إيران «المفيدة»

خضر سعاده خرّوبي

قد يذهب البعض إلى قناعة بأنّ الإنجازات الأساسية التي نتجت من «اتفاق الإطار» الذي تمّ التوصل إليه في نيسان الماضي حيال البرنامج النووي الإيراني تتمثل في كشف لعبة التضليل التي سار عليها الغرب لأعوام طويلة في مقاربة هذا الملف على أنه «تهديد للسلم والأمن الدوليين»، ومن ثم الاعتراف بشرعيته.

قد يكون هذا صحيحاً، ففي شكل مفاجئ، بعد «اتفاق لوزان» ومع ما رافقه من موجة تفاؤل حول إمكانية تحقيقه درجة من اتساق عناصر قوة إيران في المنطقة بجناحيها السياسي والاقتصادي، بدأت الشركات الغربية تتأهب لدخول السوق الإيرانية الواعدة بالفرص، وبدأ خبراء السياسة والاقتصاد يضعون تصوراتهم لإيران ما بعد الاتفاق.

في حقيقة الأمر، عادت «فزاعة» البرنامج النووي لطهران على الدول الغربية وحلفائها بفوائد جمة، وقد كانت صفقات الأسلحة المعقودة خلال السنوات الماضية بين واشنطن ودول الخليج، وما زالت، تندرج في سياق التصدي لـ «لتهديد الإيراني». فعلى مدار الأعوام القليلة السابقة للتوصل إلى «اتفاق لوزان»، بذلت دول الخليج مئات مليارات الدولارات على التسلح، بينما كانت للتصريحات الهستيرية لقادة «إسرائيل» المحذرة من «الخطر الإيراني» عوائد على موازنتها وأمنها، باعتبارها حلقة مفتوحة لابتزاز واشنطن بالمزيد من المساعدات المالية والعسكرية التي تصبّ في خدمة المجهود الحربي والسجال الحزبي الدائر بين الائتلاف الحكومي وخصومه. ولم يعد خافياً، كيف توظف تلّ أبيب ما تسميه «خطراً إيرانياً» لدفع علاقاتها مع بعض الدول العربية التي لا تجد حرجاً من «مذهبة الصراع»، على الصعيد الإقليمي.

وليس بعيداً من هذا السياق، ها هو الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يبرم صفقات تسليحية مع دول خليجية كقطر بقيمة تتجاوز 6 مليارات يورو، وإن كان رهان باريس المستمد من «الإرث الشيراكي» بالاصطفاف في محور الرياض من بوابة ديبلوماسية المصالح التجارية «لا يخلو من المخاطر والشكوك حول المستقبل السياسي للمملكة وانعدام الديمقراطية في بلد صحيح أنه يكافح «داعش»، ولكنه يرتكز إلى الوهابية، وهي أكثر الدعوات السنية سلفية على نحو ما تقول صحيفة «لوموند»، في حين يمارس أوباما دوره باتقان كسمسار أسلحة مع دول الخليج لمصلحة المجمّعات الصناعية الدفاعية الأميركية، بما تمثله من رئة حيوية لاقتصاد بلاده المأزوم.

يبدو الرئيس الأميركي مصمماً على ترك بصماته على سياسة بلاده الخارجية، من خلال انفتاحه على إيران، «عدو واشنطن التاريخي»، لقناعته بأنها لا تشكل خطراً حقيقياً، مدفوعاً برؤيته الشخصية بضرورة إحداث تغيير في تاريخ العلاقات الأميركية ـ الإيرانية على قاعدتين متوازيتين في الشرق الأوسط متمثلتين بـ «تحييد الخطر الإيراني»، و«تحجيم الانخراط الأميركي» فيها، وتأثر بتيارات بعض الدوائر الفكرية في الولايات المتحدة كالتيار الواقعي الذي يرى ضرورة استغلال إيران لتغيير الشرق الأوسط من خلال جملة توافقات إقليمية معها في العديد من الملفات الرئيسية، والتيار الليبرالي الذي يرى أنّ إحداث تغيير في الداخل الإيراني يتم بالسلم والتعاون وليس بالعزلة والعداء.

تذهب معظم التقديرات الاقتصادية إلى وضع الاقتصاد الإيراني بين مجموعة Next 11»» القادرة على النمو السريع إذا ما تحرّر من قيد العقوبات الدولية المفروضة عليه التي أدخلته في حالة من الركود العميق على نحو أثر بصورة سلبية على العملة الإيرانية وساهم في انكماش الاقتصاد بنسبة 5في المئة، وفق تقديرات عام 2012. ولا يزال سوق النفط جاذباً بالنسبة إلى العديد من الشركات الغربية، وخصوصاً الأميركية والفرنسية.

من هذا المنطلق، تأتي زيارة مسؤولين في قطاع الطاقة الأميركي إلى العاصمة الإيرانية قبل أسابيع قليلة. وتشير تقديرات «بلومبرغ» إلى أنّ «التطبيع الاقتصادي» الإيراني ـ الغربي سوف يصبّ في مصلحة شركات تصنيع السيارات منها الفرنسية ولا سيما «بيجو»، و«ستروين»، و«رينو»، التي تقوم بإنتاج سيارات مشتركة مع شركات إيرانية، وكذلك الشركتين الألمانيتين «باير» و«لانكس» المنتجتين لإطارات السيارات. يضاف إلى ذلك، تنامي اهتمام قوى ذاث ثقل دولي كالهند، وإقليمي كتركيا في التعامل التجاري مع الإيرانيين. وكانت الهند قد قاومت ضغوطاً أميركية وأرسلت بعد «اتفاق لوزان»، وفداً لاستكشاف فرص حول صفقات في مجالات التجارة والطاقة والبنية التحتية.

أما موسكو، وعلى رغم مما تتداوله صحف غربية حول مخاوف من إضعاف موقعها بعد إبرام الاتفاقية حول البرنامج النووي الإيراني وإرساء علاقات مباشرة بين طهران وواشنطن، فهي كانت دائماً تدعمه. ولطالما منحت العلاقة مع الإيرانيين روسيا فرصة ذهبية للإطلالة على الخليج والمنطقة، كما أنّ التحالف الاستراتيجي بينهما، بجوانبه الاقتصادية والعسكرية، خدم هدفهما المشترك في مقاومة الهيمنة الأميركية. وقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ الاتفاق يصب في مصلحة روسيا، سواء لدعم التعاون العسكري بين روسيا وإيران، أو لمشاركة روسيا في جهود تحديث قطاعي الغاز والنفط الإيرانيين، فضلاً عن إمكانية تحولها إلى بوابة خلفية لتقلص حدّة العقوبات المفروضة على روسيا. أما الصين التي ترتبط بإيران استراتيجياً على أكثر من صعيد، فهي لا تستطيع أن ترى إيران إلا محطة على «طريق الحرير»، وهو ممرّ اقتصادي تسعى إلى تدشينه وإعادة إحيائه بينها وبين دول الشرق الأوسط لدفع علاقاتها التجارية الناجحة مع تلك الدول، إضافة إلى ما يضمنه الاتفاق مع إيران من «استقرار» أمني وسياسي وطاقوي ما زالت تطمح إليه بكين، ومعها العديد من القوى الدولية، حتى مع «الخصوم».

قد تختلف دول وجماعات سياسية حول توصيف إيران، وما إذا كانت تشكل «تهديداً» أم لا، إلا أنه من الواضح أنها في جميع الحالات، إيران «المفيدة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى