازن إلى المنطقة، ولن يسمح للمشروع الإيراني أن يمدّ نفوذه إلى العراق وسورية ولبنان واليمن».

واعتبر أن كلام السيد نصر الله ضد السعودية أثّر على العلاقة بين حزب الله وتيار المستقبل، وخفّف من الثقة بينهما، «لأن السعودية وقفت إلى جانب لبنان وجمهور حزب الله في حرب تموز، ودفعت 500 مليون دولار لإعادة الاعمار، ولولا السعودية لكانت نصف الضاحية من دون بيوت».

ويرى الجراح أن المعركة مع المشروع الإيراني ليست فقط في اليمن، بل في سورية وعلى امتداد العالم العربي، وأن وضع لبنان مرتبط بمشروع المنطقة وحزب الله بعد تدخله في سورية واليمن، أضعف موقفه التفاوضي داخلياً، لأن لبنانيين كثيرين رفضوا ذلك.

واعتبر الجراح أنّ ما حصل في اليمن «سيؤثر على رئاسة الجمهورية المختطفة من إيران كورقة تفاوضية على طاولة المفاوضات النووية»، متوقعاً أن يتصلب حزب الله أكثر في هذا الملف ما سيؤدي إلى تأجيله إلى وقت غير منظور، مؤكداً أن الحوار مستمر في النقاط التي حدّدها الفريقان، ولكن لا تقدّم كبيراً، والفريقان يتمسكان به لمصلحة استقرار لبنان وأمنه.

«عاصفة الحزم» إلى سورية!

على رغم كلام الجراح عن تحييد لبنان عن صراعات المنطقة وحروبها، إلا أن كلام الحريري خلال زيارته إلى واشنطن ينقض ذلك. إذ أعرب الحريرى بعد لقائه وزير الخارجية الأميركى جون كيري، عن تمنياته بوصول عملية «عاصفة الحزم» إلى سورية.

فهل يعني كلام الحريري أنّ ساحة الرهان الأساسية والمعركة الفاصلة التي تحدد الاحجام والادوار في الداخل، ليست في اليمن، بل كانت وستبقى في سورية؟

السعودية وأسْر الرئاسة

ترى مصادر نيابية مطلعة في قوى «8 آذار» أن العدوان السعودي على اليمن لم ينته، بل مستمر عسكرياً وبأشكال أخرى. وأن ما حصل عبارة عن ربح صافٍ لمحور المقاومة في المنطقة، لأن اليمن الذي كان يعتبر حديقة خلفية للسعودية لم يعد بيدها، «بسبب حماقة الشباب الجدد في السعودية»، ما أدّى إلى انقلاب اليمن بكامله وجميع فئاته، وأصبح معادياً للسعودية بسبب الجرائم التي ارتكبتها.

وجزمت المصادر أن الوضع مريح على مستوى المنطقة بالنسبة إلى قوى المقاومة، والوضع في سورية مريح جداً، وعلى المستوى الدولي أيضاً. وأكدت حرص فريقها السياسي على تحييد لبنان عمّا يجري في المنطقة كما نجح في تحييده عن تداعيات ما حصل في سورية.

وأضافت المصادر: «كان على من بدأ العدوان على اليمن، وعلى رغم حداثة سنّه، أن يسأل ماذا بعد القصف الجوي؟ فهو لم يحضّر الخطة البديلة أو مرحلة ما بعد الحرب». لافتة إلى أن الأميركي ساعد السعودي في التورط بالعدوان على اليمن.

وقالت المصادر نفسها: «ثمة فريق في لبنان كان يراهن على هذه الحرب، وعبّر أحد قادته عن تمنياته بأن تأتي عاصفة الحزم إلى سورية، لكن الحسابات السورية مختلفة، وأي جهة خارجية تتدخل بالوضع السوري ستأخذ المنطقة إلى مواجهة شاملة، موقفنا من العدوان على اليمن واجب أخلاقي وإنساني بإعلاء الصوت تنديداً بالعدوان، وتسليط الضوء على المجازر والجرائم. ولم نتوان عن القيام بواجبنا لنصرة شعب اليمن المظلوم والمعتدى عليه، ويجب أن نتذكر أن المسيرة الأولى في العالم العربي المؤيدة للمقاومة والمنددة بعدوان تموز كانت في اليمن».

وأكدت المصادر الحرص على التعاطي مع الوضع في لبنان بمعزل عمّا يجري في المنطقة، وقالت: «دَعَونا الجميع وندعو مرة أخرى إلى تحييد لبنان عن الصراع الاقليمي. وأن نعيد إحياء المؤسسات بدءاً من انتخاب رئيس جهمورية يمثل القوى الشعبية الفاعلة المتمثل بالعماد ميشال عون، وما يلي ذلك من إجراءات. ولكن إذا تعذر انتخاب رئيس جمهورية، على الاقل أن نفعّل المجلس النيابي للقيام بالتشريع الضروري لتلبية متطلبات الشعب البناني. فهناك مرشح واحد مستوفٍ مواصفات الرئاسة، وما يحول دون وصوله إلى الرئاسة الموقف السعودي، السعودية تلقت الصدمات في المنطقة، ونأمل أن تعود إلى رشدها وتفك أسْر الرئاسة في لبنان».

وحذّرت المصادر من أيّ ردود فعل من السعودية ضد لبنان على خلفية موقف حزب الله من عدوانها على اليمن، وقالت: «إذا قرّر النظام الحاكم في السعودية الردّ على مواقف السيد نصر الله والانتقام على الساحة اللبنانية عبر إثارة النعرات المذهبية، أو عبر عمليات أمنية، فستكون هي الخاسر الاكبر. ونستبعد أن تصل الحماقة بالسعوديّ للتفكير بهذه الطريق الجنونية».

وشدّدت المصادر تمسّك فريق «8 آذار» بالحوار بين حزب الله و«المستقبل» لما فيه فائدة للبنان، لكنها أسفت لأن الطرف الآخر لا يملك قراره، إنما يتحرّك بناءً على الأوامر التي تأتيه من السعودية.

المال الخليجي والإعلام اللبناني

الانقسام حول «عاصفة الحزم» لم يقتصر على السياسيين، إنما انسحب على وسائل الإعلام. فبعد عرض تلفزيون لبنان مقابلة السيد نصر الله على قناة «الاخبارية السورية»، تعرّضت إدارة التلفزيون إلى عاصفة من الانتقادات أبرزها اعتراض شديد من السفير السعودي. ما دفع وزير الاعلام رمزي جريج إلى تقديم الاعتذار بِاسمه الشخصي للسعودية، كما اتّهمت قناة الجديد في مقدمة نشرة أخبارها خطاب السيد نصر الله الاول بأنه سيضرب يمنياً بأخيه اليمني».

وعلى خلفية مقدّمة «الجديد»، انتقد جواد نصر الله، نجل السيد حسن نصر الله عبر حسابه الشخصي على موقع «تويتر» قناة الجديد، قائلاً: «تحسين خياط يفتح ناره علينا بحسب الدفعة القطرية أو الهبة السعودية»، مرفقاً تغريدته بـ«هاشتاغ: مليونين».

بعد هذا الصخب الاعلامي حول خطاب السيد نصر الله، امتنع تلفزيون لبنان عن نقل الخطاب الاخير للسيد، كما امتنعت قناة «الجديد» عن نقل كل خطابات السيد، ولوحظ عرض الخطابات كخبر ثانوي في نشرات أخبارها.

أما اللافت، فكان ما تم تداوله أمس عن طريق «واتس آب»، وهو عبارة عن وثيقة صادرة من الديوان الملكي السعودي، فيها أمر من خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة، ومستشار الملك سلمان بن عبد العزيز، بتكليف سفير المملكة في لبنان علي بن عواض عسيري دفع مستحقات الاعلانات والهبات لكل من تلفزيون «الجديد» ممثلاً برئيس مجلس إدارته تحسين الخياط. والتلفزيون الوطني اللبناني ممثلاً بوزير الاعلام رمزي جريج.

هذه الوثيقة ترسم علامات استفهام عدّة حول الضغطين المالي والسياسي اللذين يتعرض لهما بعض الإعلام اللبناني، وتجدر الاشارة إلى أن السيد نصر الله أعلن في مقابلته على «الاخبارية السورية» أن السعودية أنفقت في لبنان في ثلاث سنوات، ثلاثة مليارات دولار!

وزير الإعلام رمزي جريج نفى في حديث لـ«البناء» علمه بهذه الوثيقة، معتبراً أن تلفزيون لبنان شركة تملكها الدولة لكنها تتمتع باستقلال ماليّ وإداريّ، ومستحقاتها تعود للغير لا للدولة. وأن الهبات التي تقدم للدولة أو للوزارات العامة لا يمكن قبولها إلا بقرار من مجلس الوزراء.

وأكد أن مؤسسات إعلامية كقناة «الجديد» وغيرها يمكنها تلقي هبات. وأن تلفزيون لبنان شركة خاصة والدولة تقدّم لها هبات عينية.

وأشار جريج إلى أن الإعلام حرّ في لبنان ويمارس الحرية الإعلامية ضمن القوانين التي تحمي الشخصيات والأفراد ورؤساء الدول من التعرض لهم بالإهانة والتحقير. والدولة اللبنانية أبدت كل تقدير لدول الخليج، وأكدت على العلاقات الراسخة معها. وقال: «لا أعتقد أن الحملات الاعلامية ستؤثر على هذه العلاقة».

مصير اللبنانيين في الخليج

بعد «عاصفة الحزم»، عاد تسليط الضوء مجدّداً على مصير اللبنانيين في الخليج من خلال ما أعلنه السفير السعودي في لبنان، أن قرار ترحيل لبنانيين يطاول داعمي حزب الله الذي أخطأ بحقّ نفسه وبحقّ طائفته وبحق لبنان، ومَن هو موجود في المملكة ويحترم قوانينها وأنظمتها سيُحترم، ومن يخالف الأنظمة سيلقى العقوبة التي صدرت في مجلس التعاون الخليجي.

يذكر أن الاقتصاد اللبناني يستند بشكل رئيس على عائدات اللبنانيين العاملين في دول الاغتراب، إذ يصل عدد العاملين في دول الخليج حالياً إلى 450 ألف لبناني يحوّلون إلى لبنان ما بين 4 إلى 5 مليارات دولار سنوياً.

وفي هذا السياق، استبعد الوزير جريج أن تؤدي تصريحات السيد نصر الله إلى ترحيل اللبنانيين العاملين في دول الخليج. معتبراً أن التصريحات التي أدلى بها المسؤولون والسفراء في أكثر من دولة خليجية، تؤكد أن العلاقة أكبر من أن تنال منها أي حملات.

ولفت جريج إلى أنه قام بالخطوات اللازمة لمنع هذا الأمر كوزير إعلام، إلا أن المسؤولية تقع على رئيس الحكومة الذي يقوم باتصالاته مع الدول لحلّ هذا الموضوع، وحتى الآن الاتصالات إيجابية.

لا منتصر ولا مهزوم

ويعتبر الخبير الاستراتيجي نزار عبد القادر أن الحرب السعودية على اليمن لم تتوقف، إنما انتقلت من مرحلة «عاصفة الحزم» إلى مرحلة «إعادة الأمل». وقال: «المرحلة الأولى كان هدفها المنع العملياتي، أي تدمير البنية العسكرية الاساسية لقوات علي عبد الله صالح وحركة أنصار الله. وبعد أربعة أسابيع، انتهت الاهداف فبدأت مرحلة إعادة الامل، وهي تخفيف قوة القصف وكثافته، وفي الوقت نفسه منع قوات صالح وأنصار الله من التحرك مجدداً، وتحقيق مكاسب على الارض تمهيدا ًلفتح الباب أمام أيّ تسوية سياسية للخروج من الأزمة.

وأضاف: «لكن في ظل النتائج التي وصلت إليها الحرب بعد ثلاثين يوماً، فإن لبنان هو أحد الدول العربية الذي يتأثر بالامن العربي والقرارات العربية على المستويين السياسي والامني. وحتى الآن لم يؤثر بشكل كبير إلا إذا أراد اللبنانييون إقحام أنفسهم كشريك في الصراع واستثماره في الداخل». معتبراً أن خطاب السيد نصر الله ليس لمصلحة لبنان، «فالهجوم على السعودية وعلى تاريخ الأسرة المالكة كان تجريحاً إلى حدّ بعيد».

وأشار عبد القادر إلى أن اللبنانيين منقسمون بين محورين. الأول يتمثل بإيران وحلفائها في المنطقة، والثاني هو المحور السعودي ـ الخليجي ـ الأميركي. والآن، لا منتصر ولا مهزوم في الحرب على اليمن، وبالتالي في لبنان لا فريق منتصراً ولا فريق مهزوماً طالما لا هجوم برّياً من قبل التحالف. وكان من المعلوم منذ البداية أن القوة الجوية لن تحسم الحرب ولن تحقق انتصاراً إذا لم يوازها عمل برّي. إضافة إلى أنّ المكاسب التي حقّقتها «أنصار الله» وعلي عبد الله صالح موجودة قبل الحرب، ولكن «عاصفة الحزم» كانت بمثابة تغيير أساسيّ في البنية الاستراتيجية الاقليمية، والقصف كان رسالة قوية من السعودية لإيران وحلفائها وليست موجهة فقط للحوثيين، والرسالة مفادها أن السعودية لن تقبل أن تهدد إيران أي بلدٍ في الجزيرة العربية، أو الأمن السعودي.

واستبعد عبد القادر أيّ ردود فعل سعودية على خطاب السيد نصر الله في لبنان على المستويين الأمني والسياسي. لأن لا ارتباط لبنانياً مباشراً في اليمن، لا على المستويين الاستراتيجي والجغرافي، ولا العاطفي ولا الاجتماعي. إضافة إلى أن السعودية تعرف أنّ كلام السيد نصر الله ردّ إيراني على العمل العسكري السعودي، وأنه كان يقول ما لم تستطع إيران قوله بلسانها ولغتها. مؤكداً أن السعودية لن تغيّر سياساتها إزاء لبنان، ولن يرحل اللبنانييون العاملون في الخليج».

وأضاف: «الآن نعيش توازناً سياسياً وأمنياً. والجميع يدركون أن الإخلال بالتوازنات، خصوصاً منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، سيهدّد الساحة الداخلية. وأي خلل سيضع لبنان على حافة التطورات الساخنة والانفجار».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى