المبادرة الفرنسية والفاتيكان والمفاوضات؟

رامز مصطفى

في تزامن بعيد عن المصادفة، تطفو على سطح الجهود المبذولة دولياً المبادرة الفرنسية واعتراف الفاتيكان بالدولة الفلسطينية، من أجل دفع كلّ من السلطة الفلسطينية و«إسرائيل»، للعودة إلى طاولة المفاوضات. تزامن لربما يمهّد الطريق أمام جهود أميركية يعد أصحاب البيت الأبيض بتنشيطها بعد حزيران المقبل، أيّ بعد الانتهاء من إنجاز الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول الـ5+1.

المبادرة الفرنسية وما سُرّب منها في وسائل الإعلام في مكوّناتها ومضامينها جاءت لتتحدّث أساساً في نقاط ليست في مجملها تحمل مخاطرها على القضية الفلسطينية:

أولاً: البحث عن حلّ عادل ومتزن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وتشدّد على أنّ ذلك سيكون مستنداً إلى «آلية تعويض».

ثانياً: «تطبيق مبدأ حلّ الدولتين لشعبين، مع مطلب الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل».

ثالثاً: وتنصّ على أنّ القدس تبقى عاصمة للدولتين.

رابعاً : إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 منزوعة السلاح.

خامساً: تبادل مناطق بمساحات متفق عليها، وتستجيب للاحتياجات الأمنية «الإسرائيلية».

سادساً: مطالبة الطرفين بوضع معايير تضمن أمن «إسرائيل» وفلسطين، وتحافظ بشكل ناجع وفعّال على الحدود، وتصدّ الإرهاب وتدفق الوسائل القتالية، وتحترم سيادة دولة فلسطين المنزوعة السلاح، والانسحاب الكامل للجيش «الإسرائيلي» على مراحل خلال فترة انتقالية يتمّ الاتفاق عليها.

سابعاً: تطبيق مبدأ حلّ الدولتين لشعبين، مع مطلب الاعتراف بالطابع اليهودي لـ«إسرائيل».

ثامناً: في حال فشل المفاوضات بين الطرفين، والتي ستستمرّ مدة لا تتجاوز الـ 18 شهراً. فإنّ الحكومة الفرنسية ستعترف رسمياً بالدولة الفلسطينية.

المبادرة الفرنسية بما احتوته من عناوين لا تبتعد كثيراً عن تلك الأفكار التي تسعى وراءها إدارة الرئيس أوباما منذ زمن بعيد إلى تسويقها عند الطرف الفلسطيني قبل الطرف «الإسرائيلي». تارة بزيادة حجم المساعدات المالية، وتارة أخرى بالضغوط المالية والسياسية. وهي بالتالي ليست بعيدة عما يجهد بشأنه نتنياهو ومن خلفه مكوّنات الكيان وأحزابه السياسية والدينية، الذين يتقاطعون عند مطلب الاعتراف الفلسطيني بـ«يهودية الدولة»، بل ويصرّون عليه شرطاً مسبقاً لحلّ الدولتين وهذا ما أكد عليه رئيس وزراء حكومة الكيان خلال استقباله وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي موغريني، قائلاً إنه «على استعداد لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين لكن إنْ اعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنها دولة يهودية». وبالتالي شطب ملف اللاجئين الفلسطينيين، أيّ حق عودتهم إلى ديارهم التي طردوا في العام 1948. وهذا جوهر المبادرة الفرنسية، وبمعنى آخر فإنّ المبادرة ستمثل اصطفافاً أميركياً فرنسياً «إسرائيلياً»، في مواجهة السلطة ومفاوضيها، الذين سيجدون أنفسهم محاصرين بضغوط أميركية وأوروبية خدمة للرؤية «الإسرائيلية» وحكومة نتنياهو. ولا يُستبعد أن تصطفّ إلى جانبهم كلّ من مدريد ولندن بعد أن تسلمتا من باريس نص المبادرة، وإنْ بشكل غير رسمي. ويزعم أصحاب المبادرة أنّ الهدف من ورائها هو العمل على إنجاز تسوية نهائية لا موقتة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين». وطريفها أنّ طرح المبادرة وتوقيتها يتصل بحرص فرنسي رسمي أن تتمّ التسوية قبل انتهاء ولاية الرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا هولاند!! وبذلك يودّ هولاند أن يحذو حذو الرئيس أوباما الذي يطمح أن يحقق إنجازاً استراتيجياً في إنهاء الملف النووي الإيراني. متناسياً أوباما أنّ التاريخ أيضاً سيسجل له إنجازاً استراتيجياً آخر هو تفتيت العالم العربي وإدخال دوله في أتون صراعات عرقية وطائفية ومذهبية، لا أفق لانتهائها، أو الخروج منها.

وفي المقلب الآخر يأتي اعتراف الفاتيكان بالدولة الفلسطينية في ذات التوقيت، ليؤشر بشكل أو بآخر أنّ الفاتيكان مطلوب منه دور ليلعبه في هذا السياق. والاعتراف يقع في خانة الأدوار أو الجهود المبذولة على غير صعيد أو مستوى بخصوص دفع العملية التفاوضية بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» قدُماً نحو الجلوس مرة جديدة حول طاولة المفاوضات، ومحاولة القول إنّ خطوة كهذه يجب ألاّ تُعطى أهمية كبيرة، وهي لم تتعدّ كونها خطوة معنوية أراد بابا الفاتيكان فرنسيس أن يُظهر من خلالها نوعاً من التعاطف مع معاناة الفلسطينيين. وهذه مقاربة غير مقبولة، على اعتبار أنّ الفاتيكان والبابا على رأسه يتجاوز سلطته الدينية إلى لعب أدوار سياسية. وما أظهرته نتائج المباحثات التي جرت بعيداً عن الأضواء بين الكوبيين والأميركيين، والتي أفضت إلى تحسّن ملحوظ في العلاقات، قد تنهي في القريب عقوداً من القيطعة بين البلدين. يؤكد أنّ الفاتيكان والبابا فرنسيس قد يلعبان دوراً ما في العملية السياسية إلى جانب أطراف دولية وحتى إقليمية. وهذا ما أوضحه السيناتور الأميركي ديربن لوكالة «رويترز» حين قال: «لعب الفاتيكان دوراً كبيراً». وأضاف أنّ الكاردينال خايمي أورتيجا كبير أساقفة هافانا شارك أيضاً في الجهود الديبلوماسية.

لقد عوّدتنا المبادرات أو الخطوات أو الأدوار التي تُقدِم عليها الدول، أو تلعبها المرجعيات الدينية في ما يخصّ القضايا ذات الحساسية العالية في المستوى الاستراتيجي. أن تكون بالمصادفة، أو بنت لحظتها، أو خطوات ومبادرات وأدوار منفردة وغير منسّقة. بل هي مشغول عليها بإحكام وإتقان بين دوائر دولية ذات أوزان مؤثرة أو فاعلة. ولكن المؤسف، بل والكارثة أنّ هذه الحراكات السياسية جميعها لا تلحظ أو تأخذ في الحسبان المصالح الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. والسؤال هل لأنّ هذا العالم المتمدّن من طبائعه الظلم؟ نعم قد يكون ذلك وسياق مظالمه بادية في كلّ مكان تقع يده عليه. ولكن الضعف والوهن والرهانات الفاشلة على الآخرين واللهاث وراء سراب الوعود على حساب الحقوق هو من شجع ويشجع كلّ هؤلاء في التجرّؤ على حقوقنا التاريخية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى