الأمن «الإسرائيلي»… وصناعة الخوف

راسم عبيدات

لم يعرف التاريخ البشري الحديث دولة قامت على استحضار مركبات وعناصر الخوف، لكي يغدو مفردة لازمة من مفردات الخطاب السياسي والإعلامي لقادتهم على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية، كدولة الاحتلال «الإسرائيلي»… مفردات تؤكد الأخطار المحدقة بدولة الاحتلال: امنها، وجودها، بقاؤها، تطورها وديمومتها، مفردات تتبدل وتسبق كأولويات نتيجة للمتغيرات الداخلية والخارجية المحيطة بدولة الإحتلال «الإسرائيلي» المسكونة بفزاعة الخوف.

لقد ظل الأمن هو المحرك الأساسي للسياسة العامة «الإسرائيلية»، ونجح دعاة هذا التيار في بقائه كمحرك أساسي في السياسة «الإسرائيلية» حتى نجح دعاة تيار الإستيطان من كسر هذه القاعدة، بحيث أصبح الأمن فقط واحداً من المحركات للسياسة العامة «الإسرائيلية»، وليس المحرك الرئيسي لها… فالحكومة اليمينية المتشكلة والقائمة الآن، والحكومة التي ستتشكل لاحقاً كامتداد أكثر تطرفاً وعنصرية لما هو قائم، أصبحت ترى بأن الخطر على الاستيطان، هو مقتل الدولة وانهيارها… وليس الأمن فقط، ولذلك يجب ان يكون الاستيطان، هو المحرك الأول للسياسة العامة «الإسرائيلية». والمجتمع «الإسرائيلي» شهد إزاحة مجتمعية كبيرة نحو اليمين والتطرف والعنصرية منذ عام 1996… وتمكنت القوى الصهيونية اليمينية ان تفرض وجهة نظرها وسياساتها من خلال فوزها في الانتخابات وسيطرتها على الحكم في «إسرائيل». ونتيجة للمتغيرات العربية والإقليمية والدولية، وخصوصاً بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، وفق الفهم الغربي، وصل قادة الإحتلال الى قناعة بأن الظروف مواتية لهم، لكي يرفعوا ويطرحوا شعار الاحتفاظ بالأمن والاستيطان والسلام معاً، فالحالة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها. والدول العربية تعيش أزماتها الداخلية وتتفتت قطريتها وتتجزأ، ومشتبكة في حالة من الاحتراب المذهبي والطائفي المدمر لها ذاتياً… وإرادة دولية معطلة وغير قادرة على فرض أية حلول سياسية على دولة الإحتلال. أقطابها الرئيسية مشتبكة ومتصارعة من أوكرانيا وحتى اليمن.

في إطار قيام دولة الإحتلال وحتى منذ ولادة الحركة الصهيونية، وسعي قادتها الى إيجاد «وطن قومي» لهم في فلسطين كنقيض وبديل لشعبنا الفلسطيني، استخدم القادة الصهاينة فزاعة الخوف والممارسات العنصرية واللاسامية والاضطهاد الذي مارسته أوروبا الغربية وروسيا ضد اليهود، ومن ثم المذابح «الهولوكست» التي ارتكبتها النازية بحق اليهود، استثمرت كل ذلك من أجل أن تجلب اليهود من كل أصقاع الدنيا الى فلسطين، ومنذ ذلك برعت الحركة الصهيونية في توظيف عنصر الخوف، لكي يصبح مركباً أساسياً يستخدم في حماية الوحدة الداخلية للدولة وبقائها وتطورها. وكذلك يجب الاستمرار في تذكير العالم وابتزازه، في وجه أي دعوة او طرح يدعو دولة الإحتلال الى وقف جرائمها ومجازرها بحق الشعب الفلسطيني، او إدانتها على خلفية ذلك وخرقها الفاضح للقانون والمواثيق والاتفاقات الدولية.

ونحن في المرحلة الحالية شهدنا توظيفاً غير مسبوق من قبل حكومة نتنياهو للأخطار المحدقة بالأمن «الإسرائيلي»، هذا التوظيف، لكي يضمن لدولة الاحتلال البقاء والوحدة والتطور، فنتنياهو في الانتخابات الأخيرة، وجدناه يوظف خطر أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني على يهودية دولته في حملته الانتخابية، وكذلك ذهب الى واشنطن وأذلّ رئيسها اوباما في عقر داره، لكي يشرح للكونغرس الأميركي الأخطار المحدقة بالأمن «الإسرائيلي» ووجود «اسرائيل» كدولة بإمتلاك ايران السلاح النووي، او توقيع أميركا اتفاقاً معها حول برنامجها النووي، وهذه مفردات تستخدم ليس فقط من منطلقات أيديولوجية فقط، بل هي أضحت لازمة مثل الشِفرة الوراثية للإنسان، فاليوم يجري الحديث عن الخطر النووي الإيراني، وكذلك عن أخطار صواريخ حزب الله والصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة، والقنبلة الديمغرافية الفلسطينية، والمتغيرات المحيطة بـ«إسرائيل» وإمكانية إمتلاك الجماعات المسلحة التكفيرية أسلحة متطورة تهدد أمن «اسرائيل»، وسابقاً كان يجري الحديث عن الخطر العراقي على «اسرائيل»، ولربما فنزويلا او حتى أي نظام عالمي جديد يدين ممارسات واحتلال «اسرائيل» بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، هو في دائرة تشكيل الخطر على دولة الإحتلال، ويتهم باللاسامية والعنصرية ومعاداة «اسرائيل»، وهناك كثيرون من السياسيين والصحافيين الغربيين خسروا مواقعهم الوظيفية او تعرضوا للاعتقال على خلفية انتقاداتهم وإداناتهم لـ«إسرائيل» على خلفية جرائمها وممارساتها القمعية والإذلالية بحق الشعب الفلسطيني.

هذه بعض أهم تهديدات الأمن «الاسرائيلي» التي نقرأها ونسمعها بين الحين والآخر، وهي مختلفة ومتنوعة، ويختلف تدرج أولويتها بحسب أجندة ودوافع ووظيفة الجهة التي تحدّدها، فالمستوطنون يعتبرون الخطر على استمرار الاستيطان هو التهديد الأهم، والأمنيون ينقسمون بين أولوية الخطر الإيراني وأولوية صواريخ حزب الله الخ…

هاجس قادة «اسرائيل» وخوفهم، أن تجري متغيرات إقليمية ودولية، تجعل من قدرتهم على استمرار صناعة الخوف مشكلة جدية وحقيقية، فهم تعودوا وتربوا ومارسوا الكذب والخداع والتضليل على العالم وعلى مجتمعهم، بأن كل العالم معادٍ لهم والعرب يتربصون بهم من أجل القضاء على دولتهم. والفلسطينيون مخادعون لا يريدون السلام، بل هدفهم تدمير دولة «اسرائيل»، وأي قائد لهم يطالب بالحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ليس شريكاً في «السلام» ويدعم «الإرهاب».

الخطر هنا ان تقل قدرة قادة دولة الاحتلال على استحضار عنصر الخوف كمركب ولبنة أساسية في الأمن «الإسرائيلي».

«اسرائيل» ستواصل سياستها القائمة على الفزع والخوف، وسيبقى المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه ليس كما طرح عالم الإجتماع ديكارت «أنا اشك اذاً فأنا موجود»، بل «انا خائف اذاً فأنا موجود».

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى