ما علاقة «إسرائيل» بمخطط تقسيم العراق إلى كيانات منفصلة؟

لا يزال الجدل السياسي العراقي مشتعلاً، بعد قرار الكونغرس بالتعاطي مع العراق كبلدٍ مُقسّمٍ الى ثلاث دويلات من خلال فكرة تسليح المكونات العراقية، ويتعامل مع الاكراد والسنة في العراق «ككيانين» منفصلين عن بغداد، عادت من جديد الى ذاكرة العراقيين مشاريع الغرب التي تسعى الى تقسيم وطنهم، ومنها مشروع وثيقة صهيونية طرحت قبل ثلاثة عقود، تتحدث عن واقع يعيشه العراق اليوم.

تقول هذه الوثيقة التي طرحت في نشرة كيفونيم في شباط من عام 1982 التي تصدر في القدس المحتلة عن المنظمة اليهودية العالمية تحت عنوان «خطط «إسرائيل» الستراتيجية» حيث تطالب بتفتيت كل الدول المجاورة لـ «إسرائيل» من النيل إلى الفرات، وتقول هذه الوثيقة بفصلها الأول بما يخص العراق «العراق ذلك البلد الغني بموارده النفطية، والذي تتنازعهُ صراعات داخلية، فهو على خط المواجهة مع «إسرائيل»، ويعد تفكيكه أمراً مهماً بالنسبة الى «إسرائيل»…».

وهذا المخطط وضع منذ أمد، وأشرفت على رسم معالمه مجموعة من كِبار المخططين الاستراتيجيين «المسيحيين المتصهينين»، لتتوارثها الاجيال «المسيحية المتصهينة»جيلاً بعد جيل من منظمة فريدم هاوس، وتحالفها مع روزفلت الى مخططات كسينجر، مروراً بمشاريع برنار لويس – جيمي كارتر – بريجنسكي … ألخ. هنا وعلى سبيل المثال لا الحصر، المتصهين «برنارد لويس»، كان قد وضع خططه منذ عقود خلت لتنفيذ مشروعه بتفكيك الوحدة الدستورية، لجميع الدول العربية والإسلامية ومنها العراق بالتحديد، وتفتيت كل منها الى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وأوضح ذلك بالخرائط التي أوضح فيها التجمعات العرقية والمذهبية والدينية، والتي على اساسها يتم التقسيم، وسلّم المشروع إلى بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الاميركي جيمي كارتر بهدف «تصحيح حدود سايكس – بيكو» ليكون متسقاً مع المصالح الأميركية في المنطقة.

والجدير ذكره هنا إن مجلس الشيوخ الأميركي كان صوّت كشرط لانسحاب القوات الأميركية من العراق في 29/9/2007 على تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات المذكورة أدناه، وطالب مسعود برزاني بعمل استفتاء لتقرير مصير «إقليم كردستان» العراق، واعتبار عاصمته محافظة كركوك الغنية بالنفط، محافظة كردية، ونال مباركة عراقية وأميركية في تشرين الأول 2010، والمعروف إن دستور «بريمر» وحلفائه من العراقيين، قد أقرّ الفيديرالية التي تشمل الدويلات الثلاث على أسسٍ طائفية: شيعية في الجنوب، سنية في الوسط، كردية في الشمال، وللتذكير كان الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني قال خلال حديثه مع بريمر عن أهمية كركوك بالنسبة الى الاقليم وانها «قدس الأكراد». إلا ان بريمر رفض وصف الطالباني ورد بالقول: «يكفينا قدس واحدة».

ان الكونغرس لفيف من لوبيات صهيونية وأخرى لا تريد الخير لأمتنا وشعبنا وشعوب المنطقة ومن الطبيعي ان تنطلق مثل هذه الدعوات لإنشاء كيانات منفصلة عن الحكومة المركزية للقول ان الشعب الواحد هو شعوب ميتة.

التصريح الذي صدر عن لجنة الشؤون الخارجية الأميركية يحوي في ثناياه قراءات متشابكة ومعقدة ولكن النتيجة لمشروع التقسيم هذا إذا أريد إمضائه فعلاً هو إغراق المنطقة بحروب تمتد لعقود.

ففي تقسيم العراق الى مكونات ثلاثة يعني الذهاب باتجاه تكوين جيوش صغيرة سوف يتم تسليحها تسليحاً كاملاً كما حصل في تقسيم يوغوسلافيا الى دول صغيرة: البوسنة والهرسك والكروات، إلا أن التجربة العراقية سوف تختلف كثيراً. فالعراق ليس كيوغسلافيا، والصراع الموجود في العراق يختلف عنه في كرواتيا باعتباره صراعاً يحمل اتجاهين: عقائدية طائفية ـ وصراع عرقي، بخاصة إذا ربطنا بين موجة الغضب العارمة التي اجتاحت الأوساط العراقية السياسية والشعبية بالضد من هذا المشروع.

من الطبيعي القول الآن ان العراق لا تحيط به في هذه الفترة أجواء مستقرة ليتمكن المراقب من القول إن مشروع الفيديرالية سيقود الى تكوين بلد فيديرالي، فالإصطفاف الطائفي الإقليمي على أشده، والحروب الإقتصادية مستعرة بين طرفين دوليين كبيرين، كل يريد انهاك الآخر اقتصادياً. وتداعيات هذه الصراعات لها امتداداتها الصغيرة في العراق، وأسسها القوية في الدول الإقليمية، وتداعياتها الكبيرة في القوى العظمى.

إذاً هدف عملية التقسيم في العراق في هذه الفترة سيعني سحب سلسلة متواصلة من العلاقات السياسية والإقتصادية الى الخراب والتشطي والتقسيم، إضافة إلى إزدياد الاصطفافات بين الجماعات الصغيرة والكبيرة، بخاصة إذا ربطنا كل ذلك بمحاولات التسلح المحمومة التي تجري في الدول الإقليمية.

كل ذلك يقود الى أن عملية التقسيم سوف تهيئ المناخات المناسبة لإشعال حرب كبيرة في أهم منطقة استراتيجياً وجيوسياسياً في العالم، وقد لا تقتصر تداعياتها على نفس الأطراف المتنازعة في المنطقة، بل إن فايروس الإصطفافات سيمتد ويتوسع لكل مكان في العالم.

جاء مشروع القرار الأميركي هذا، في فترة مثل فيها انقلاب للموازين لم يكن متوقعاً، فإيران التي كانت ضمن محور الشر، بدأت تتحول شيئاً فشيئاً الى دولة محاورة للدول الغربية، بخاصة بعد عقد الإتفاق النووي مع الدول الكبيرة.

في العراق، الحكومة التي كان من المتوقع أنها ستنهار والدولة العراقية التي تأمل الكثير من المعادين للتجربة السياسية العراقية الجديدة أنها ستنهار على يد «داعش»، أثبتت تلاحماً وقوة بخاصة بعد الإنتصارات السريعة التي حققتها قوات الحشد الشعبي، وفصائل المقاومة الإسلامية المسلحة بمعية الجيش العراقي، ما رجح كفة القوة لطرف من دون طرف.

لذا نجد أن قرار التقسيم هذا جاء، في ظاهره ورقة تهديد وتخويف للحكومة العراقية من أجل ما سمّوه: ضرورة اشراك الكل بالعملية السياسية! ولكن باطن الأمر يثبت أن هناك خوفاً دولياً من قوة الإنتصارات التي تحققت ضد «داعش».

ان المقاومة الباسلة للحشد الشعبي والتفوق الكبير الذي اظهرته على مختلف جبهات القتال اسقط ورقة الكونغرس بتوفير السلاح للسنّة من خلال إقرار قانون الحرس الوطني الذي ينتظر «النفير العام» في مجلس النواب وتوفير السلاح لعناصر المقاومة العشائرية السنية في المناطق الغربية ضد «داعش» مثلما اسقط ورقة الكونغرس واللوبيات «الاسرائيلية» والصهيونية فيه من خلال الحوار الوطني البناء بين الحكومة العراقية والإخوة في اقليم كردستان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى