الإعلامي آلِكسندر درويش الأشقر صاحب جريدة ومطبعة «صوت برمّانا»

لبيب ناصيف

عرفته منذ ستينات القرن الماضي، والتقيته كثيراً، إلى أن اندلعت الحرب المجنونة فانقطعتُ عنه متسقطاً أخباره وقد رفض أن يغادر بلدته برمّانا، وله فيها عائلة كبيرة وأصدقاء كثر، إلى حضور ثقافي وإعلامي واجتماعي.

التقيته للمرّة الأخيرة، قبل أن تتمزّق العاصمة، ويصبح الوصول إليها محفوفاً بالخطر، في مكتبة المر 1 المجاورة لصالتَيّ: «الدنيا» و«روكسي» 2 . تبادلنا العناق والحكايات وتواعدنا أن نلتقي. إلا أنّ جولات الحرب المجنونة، العنيفة، ثم الأعنف، أبعدته، كما أبعدتني، إلى أن وردني خبر رحيله الباكر.

لا يسعني أن أنسى حتّى اليوم العدد الخاص الممتاز من جريدته «صوت برمّانا»، الذي أصدره بتاريخ 25 نيسان 1970، مغّطياً بصفحاته الـ11 تشييع الملازم أول الرفيق الشهيد علي الحاج حسن في شمسطار ـ بعلبك، وصفحته الأخيرة لمأتم الرفيق الشهيد جوزف رزق الله في بلدته القصيبة ـ المتن الأعلى.

الرفيق الكاتب جورج كرم الذي تشدّه إلى الرفيق آلِكسي أواصر القربى، فضلاً عن الرابطة القومية الاجتماعية، كتب لنا هذه الكلمة:

الرفيق آلِكسي الأشقر، صاحب مشاريع مختلفة تصبّ كلّها في إنعاش برمّانا وتنميتها وتأهيلها لتكون المدينة التي تتمتّع بكل وجوه الحضارة ومتطلباتها. كما حلم بها بدافعٍ من شغفه ببلدته.

وكانت باكورة أعماله مطبعة، هي الأولى في برمّانا، تؤمّن المطبوعات الثقافية والتجارية على أنواعها وعلى أرفع مستوى.

بعدئذٍ، أقدم الرفيق آلِكسي على إنشاء جريدة كانت حلم حياته: «صوت برمّانا»، وصرف في سبيلها كلّ جهوده. وكانت تغطّي أخبار برمّانا والمتن والنشاطات الثقافية والرياضية والاجتماعية وسواها. ويبقى هذا المشروع مشهوداً في تاريخ برمّانا وفخراً لها ووساماً للرفيق آلِكسي من دون منّة.

كان الرفيق آلِكسي مُحَبّباً صاحب فكاهة، خفيف الظل كريم المعشر دَمِثَ الأخلاق قريباً إلى قلوب الناس يشاركهم السرّاء كما الضرّاء. ومما تميّز به، إلى طلعته الوسيمة وقامته الفارعة، الأناقة واللياقة في شتّى الأحوال والظروف.

إضافة إلى المطبعة والجريدة، ثابرَ الرفيق آلِكسي على إصدار «دليل برمّانا»، وكان المرجع الوحيد لها وللمتن عموماً. ولن ننسى أنه استحصل على جهاز إذاعيّ خلال الأحداث اللبنانية الدامية كان يبثّ من خلاله روح المحبّة والوئام والألفة بين سائر الفئات بعيداً عن التوترات والعصبيات والأحقاد. ولن يفوتنا القول إنّ رصيد آلِكسي الأشقر ورأسماله وسرّ نجاحه على كافة الأصعدة، إنما كان ذلك كلّه بفضل تفوّقه في مجال العلاقات العامة في شتّى المضامير، وعلى المستوى الرفيع، ما شرّع في وجهه كافة أسباب النجاح.

من ناحيته، نشر الصحافي إدوار أبو حمد في كتابه: «مع التاريخ»، وفيه يعرض لعدد من الفعاليات الثقافية، الأدبية، والاجتماعية في بلدة برمّانا، الكلمة التالية عن الرفيق آلِكسندر درويش الأشقر:

أسطورة طفولة، ومسحة عبقرية تمخّضت عن رجل، بكل ما في الكلمة من معنى. دخل معترك الحياة فتىً طريّ العود، فقاوم الزعازع بعزم لا يلين، وإرادة فولاذية بنّاءة. كان يحلم وهو ينهل العلم بأن يصبح صحافياً، وكان القلم سلاحه الوحيد، يوم طلّق مقاعد الدرس.

حصل على امتياز رسميّ لإصدار مطبوعة أسماها «صوت برمّانا»، وما كاد يصدر العدد الأول، حتى شغلت الرأي العام في المنطقة، فأقيمت لهذه المناسبة حفلة كبيرة، حضرها عدد كبير من رجال الفكر والسياسة والإعلام.

ناضل وجاهد مكابداً الكثير من الخسائر والعناء والسهر، حتى ركّز جريدته على الأسس التي اختارها لها. فأصبحت منبراً يعتليه الأدباء، والشعراء، والفنانون، وسوق عكاظ يتبارى فيها كبار رجال الفكر، وهكذا خلق نهضة أدبية فكرية لا أمثل ولا أروع.

وسّع مجالات نشاطه تدريجياً، حتى أصبحت «صوت برمّانا»، وفي الواقع الملموس، صوت المتن الشمالي بأسره، وأداة الوصل بين أبنائه وبين مختلف مؤسساته السياحية، والصناعية، والاجتماعية.

وكيف تكون «صوت برمانا» صوتاً حقيقياً للبلدة، وهي تُطبع في بيروت؟

هذا ما فكر به آلِكسندر الأشقر، فجازف بإنشاء المطبعة الأولى من نوعها في قلب المتن، لم توفّر الطباعة لجريدته وحدها، بل وفرت على كل المؤسسات والأهلين مشقة الانتقال إلى العاصمة لإنجاز المطبوعات التي يحتاجونها.

وصل آلِكسندر إلى ما وصل إليه باستقامته وصدقه، وبحسن معاملته.

جريء، صريح، جسور، سريع الخاطر، دائم الحركة، نشيط لا يعرف الكلل والملل، ذو مكانة كبيرة بين قومه وبني عشيرته.

أوردت جريدة «صوت النهضة» في عددها الصادر يوم الأربعاء 18 أيلول 1946 الخبر التالي:

وجد آلِكسي درويش الأشقر، وهو في العاشرة من عمره، جواز سفر للسيّد أحمد زاكوتي المصطاف في برمّانا فيه عشر ليرات فلسطينية، وقد أعاده إلى صاحبه، فنثني على أمانته التي تستحق الشكر والتقدير.

هوامش

1. كانت مكتبة معروفة، على رغم مساحتها الضيّقة، يقصدها كل مهتم بالمجلات والصحف العالمية.

2. من دور السينما المعروفة في وسط المدينة، إلى جانب صالات: كابيتول، متروبول، أمبير، ريفولي، راديو سيتي، غومون بالاس وشهرزاد، التي تحوّلت إلى مسرح يومي للفنان حسن علاء الدين شوشو وفرقته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى