المقاومة والتحرير… معادلة الردع قائمة جنوباً والحسم مطلوب بقاعاً

معن حميّة

يرسّخ تاريخ 25 أيار في الروزنامة الرسمية عيداً للمقاومة والتحرير، وفي الذاكرة الجمعية حصاداً لتضحيات المقاومين. ففي هذا التاريخ ترجم العدو الصهيوني تقهقره أمام عمليات المقاومة اندحاراً عن معظم الأرض اللبنانية.

غير أنّ هذا العيد ليس كسائر المناسبات التي يُحتفل بها بوصفها محطات مشرقة في تاريخ مقاومات الشعوب للاحتلال وحسب، بل مناسبة، فرضت التحدّيات والأخطار التي تتهدّد بلادنا وشعبنا أن تكون مرتبطة بالمصير والمستقبل، وهذا هو المعنى الحقيقي لعيد المقاومة والتحرير. إذ إنه ليس عيداً وحسب، بل فعل نضال وتضحيات يمتدّ على مساحة الزمن، ويلازم يوميات شعبنا وكلّ الشعوب التي تتعرّض بلادها للغزوات والاحتلالات والنكبات.المقاومة والتحرير دائماً، وفي أيامنا هذه، هما العنوان الأول الذي يربط اللبنانيين بالمستقبل، فالعدو «الإسرائيلي» لا يزال يحتلّ أجزاء من الأرض اللبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر ، وفي موازاة هذا الاحتلال برز تهديد خطير تمثل بالمجموعات الإرهابية المتطرفة التي نفذت سلسلة من الأعمال الإرهابية في العديد من المناطق اللبنانية. إرهاب طاول الجيش اللبناني والقوى الأمنية والمدنيين الأبرياء، إرهاب قتل ضباطاً وجنوداً وخطف آخرين ونفذ هجمات وارتكب جرائم وتفجيرات بالسيارات المفخخة، ولعلّ التحدّي الأخطر الذي يشكله هذا الإرهاب يكمن في احتلال جرود عرسال اللبنانية التي تعدّ معابر موت تهدّد استقرار لبنان وأمن اللبنانيين.

كلّ المناطق اللبنانية بقاعاً هي في مرمى نار الإرهابيين الذين يتخذون من جرود عرسال منصات ومواقع لهم. أما حال المناطق الجنوبية الواقعة على تخوم فلسطين المحتلة، فهي محمية بمعادلة الردع التي أنتجتها معادلة المقاومة والجيش والشعب.

يتملّك العدو الصهيوني حذر ورعب كبيران، إذا ما قرّر الاعتداء على المناطق اللبنانية المتاخمة لفلسطين المحتلة، فالمناطق الجنوبية محمية بمعادلة الردع المقاوم التي تكرّست في حرب تموز 2006. لكن كيف يمكن حماية المناطق البقاعية الواقعة في مرمى إرهاب «داعش» و«النصرة» التي تُثبت مواقعها في جرود عرسال؟

ما من شكّ في أنّ ظروف العام 2000 تختلف تماماً عن ظروف العام 2015، علماً أنّ الإرهاب «الإسرائيلي» وإرهاب المجموعات المتطرفة واحد ومن المنشأ ذاته. في العام 2000 لم يكن أيّ من القوى في لبنان يجاهر بموقف يبرّر للعدو الصهيوني احتلاله وإرهابه، أما في العام 2015، فثمة قوى لبنانية تروّج لإرهاب «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، وفي أحايين كثيرة يتمّ تبرير الأعمال الجرمية والإرهابية لهذه المجموعات، تحت عنوان مساندة ودعم ما تسمّيه تلك القوى «الثورة السورية»، وهي التسمية الحركية للمجموعات الإرهابية.

لبنان الذي أنجز في العام 2000 تحريراً مذهلاً، بفعل المقاومة وتراكم تضحياتها، وُضع في دائرة الاستهداف من قبل «إسرائيل» والغرب وأذرعهما الإقليمية والعربية، فتمّ إصدار القرار 1559، واستتبع بتفجيرات إرهابية، وبخلق بيئة تجاهر بالعداء لسورية وتدعو إلى الانفكاك عنها، ومن ثم الهجوم على المقاومة والمطالبة بنزع سلاحها، وهذه البيئة تترجم راهناً مواقفها في السياسة اليومية تحريضاً فتنوياً لإبقاء حالة الانقسام قائمة، وأيضاً في مقاربة التهديدات المتأتية من المجموعات الإرهابية في جرود عرسال، وهي مقاربة تصل إلى حدّ اتخاذ المواقف المعلنة برفض أيّ مواجهة مع هذه المجموعات المتطرفة.

بالأمس وضع النائب سعد الحريري نفسه وفريقه في خانة «نصرة» عرسال، محذراً من أنّ «عرسال ليست مكسر عصا»، ومن «محاولات زجّ الجيش اللبناني في معارك». وتزامن موقف الحريري مع تقارير استخبارية وإعلامية ميدانية، دولية ومحلية عن تزايد أعداد عناصر «داعش» و«النصرة» في جرود عرسال التي هي امتداد لهذه المنطقة، ما يفسّر أنّ تصريح الحريري هو بمثابة وضع خطوط حمراء أمام أيّ مواجهة يخوضها الجيش اللبناني ضدّ هذه المجموعات الإرهابية المتعدّدة الجنسيات التي تحتلّ أرضاً لبنانية، آخذاً على عاتقه تشكيل ضمانة لهذه المجموعات الهاربة من جرود القلمون، تحت وطأة ضربات الجيش السوري والمقاومة.

تحذيرات النائب الحريري تعتبر تطوّراً خطيراً، ما يعني أنّ موقف تيار المستقبل وفريق 14 آذار قد اتجه من مرحلة الدعم لما يُسمّى «الثورة السورية» إلى مرحلة محاولة تشكيل ضمانة حمائية لمجموعات «النصرة» و«داعش» في جرود عرسال، وهذا لم يعد أمراً خافياً، وعلى قوى 14 آذار وتيار المستقبل تحديداً أنّ يقدّموا تفسيرات واضحة حول موقف الحريري الذي يملي على الجيش اللبناني طبيعة مهمّاته وكيفية تعامله مع التهديدات الإرهابية التي تواجه لبنان انطلاقاً من جرود عرسال التي هي أرض لبنانية، إضافة إلى أنّ هناك عسكريين رهائن في هذه المنطقة تختطفهم المجموعات الإرهابية.

والسؤال: ما هي الخطوات الواجبة للتخلص من تهديد المجموعات الإرهابية للمناطق البقاعية وأهلها، وخصوصاً عرسال، وللبنان عموماً؟

هنا أهمية وفاعلية معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي أثمرت تحريراً في العام 2000. فأهالي المناطق البقاعية، بكلّ، شرائحهم مستنفرون إلى جانب الجيش، والمقاومة مع الجيش السوري تكفلت بقطع خطوط الإمداد، وهي تحاصر المسلحين في جرود عرسال، في حين أنّ الجيش اللبناني معنيّ بتحرير جرود عرسال من الإرهابيين لحماية لبنان ومناطقه. والفرصة الآن متاحة أمامه لتحقيق إنجاز نوعي كبير يحمي أمن لبنان واستقراره، وفقاً لـ«أمر اليوم» الذي أصدره قائد الجيش العماد جان قهوجي، وهو توجيه واضح يتطلب ترجمة على أرض الواقع. ومطلوب من الحكومة اللبنانية أن تتحمّل مسؤولياتها كاملة، وليس مقبولاً أن تنأى هذه الحكومة عن مسؤولياتها طالما أنّ هناك تهديداً إرهابياً خطيراً من شأنه دفع لبنان إلى أتون النار الملتهبة في عموم المنطقة والإقليم.

المقاومة والتحرير مهمّات آنية ومستقبلية، وإذا كانت المقاومة مسنودة من الجيش والشعب قد رسّخت معادلة الردع جنوباً، فعلى الجيش المسنود من الشعب والمقاومة أن يسرّع الحسم بقاعاً… فإلى جرود عرسال درّ.

مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى