لماذا تتراجع هيمنة أميركا وتتعاظم قوة الدول المعارضة لها؟

إبراهيم ياسين

يوجد منطق سائد في الساحة السياسية وحتى في الأوساط الوطنية يقول بأنّ الحديث عن فشل السياسة الأميركية في المنطقة وتراجع مشروع هيمنتها «كلام ينطبق على الواقع السائد»، لكن أيّ مدقق في الوقائع والمعطيات الموضوعية بعيداً عن أيّ تنظير أو تمنّ وحتى تحليل أو استنتاج تظهر هذه الوقائع والمعطيات فعلياً أنّ المشروع الأميركي للهيمنة على المنطقة والعالم قد أخفق في «تحقيق أهدافه وشهد تراجعاً» ملحوظاً تؤكده الوقائع التالية:

ـ هزيمة أميركا في العراق وانسحابها دون أن تتمكن من الإبقاء على قواعد عسكرية لها لتحقيق ما طمحت إليه من وراء غزو العراق، وهذا حصل بفعل مقاومة الشعب العراقي والدعم الذي حظيت به من سورية وإيران على وجه الخصوص.

ـ حرب تموز 2006، وانتصار المقاومة على العدو الصهيوني وما أسفرت عنه من نتائج لصالح محور المقاومة.

ـ فشل إخضاع إيران والاضطرار إلى عقد اتفاق معها يعترف ببرنامجها النووي وباستقلالها.

ـ الفشل في إسقاط الدولة الوطنية السورية من خلال هذه الحرب العالمية التي شنّت عليها.

ـ خسارة أميركا لليمن مع استمرار الحرب عليها وصمود القوى المناوئة للهيمنة الأميركية السعودية.

ـ خروج دول أميركا اللاتينية من التبعية ميركا واضطرار أوباما إلى فك الحصار عن كوبا والتسليم بفشله في إخضاع كوبا.

ـ تشكل مركز دولي جديد مناهض للهيمنة ا ميركية والغربية، تقوده روسيا والصين، وتجسّد هذا المركز الدولي الجديد بتكتلين دوليين أساسيين: الأول منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، والثاني مجموعة دول «بريكس».

هذه الوقائع التي تؤشر إلى فشل الو يات المتحدة الأميركية في الاحتفاظ بهيمنتها الأحادية على العالم، جاءت بعدما حاولت واشنطن إخضاع العالم عبر استخدام القوة العسكرية احتلال منابع النفط والغاز واحتياطياتها في آسيا الوسطى والعراق من أجل:

ـ إعادة تنشيط اقتصادها المتراجع.

ـ إخضاع الدول التي تقاوم الهيمنة الأميركية، سيما روسيا والصين.

فمن المعروف أنّ من يتحكّم بمصادر الطاقة وإمداداتها يتحكم بالقرار الاقتصادي العالمي، واستطراداً يكرّس هيمنته على العالم. غير أنّ هذه الاستراتيجية الأميركية أخفقت في تحقيق هذا الهدف عندما فشلت في حروبها العسكرية في أفغانستان والعراق وتحوّلت هذه الحروب إلى حروب استنزفت القدرات ااقتصادية والمالية ا ميركية على نحو غير مسبوق في تاريخ ا مبراطورية الأميركية. هذه الحروب كلفت الولايات المتحدة أكثر من ستة تريليون دو ر، فيما زاد في حجم الدين الأميركي وتجاوزه الخط ا حمر حيث فاق الناتج القومي الأميركي ول مرة، فيما العجز في الموازنة ناهز تريليون دو ر.

هذا الاستنزاف الكبير الناتج عن المقاومة الشرسة التي واجهتها القوات الأميركية المحتلة أدّى إلى دفع الإدارة الأميركية إلى اتخاذ قرار الانسحاب من دون تحقيق الأهداف التي شنّت الحرب من أجلها، فيما أدّت هذه الخسائر إلى التعجيل في انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية الأميركية عام 2008، وإلى تراجع هيبة ومكانة أميركا الدولية، وكان من الطبيعي أن يؤدّي كلّ ذلك إلى تعزيز المحور الدولي المناهض للهيمنة الأميركية واندفاع الدول التي تقوده إلى تعزيز جهودها للاستفادة من هذا الفشل في سياسات الهيمنة الاستعمارية الأميركية من أجل الدفع في اتجاه تكريس التعددية القطبية الدولية.

وإذا كان نشوء التكتلات الدولية في آسيا وأميركا اللاتينية، إلى جانب نجاح قوى المقاومة في المنطقة في إلحاق الهزيمة بااحتلال الصهيوني قد عكس بشكل ملموس تنامي قوة الدول والقوى المناهضة للهيمنة الاستعمارية وللإحتلال، فإنّ محاولات أميركا وحلفائها للحيلولة دون حصول المزيد من التداعيات السلبية على مشروع الهيمنة الأميركية المتداعي عبر شنّ الحرب الإرهابية على سورية سقاط نظامها المقاوم استعادة زمام المبادرة قد أخفقت مجدداً نتيجة صمود سورية ودعم قوى المقاومة لها والدول المناهضة للهيمنة الأميركية وخصوصاً روسيا وإيران.

بل أنّ أميركا تعرّضت انتكاسة جديدة في المنطقة عندما سقط النظام اليمني الموالي لها بفعل ثورة شعبية وطنية تحرّرية، فيما اضطرت الو يات المتحدة الأميركية إلى ااتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي بعدما يئست من إمكانية إحداث تغييرات في المنطقة لمصلحتها لتطويق إيران وعزلها وصو ً إلى إخضاعها وفرض الإملاءات الغربية عليها، وشعرت واشنطن بأنّ الاستمرار بسياسة العقوبات ضدّ إيران لم يؤدّ إلى منعها من تطوير برنامجها النووي، فيما الإقدام على شنّ الحرب العسكرية ضدّ إيران دونه مخاطر كبيرة على المصالح ا ميركية وأمن العدو الصهيوني، فيما هي تردّدت في شنّ العدوان على سورية خوفاً من نشوب حرب واسعة في المنطقة ستكون لها مضاعفات كبيرة على مصالحها.

انطلاقاً من ذلك فإنّ الحديث عن قدرة أميركا الغير محدودة والتسليم بقدرتها على فرض ما تشاء في المنطقة والعالم، فإنه يعكس الوقائع الدامغة على الصعيدين الدولي والإقليمي بقدر ما أنه يعكس عدم قدرة البعض على التحرّر من الأفكار التي طالما كانت تصور أميركا «كلية الجبروت» يمكن ية قوة أن تمنعها من تحقيق ما تريده. تماماً كما كان هذا البعض يروّج سطورة القوة الصهيونية وعدم القدرة على إلحاق الهزيمة بها لتبرير العجز وبالتالي المساومة على الحقوق والتخلي عن المقاومة باعتبارها غير مجدية. لكن هذا المنطق سقط سقوطاً مدوياً بعد الانتصارات الاستراتيجية التي حققتها المقاومة على جيش العدو الصهيوني، إنْ كان في لبنان عام 2000 و 2006، أو في قطاع غزة أعوام 2005 و 2008 وصو ً إلى عام 2014.

ناشط سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى