الشهيد في قصائد الشعراء… ملحمة ترتقي بقصائدهم إلى الخلود

محمد الخضر

الشهيد إنسان ضحّى بكينونته من أجل أن يبقى الوطن كريماً، ومن أجل أن يعيش أهله وشعبه بكرامة وشرف، لا يرقى إليه نور ولا أدب ولا شعر. لأنه ذلك الذي مضى من أجل أن نبقى نحن. وهناك من الشعراء من حاول أن يتشرّف بالكتابة عنه، وهناك من امتلك الموهبة فكتب عنه، وهناك من لم يستطع أن يصل إلى عظمة هذا الإنسان.

شعراء سوريون حملوا الأمانة وساماً، فكانوا مستجيبين لعواطفهم، واعتبروا أن الشهيد أسمى البشر. كما فعلت الشاعرة نبوغ أسعد التي تخيّلت موكب الشهيد وهو يشق طريقه في السماء بعدما ألفته، وهو يدافع عن كرامة الوطن، فقضى من أجله. واعتبرته في مقدّم كل الكائنات فقالت في قصيدتها إلى الشهيد:

كأنك قد صعدت إلى السماء

على جنح جميل من ضياء

يسير الغيم خلفك في دلال

وتمشي الشمس ترفل في الحياء

تمدّ الروح في الدنيا وتمضي

فتجعلها سبيلاً للعلاء

أيجرؤ ابن أمّ أو غريب

فيجهر بالضغائن والعداء

وحول الأرض شيء لا يضاهى

وسور قد تسامى بالدماء.

تمكنت الأسعد في وصفها الشهيد من تجاوز عددٍ لا بأس به ممّن كتبوا في هذا الموضوع. فابتكرت على قارب البحر الوافر صوراً جديدة، وشكّلت لوحة عبّرت فيها عن بهاء الشهيد وعظمة تضحيته. فنجحت دلالاتها واستعاراتها في إبداعها الجديد.

كما كانت قصيدة «النسر الأسطوري السوري» للشاعر مالك كامل الرفاعي التي رثى فيها الطيار الشهيد عارف بسيسيني ملتزمة الرويّ والقافية، ومتصاعدة موسيقاها على أنغام البحر الطويل وفق أسلوب اعتمد على التراث والمعاصرة ومحاولة طغيان الفخر والوصف على الحزن والأسى، من دون أن يسمح للعاطفة من أن تكون في مقدّم أسس النصّ، كقوله:

لأيّ شهيد تجتليك الكواكب

وأيّ قصيد تجتبيك المواهب

وتفتخر الدنيا ويفخر أهلها

بمن ترتقي فيه العلا والمراتب

هنا الساعة الأولى وأنت قيامها

وأنت أعدت الدهرَ والدهرُ غائب.

في حين اختار الشاعر محمد زينو السلوم في قصيدته «الشهيد»، البحر البسيط وحرف الميم رويّاً لقصيدته، معتبراً أن الشهيد هانت عليه الحياة من أجل أن يرتفع إلى درجة السموّ فداء لوطنه وحبّاً بأرضه وناسه، باعتباره ضحى بدمه من أجل سعادة الآخرين فقال:

يا ساقياً هذي القلوب البلسم

هانت حياتك فاعتليت الأنجم

هانت حياتك حين أبصرت الوغى

فهممت تنصب للمعالي سلّم

ألقت عليك يد المنون وليتها

ألقت بمن سلبوا ديارك والحمى.

تمكّن الشاعر السلوم من استحضار المعاني السامية في إسقاطاته وتشبيهاته ليكون منها بعضاً ممّا يوحي إليه في معاني الشهادة والشهيد، كما كان الخط البياني للموسيقى متصاعداً ومتوافقاً مع الميم المطلقة وحمايتها من الإقواء والخلل البنيوي.

أما يونس سالم في قصيدته «ولد الشهيد»، فغلب عليه الحزن، وتنامى بين ألفاظه وحروفه. فتداعت الذكريات وتميّز النص بالبكاء والرثاء الحزين كقوله:

ولو علم التجلّد بعض وجدي

تداعى واستجدّ به انحدار

وأسأل كل فجر عن مداهم

إلى أين الرحيل وأين صاروا

أهكذا يا رفيقي تنأى عنّي

فلا عين ولا درب ينار.

لقد أثّر الحزن على قصيدة السالم فأرهقها ما جعلها قاصرة بعيدة عن معاني الشهادة، على رغم وضوح الموهبة التي تجلّت بانتقاء البحر الوافر ووجود البنية التركيبية للبوح الشعري.

وفي نصّه النثري، عبّر بديع صقور عن مدى المأساة التي تخلفها الحروب، متجهاً إلى غير ما ذهب إليه الشعراء في تجسيد معنى الشهادة. فأظهر موقف الحرب من قطف الرجال وأخذهم إلى الموت. فختم نصّه بشكل مأسوي إذ قال:

هي الحرب… وقبل أن يمضي إليها قالت له… قبل أن تذوي كورقة على غصن يوم… وقبل أن تدخل ردهة موت… قبل أن تصير هباء في مهب الحروب… بين خوف وليل… اقترب كي أودعك.

لكن قصيدة «الشهيد» عند توفيق أحمد تميّزت بنبرة التحدّي وحملت في نبراتها تحذيراً من أيّ تقاعس في وجه من يحاول النيل من كرامة سورية وعزّتها وسموّها. فأطلق حرف الباء روياً لإكمال جلجلة القافية والمسير على خطى الشهيد، والبحث عن النصر حتى ولو كان مقابل ذلك الجسد والدم فقال:

ذكرى الشهيد بما حملت من ألم

مرّ كعلقم ذاك الكأس إن شربا

قولوا له إنني في الكرم منتظر

ما زلت منتظراً كي نقطف العنبا.

وكانت مساهمة شعراء الأطفال في تخليد الشهداء ليست قليلة، فزرع بيان الصفدي في قصيدته «الشهيد» فكرة حبّ الشهادة ومدى أهميتها في حماية الوطن والأطفال والخير، إضافة إلى دور الشهيد في الحفاظ على الأجيال الجديدة. فقال:

أجمل وردة حبّ مالت

فوق تراب بلادي قالت الحرية خير هدية

للأجيال… تمنحها روح الأبطال.

جاءت قصيدة الصفدي على شكل نشيد قريب من عواطف الأطفال بأسلوب انسيابيّ يحمل هدف الشعر ورغبته في تجسيد قيمة الشهادة.

ويعتبر الشعراء الذين انبرت أقلامهم لتجسيد قيمة الشهادة وللكتابة عن قضايا وطنهم العادلة، أكثر حضوراً من سواهم. كما تمتلك مواهبهم القدرة الأفضل على الاستجابة للعواطف بعدما سمت هذه العواطف في تربيتها الاجتماعية والبيئية. فالموهبة عند الشاعر تتراجع وتسقط عندما لا تجد في أنبل بني البشر موضوعاً جديراً بالكتابة، وتبعد صاحبها عن القيم والمبادئ.

ارتقت معظم القصائد إلى مستوى الشعر الحقيقي فتمتع أصحابها بالثقة بالنفس وترك قصائدهم تحط على تلال الشعر في موسم يستحق الإجلال والتقدير الفضل ببهائه للشهيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى