فرنسا والبحث عن موقف من قضية سورية خلال الحرب العالمية الأولى ٢

بحث أعده كريستوفر أندرو من جامعة كامبريدج، ود.أ.س. كانيدوز من جامعة يورك أونتاريو ونشر في مجلة رولاسيون إنترناسيونال العدد 19 خريف 1979.

ترجمة ماجد حلاوي

هبوط النفوذ الفرنسي 1916 1918

لم يدم التفاؤل الذي كان صيف 1916 طويلاً، فمع انحطاط وسقوط النظام القيصري، فقد الوعد بالدعم الروسي من أجل إعادة التفاوض على الاتفاقات المعقودة بين الحلفاء كل قيمته. وفي الوقت نفسه، كان النفوذ الفرنسي في سورية يتلاشى من دون انقطاع لمصلحة إنكلترا.

كان ضعف الوجود العسكري الفرنسي هو السبب الأول لهذا التلاشي، ففي عشية الهدنة كانت القوّة العسكرية الفرنسية في سورية وفلسطين تضمّ 3000 أرمني، 3000 سنغالي، و»800 فرنسي كانوا قد أعطوا عهد شرف بأنهم لن يقاتلوا» 1 .

ولم تكن هذه القوة إلا لتعزّز الامتناع عن القيام بعمل مسلح. فقد طالبت لجنة العمل الفرنسية في سورية على الفور، بعيد تشكيلها في حزيران 1916، بإنزال فرقة عسكرية على الشاطئ السوري لإظهار فاعلية الوجود الفرنسي ولمدّ يد العون للسكان المهدّدين بخطر المجاعة 2 على حدٍّ سواء. إلّا أن العقبة الكبيرة في 1916، وهي سنة فردان كانت أزمة تعدّد القوات المسلحة. أمّا إنكلترا، فهي لم تكن فقط أقل انشغالاً بجبهة فرنسا خصوصاً بعد مجيء لويد جورج «المشرقي»، رئيساً للوزارة بل كانت على النقيض من فرنسا، كانت تملك وحدات مسلحة هائلة العدد مجندة من أنحاء الإمبراطورية البريطانية كافة. وكانت إنكلترا معتادة منذ ربع قرن من الزمان على اعتبار الهند، على حدّ قول اللورد سالزبوري «ثكنة إنكليزية في البحار الشرقية حيث نستطيع سحب أي عدد من القوات من دون أن ندفع لهم». وفي آب 1914 كان ثمة 240.000 هندي تحت السلاح. وكانت الهند تؤمّن أكثر من نصف عدد القوات البريطانية المرسلة إلى بلاد الرافدين وأكثر من ثلث الجيش البريطاني المرسل إلى فلسطين. لكن الحكومة الفرنسية، في المقابل، لم تبدأ باعتبار إمبراطوريتها كخزّان للرجال إلا خلال الحرب الكبرى.

كان الطرف «السوري» يسعى إلى حلّ المشكلة التي طرحتها أزمة تعداد القوّات المسلّحة، بالإصرار على إرسال عدد ضئيل من القوات الضرورية 3 . غير أنّ قيادة الأركان بقيت مرتابة، فقد كانت على وجه العموم تشكّك بوعود المشرقيين 4 . وحتى لو سلّمت قيادة الأركان بإمكان القيام بإنزال يقتصر على لواء مختلط قوامه 6000 إلى 8000 رجل يعزّزون لاحقاً بقوّات متمرّدة، فهي كانت تجد عقبات لا يمكن تذليلها في المجالين العسكري والبحري على حدٍّ سواء 5 . وقد كانت النداءات المتكررة للجنة العمل الفرنسية في سورية وفي وزارة الخارجية، تواجه نفس الصعوبات.

كان الطرف السوري يعتبر أن فشل نداءاته يهدّد مستقبل سورية الفرنسية نفسه «في كل هذا الشرق حيث تعود الأهمية للقوّة وحدها تقريباً، يأخذ عدم فعاليتنا معنى الاستسلام» 6 . وقبل نهاية عام 1916 كانت آمال الصيف قد زالت فمع احتمال قيام هجوم إنكليزي على فلسطين، كان الأمل لدى «السوريين» بتحسينٍ لاتفاق سايكس بيكو يضمحل بوضوح، وكانت المنطقة المعطاة إلى فرنسا بموجب الاتفاق تبدو مهدّدة لاصطدامها بطموح الأنغلو مصريين الذين بحسب قول فلاندان: «يحفظون الأمل بأن احتلالاً إنكليزياً وإنهاك فرنسا بعد الحرب قد يجعلانا نتخلى عن سورية من أجل تعويضات غامضة». ومنذ نهاية 1916 أصبحت الأولوية عند الجناح «السوري»، لم يتخل عن حملته من أجل سورية موحدة إلا أن تشاؤمه كان يتصاعد. ففي حديث مع ممثل لسايكس في نيسان وشى بيكو على أنه «مغفل قد ضلّل فرنسا». ولقد لوحظ في بدء خريف 1917 وجود اتجاهين في وسط الجناح «السوري». المتصلبون أمثال فلاندان وليغ والمعتدلون أمثال دوكي وبيكو الذين سوف يقبلون في النهاية بالرضوخ إلى قبول خسارة فلسطين.

إن المخاوف من المطامع الإنكليزية في سورية حصراً لم تكن مبنية على أسس غير واقعية. فقد كتب سايكس في تشرين الثاني 1916 قائلاً: «إن جماعتنا في مصر ما زالت تعتقد بأن ثمّة أملاً بسورية». ولم يكن الأنغلو مصريين وحدهم يعقدون الأمل في سورية إنكليزية، إذ أنه حتى عشية الهدنة لم يكن لويد جورج قد فقد الأمل كلياً. ففي 3 تشرين الأول 1918 أعلن لمجلس الحرب أن إنكلترا قد ربحت الحرب في الشرق الأوسط، وأنه لم يعد هناك بالتالي أي سبب وجيه لإعطاء سورية لفرنسا 7 .

إن ضعف الطموحات الفرنسية بالنسبة إلى الطموحات الإنكليزية لاستحواذ منطقة الشرق الأوسط لم يكن ظاهراً في مجال القوّة العسكرية فقط، بل أيضاً في مجال تقديم الحجج لتبرير هذا الطموح. فمنذ دخول الولايات المتحدة الحرب في نيسان 1917 أصبح النظر في أمر الشرق الأوسط على الطريقة الإمبريالية القديمة أمراً مستحيلاً. ومنذ ذلك الحين كان على فرنسا وإنكلترا أن تظهرا بوضوح على الأقل للرئيس ويلسون بأن طموحاتهما التوسعية كانت تتوافق مع أماني أهل البلاد. وفي هذا الصدد كان الإنكليز في وضعٍ أفضل بكثير من الفرنسيين إذ كانوا متحالفين ليس فقط مع الأمير فيصل والعائلة الهاشمية والتي كانت الناطق الرسمي وقتذاك لدعاة القومية العربية، ولكن في الوقت نفسه وبضرب من المستحيل مع وايزمن وشركائه، الناطقين الرسميين باسم الحركة الصهيونية. أما حلفاء فرنسا فكانوا يقتصرون بجلاء على المسيحيين اللبنانيين الذين دائماً ما كانوا يخشون كالعادة السيطرة الإسلامية، وقد بُذلت جهود متأخرة في عام 1917 لفصل الصهاينة عن وفائهم للإنكليز إلا أنها باءت بالفشل. وعليه أصبحت مشكلة الجناح «السوري» ووزارة الخارجية بالتالي هي إظهار تعلق سورية الإسلامية والمسيحية على حدٍّ سواء بفرنسا.

وفي هذا السبيل، أسس شكري غانم وجورج سمنة، رئيسا اللجنة اللبنانية من قبل الحرب على رغم كونهما حائزين الجنسية الفرنسية اللجنة المركزية السورية في أيار 1917 للقيام بحملة لمصلحة «تحرر الشعب السوري في ظلّ حماية فرنسا». ومن أجل إظهار تعلق السوريين بفرنسا حددت اللجنة لنفسها هدفاً هو تجنيد جحفل سوري كبير من وسط الجالية السورية في المهجر علـى الأخصّ في أميركا الجنوبية كي يقاتل تحت قيادة فرنسية. وكانت هذه اللجنة كما جاء في تأكيد وزارة الخارجية إلى الأمن العام الفرنسي لم تكف عن الاستئناس «بإرشاداتنا الرسمية» كما كانت تتهم في الوقت نفسه من قبل أعدائها بأنها «باعت نفسها لدعاة الاستعمار الفرنسي» 8 .

وعلى رغم ما تقدم فلم تبلغ اللجنة المركزية السورية هدفها. فهي لم تكن تمثل طموحات غالبية اللبنانيين. ولأنها كانت تدعم مخطط وزارة الخارجية الداعي إلى اتحاد فيدرالي سوري يضمّ لبنان كبير ينعم بالاستقلالية. أما البطريرك والوجهاء الموارنة فكانوا على العكس يشددون على انفصال تام للبنان عن سورية. لكن لا وزارة الخارجية ولا الطرف السوري كانا ليسلما بأن اللجنة لم تكن تعبر عن الإدارة السورية. ففي تشرين الأول 1917 كان دومارجوري لا يزال واثقاً من أن عملية التجنيد التي بدأتها اللجنة في أميركا الجنوبية والتي كانت تتلقى الدعم المالي من وزارة الخارجية سوف تؤدي إلى «صهر مختلف تجمعات الجالية السورية في أميركا الجنوبية في وحدة يسودها الولاء تجاه فرنسا». لكن النتيجة كانت مغايرة تماماً. فقد كتب بول كلودين من ريو دي جينيرو ما يلي: «لقد كانت محاولة التجنيد التي جربت إخفاقاً تاماً من حيث الكمية والنوعية» 9 .

وكان الأمر كذلك بالنسبة إلى محاولة خلق حركة رأي تعمل لمصلحة اتحاد فيدرالي سوري، «تحت حماية فرنسا» والتي قامت بها اللجنة المركزية السورية فقد ظهرت على أنها فشل تام أيضاً. إلا أنه مع ذلك، كان على الخارجية الفرنسية أن تقدم شكري غانم رئيس اللجنة في مؤتمر السلام، على أنه الناطق الرسمي المأذون له باسم الشعب السوري 10 .

مفاوضات سلام وغزو 1918 1920

إن الطموحات الفرنسية في سورية التي حددها حتى الآن ضعفها العسكري وافتقارها إلى مؤيدين مسلمين كان يهددها أكثر من ذلك، منذ بدء مفاوضات السلام، التي كان المفاوض الرئيسي باسمها هو جورج كليمنصو، والذي وصفه بول كامبون في رسالته إلى كرفين شارم في 9 تشرين الأول 1918 بقوله: «كليمنصو لا يهتم أبداً بالشرق، لقد قال لأخي: إنها مجرد أدبيات، وبما أنه لا يوجد أحد سواه في الحكومة فإننا نترقب مشاكل جسيمة وخيبات كبيرة» 11 .

لم يعد كليمنصو ذلك المقاوم الكبير للاستعمار كما في سنوات 1880 لكنه بقي، وفقاً لاعترافه الخاص «الأقل تأييداً للاستعمار بين جميع الفرنسيين» 12 . كما كان بالإضافة إلى ذلك شديد الجهل بشؤون الشرق. فقد سأل أول بعثة لبنانية آتية إلى مؤتمر السلام قائلاً: «من منكم أيها السادة يتكلم الفرنسية؟» 13 .

كانت استراتيجية كليمنصو، منذ بدء مفاوضات السلام، قائمة على تقديم «تنازلات إلى حلفائه في المسائل الأخرى حتى يكسب مساعداتهم في المسائل الرئيسية» 14 . إن هذه الاستراتيجية هي التي تفسّر بلا شكّ التنازلات التي قام بها كليمنصو في مؤتمر لندن في بداية كانون أول 1918. ووفقاً للويد جورج: «سألني كليمنصو ما الذي أريده بالتحديد من الفرنسيين. فأجبت فوراً بأني أريد الموصل ملحقة بالعراق، وأريد فلسطين من دان إلى بئر السبع تحت السيطرة البريطانية. وقد قبل من دون أيّ تردّد» 14 . لكن ما هي التنازلات التي قام بها لويد جورج في المقابل؟ إنه لمن المؤكد أن كليمنصو، نظراً إلى استراتيجيته العامة، قد بدأ متساهلاً في الشرق الأوسط آملاً بتسوية متوقعة للرين، هدفه الأساسي في الحرب. وقد حصل كليمنصو، وفقاً لتارديو، على ضمانة بشأن هذا البديل 15 .

وقد كان معلوماً أيضاً لكليمنصو أن إنكلترا في مقابل فلسطين والموصل، سوف تدعم بلا تحفظ المطالب الفرنسية في سورية وكيليكيا وإنها سوف تتقاسم مع فرنسا نفط الموصل 16 .

إن الغموض الذي أحاط بهذا الاتفاق يعود أساساً وبلا شك إلى مناورات لويد جورج. إلا أن دبلوماسية كليمنصو الخرقاء هي التي جعلت تلك المناورات ممكنة. لقد مارس رئيس الحكومة دبلوماسية شخصية من دون علم وزارة الخارجية التي لم تحط علماً بالنتائج إلا بعد بضعة أسابيع. كذلك فقد رفض تدوين الاتفاق رسمياً . وجاء في ملاحظة لبيير تولو: «يقول السيد كليمنصو إننا إذا أردنا تدوين الاتفاق فنحن نخشى حصول تنصّل من قبل الحكومة الإنكليزية التي تخشى الآسيويين». لكن السيد لويد جورج قد أخذ على أية حال، تجاه رئيس الحكومة الفرنسية، المسؤولية المباشرة لتلك التصاريح الشفهية وإن السيد كليمنصو سوف يستخدمها عندما يحين الوقت» 17 .

لم تؤدِ محاولات كليمنصو لتسوية مفاوضات السلام حول سورية إلا إلى تسميمها فقد كان حانقاً للغاية على «إنكلترا المخادعة» وقد صرح في آذار 1919 قائلاً: «لويد جورج مخادع» 18 . لكن كليمنصو اعترف بعجزه عن «إيقاف صيحة دعاة الاستعمار» 19 . وقد أقنعته هذه الصيحة بأن الرأي العام الفرنسي قد لا يرضى أبداً بسورية إنكليزية وأنه يجب بالتالي أن تكون سورية فرنسية.

لقد تخلى كليمنصو عن السياسة السورية لوزارة الخارجية، وذلك بعد تدخله الأول في المفاوضات الجارية حول الشرق الأوسط وما تبعها من منازعات، وكان الرئيس الفعلي لهذه الوزارة ليس بيشون وإنما بيير تولو الذي أصبح عام 1919 مديراً للشؤون السياسية والتجارية. وقد بنى بيير تولو «خططه الخاصة بحلّ مشاكل الشرق» على مذكرة كتبها دوكي 20 ، الذي أدخله بيير تولو عام 1916 إلى الوزارة للعمل في قسم الصحافة، وقد أمّن دوكي لنفسه فيها مركزاً ملحوظاً. حيث أصبح مع نهاية الحرب المستشار الأكثر حظوة لدى بيير تولو في السياسة السورية على رغم بقائه، بحسب اعترافه الخاص، «عضـواً عامـلاً في لجنة آسيا، الفرنسية» 21 . وقد كان دوكي، بسبب دعمه من قبل بيير تولو قادراً على فضح ضعف السياسة الرسمية جهاراً لإقناع الإنكليز بأن الرأي العام الفرنسي قد لا يسمح بأي تنازل جديد 22 . وفي نهاية عام 1919، عيّن دوكي أمين سر عاماً للمفوضية العليا في سورية. وقد ترك الجنرال غورو المندوب السامي في سورية، والذي كان أيضاً عضواً في جمعيات استعمارية عدة والذي انتقي كونه متألقاً بارزاً، زمام الأمور السياسية إلى دوكي، وقد اقتنع دوكي من دون صعوبة 23 . وحتى عام 1916 كان قد اعتبر الموصل، وهي «منطقة بعيدة وصعبة البلوغ»، كعملة تبادل، وقد كان منذ وعد بلفور، قد فقد ثقة بفلسطين فرنسية 24 .

وقد تنازلت وزارة الخارجية بعدم مطالبتها إلا بالانتداب للبنان وما كان قد تبقى في سورية. وإذا كانت البعثات اللبنانية مستعدة للقبول بالانتداب الفرنسي رافضة أي اتحاد فيدرالي مع سورية ، فقد كانت المشكلة الكبرى الرامية بضغطها على الوزارة بخصوص السياسة السورية خلال عام 1919، هي التفاهم مع الأمير فيصل 25 . إن الاستراتيجية التي أعدّها دوكي في خريف 1919 قد ركزت على ضرورة حصول تفاهم مسبق مع إنكلترا كشرط للاتفاق مع فيصل إذ أنه طالما كان الأمير فيصل يأمل بدعم إنكليزي فهو لم يكن أبداً ليستسلم إلى الانتداب الفرنسي 26 . وفي تشرين الأول، أعلمت الحكومة البريطانية فيصل عن وجوب سعيه إلى اتفاق مع فرنسا. وبموجب اتفاق تم في 6 كانون الثاني 1920، قبل فيصل بحماية فرنسية حقيقية مغطاة بانتداب كما قبل بإنشاء لبنان كبير. ولقد حاول فيما بعد الادعاء بأنه لم يكن قد رضي إلا بنقل عروض فرنسية إلى سورية. ولكن يبدو جلياً بأنه كان قد أعطى موافقته الشخصية على المسألة. وقد اشتكى إلى أحد الضباط البريطانيين قائلاً: «موقف السلطات البريطانية لم يترك له أي خيار… وإنه قد سُلمّ مكبلاً من رجليه ويديه إلى الفرنسيين» 27 .

وبعد عودته إلى سورية رضخ فيصل لمعارضة أنصاره ونفى الاتفاق. وفي 8 آذار، نصّب مؤتمر وطني عقد في دمشق فيصل ملكاً على سورية موحدة بما فيها فلسطين ولبنان. لكن مع الاستقلالية اللبنانية في شؤون السياسة الداخلية ، وتحرّكت فرنسا وإنكلترا بالدعوة إلى اجتماع للمجلس الأعلى لعصبة الأمم التي قسّمت وحدة سورية إلى 3 انتدابات: انتداب فلسطين وعهد به إلى إنكلترا، وانتدابا لبنان وسورية اللذان منحا إلى فرنسا، إلا أن غورو لقلقه من عدم كفاية قواته المسلحة، فقد كان استعداده ضعيفاً للقيام بهجوم لفرض الانتداب على فيصل. لكن وزارة الخارجية كانت عازمة على الانتهاء من الأمر. فتم استدعاء دوكي إلى باريس وكلّف بكتابة تعليماته إلى رئيسه الخاص. وقد اعترف دوكي، بأنه هو الذي دفع غورو «مستعجلاً إياه» للزحف إلى دمشق 28 .

مع سقوط فيصل، عاشت سورية الموحدة وكذلك عاشت بعض أوهام الحزب السوري، أن أنصار وحدة سورية الرئيسيين وهم ضحايا دعاوتهم، كانوا قد أقنعوا أنفسهم في بداية الحرب بأن «وجودنا راسخ منذ قرون عدة في سورية وفلسطين 29 . ولم يعد إذن على فرنسا إلا بأن تطالب بما كانت تملكه أصلاً. وكان دوكي وهو مهندس غزو 1920، قد قال إنه لن يكون ثمة «أي جهد للغزو إذ أنه لن يكون علينا في المشرق إلا أن نقطف ثمرة 7 قرون من الجهود الفرنسية» 30 . لقد كانت السياسة الفرنسية في سورية مبنية على الأوهام كما كانت مبنية على الطمع. وهكذا يكون الأمر بالنسبة إلى أية إمبريالية. وقد فهم ذلك جيداً اللورد بيتر ويمسي، رجل المباحث الإنكليزي الشهير إذ قال: «عندما تدخل الإمبراطورية من النافذة، يخرج المنطق من الباب» 31 .

مراجع

1. ليغ إلى برييان، 9/9/1916، ش.خ.أ. حرب 874.

2. اجتماع لاستعماريين عقد في مؤسسة الجغرافيا في 28 حزيران صوّت بناء على اقتراح لروبير دوكي القرار التالي: «لتتابع الحكومة بحزم، ومن دون انتظار، مفاوضات من أجل ضم فلسطين. بما فيها حيفا إلى المنطقة الفرنسية المستقبلية مع تحفظ تجاه النظام الخاص الذي سوف يتم إنشاؤه في الأماكن المقدسة وبالتخلّي، إذا لزم الأمر، عن جزء من التوسّع الذي قد يحفظ لنا في منطقة الموصل البعيدة والصعبة الوصول». م و قسم الخرائط والتصاميم ، سجلات مؤسسة الجغرافيا، الطردان 16 و24. أندرو وكانيا فوستنر، «فرنس كولونيال دور آيمس»، استشهاد محلي، الصفحات 88 إلى 91.

3. المحاضر الرسمية للجنة الشؤون الخارجية مجلس النواب ، 25/9/1918. سجلات وطنية ك 7491.

4. مذكرة لجنة العمل الفرنسية في سورية قدمها فلاندان ، 29/7/1916، شؤون خارجية أوراق جول كامبون 18.

5. وفقاً للجنة العمل الفرنسية في سورية، «إن إنزال وحدة عسكرية فرنسية مهما كانت صغيرة، فهو بالإضافة إلى أنه قد يؤمن نجاة اللبنانيين بانتزاعهم من أحضان الجوع، قد يجمع حول العلم ذي ثلاثة ألوان أي: العلم الفرنسي قوات متمردة. قد يبلغ مجموعها، وفقاً لحسابات السيد إدّه ضابط مترجم في روواد ومحمي من قبل فلاندان التي يعلن هذا الأخير تدقيقه فيها بصرامة، عدداً لا يقل عن 148000 رجل مسلح». المصدر نفسه.

6. «إن المشرقي بالإجماع مخادع وكاذب، بل إن هاتين الكلمتين ليس لهما لديه بالأحرى المعنى الواضح الذي تأخذانه في الغرب. لا جدوى من الدعوة إلى الاستقامة وإلى الخدع». قيادة الأركان، المكتب الثاني، قسم الشرق، «بريف إنديكاسيون سور بوبولاسيون دولوفان»، نيسان 1915، ق.ث.ج. القسم التاريخي للجيش ، 7 ن. 2082.

7. «سوف نضطر حتماً إلى تعزيز حملتنا العسكرية تدريجياً، بنسبة عدد القوات المسلحة وقوات المدفعية التي سوف يجابهنا بها العدو. وسوف تكون هذه، شئنا أم أبينا، بداية مسرح جديد للعمليات لن تبقى أهميته وقفاً على إرادتنا، بل على إرادة العدو. على أي حال، فإن التمويل اليومي لفرقة الإنزال، حتى لو اقتصرت هذه الفرقة على لواء مختلط، كما أن التمويل اليومي لعدد من السكان يبلغ 200.000 نسمة، يمثلان ما لا يقل عن 600 طن. سوف تقرّ البحرية طبعاً باستحالة تأمينها لهذا الجهد الجديد». قيادة الأركان، قسم أفريقيا والشرق، «بروجي دانتر فانسيون آن سيري»، 26/1/1917، س.هـ.أ. 7 ن 2144.

8. دو مارجوري، «نيسيسيتي دون أوبيراسيون إن سيري»، 16/7/1917 ش. خ. أوراق جول كامبيون 18.

9. على إثر اجتماع لجنة آسيا الفرنسية قدم برييان فيه الاتفاق على أنه موقت في 20 كانون الأول 1916، نقل دوكي إلى صديقه بيرتولو ما يأتي: «لقد رأيت ويبقى هذا الأمر بيننا أن اللجنة، على رغم رغبتها بضم فلسطين إلى سورية، قد تفضل التريّث بشأن مسألة فلسطين وأن تحظى بعقد قطعي يعطينا سورية من شمال حيفا على أن يبقى كل شيء معلقاً وذلك من أجل تسهيل عملية المطالبة بفلسطين «دوكي» نوث بورموسيو فيليب بيرتولو. 1/1/1917، ش. خ. حرب 875.

10. سايكس إلى غراهام، 15/4/1917، كلية سانت أنطوني، أوكسفورد، أوراق سايكس.

11. سايكس إلى هاردينغ، 21/11/1916، بروفو 371/2779. س روسكيل، «هانكي مان وف سيكريتس»، لندن 1970-1974، جزء أول، الصفحتان 606 607.

12. بيشون إلى سوريتي، 5/4/1918، ش. خ. حرب 886. أندروا وكانيا فورستنر، فرانش كولونيال دور آيمس»، استشهاد محلي، الصفحة 94.

13. ماجوري، «نوت بورلومينيستر»، 26/10/1917، كلوديل إلى بيشون، 1/4/1918، ش. خ. حرب 879 و866.

14. إن مثول غانم أمام مؤتمر السلام في 13 شباط 1919 كان كارثة بالنسبة إليه كما كان كارثة بالنسبة إلى الكي دورسي. وتبعاً لشاهد أميركي: «تكلم كليمنصو إلى بيشون مائلاً برأسه فوق كتفه… هامساً كما على المسرح بطريقة فظة: «لماذا أحضرت هذا الرجل هنا على كل حال؟» فقال بيشون: «لم أعلم بأنه سوف يتصرف بهذه الطريقة». وقد كان الأمر تماماً بمثابة إنشاء غير مقصود». ج. ث. شوتويل، «آت ذي باريس بيس كونفيرنس»، نيويورك، 1937، الصفحة 178.

15. ب. كامبون، «كوريسبوندانس 1870 1924»، باريس، 1940 1946، الجزء الثالث، الصفحة 275.

16. ب. مانتو، «لي ديليبراسيون دو كونساي دي كاتر. 24 آذار 28 حزيران 1919»، باريس، 1955، الجزء الثاني، الصفحة 139.

17. ل. لوهيياك، «لو ليبان ألا كونفيرانس دوبي، 1919 1920»، أطروحة تاريخ، باريس إيكس نانتير، 1972، الفصل الثالث.

18. بوانكاري، «أو سيرفيس دو لا فرانس»، الجزء الحادي عشر، الصفحتان 10 و112.

19. د. لويد جورج، «ذي تروت إيباوت ذي بيس تريتيز»، لندن، 1922، الجزء الثاني، الصفحة 1038. روكسيل «هانكي»، الجزء الثاني، الصفحتان 28 29.

20. أ. تارديو، «موصول اي سي بيترول»، ليللوستراسيون، 19/6/1960.

21. مدونة عن محادثات كليمنصو لويد جورج، كانون الأول 1919 ، ش. خ. المشرق 1918 -1929، سورية لبنان 6. مدونة أ/ س عن تفاهم فرنسي انكليزي حول مسألة سورية، 10/2/1919 ش. خ. أ. 1096/6 رقم موقت .

22. مدونة 22/12/1918، ش. خ. المشرق 1918 1928، سورية لبنان 6.

23. بوانكاري، «او سيرفيس دو لا فرانس»، الجزء الحادي عشر، الصفحة 142.

24. هـ نيكلسون، «بيسمايكينغ 1919»، لندن، 1933، الصفحة 142.

25. دوكي، «لابي اي لاديفانس دو باتموان دو لا فرانس أن أوريان»، كانون الأول 1918 ، بيرتولو، «بلان دو راغلومان دي كيتيون دوريان»، 21 /12/ 1918 ش. خ. هـ 17 1 رقم موقت .

26. دوكي إلى؟، 4/11/1918، ش. خ. أوراق تارديو السلسلة الثالثة 67. دوكي، مثل بيكو، يستحق بأن يُعرف أكثر. فهو منذ فاشودا، كان في عداد فريق من الاستعماريين كان يسعى الى تحويل ديلكاسي هحو فكرة مقايضة مصر المغرب: كان على هذه المقايضة ان تُعطي الاساس لتفاهم ودي. انظر بشأن هذا الموضوع: كريستوفر اندرو، «تيوفيل ديلكاسي اند ذي مايكينغ اوف ذي انتانت كورديل». لندن ونيويورك، 1967.

27. دوكي، «ليتا بريزان دي كيستيون اورينتال اي لابي»، «لازي فرانساز»، شباط تموز 1919. «دوكيومنيس اون بريتيش فوريني بوليس 1919 1939، الجزء الرابع، الصفحتان، 229، 239.

28. لكن كانت ثمة مفاوضات معقدة لا يمكنا اعتبارها هنا حول الاشتراك الفرنسي في نفط الموصل وحول حدود فلسطين. المكان الذي نملك هنا لا يسمح كذلك بفحص المشاكل التي طرحتها في شمال سورية يقظة القومية التركية.

29. انظر اعلاه، الملاحظة رقم 13.

30. «… الانتداب الذي قد نحصل عليه هناك قد يكون صعباً للغاية. المقصود بلا شك هو ملحق لسورية، لكن لا يساورنا اي وهم: الاستعمار الصهيوني الذي لا نستطيع منع حصوله في الجنوب سوف يغير بصورة حتمية الوحدة الوطنية لسورية وفلسطين… سوف يتعرض المندوب الأوروبي في فلسطين لانتقادات وعقبات وإكراهات من كل نوع». لكن بدافع حرصه على حماية تفوق فرنسا اللغوي، فقد كان دوكي يفضل انتداباً بلجيكياً، هولندياً، اسكندينافياً أو حتى أميركياً على انتداب بريطاني. دوكي، «لا بي اي لاديفانس، دوماتريموان دولافرانس أو أوريان»، مذكور أعلاه في الملاحظة رقم 56.

31. بيرتولو فسّر كذلك ضرورة عقد اتفاق: «لقد قبل المؤتمر وبالتالي فرنسا بالأمير فيصل كممثل رسمي وكفء للعرب. وإن أي تفاهم منذ الآن مع فيصل يضمن لنا مركزاً حقوقياً لا ريب فيه في سورية، لا يستطيع الإنكليز ولا القوى الأخرى من الآن فصاعداً منازعتنا في الانتداب، وإذا واجهنا مقاومة من قبل عناصر عربية أخرى، فإن قمعنا لها لا يمكن أن يلاقي اعتراضاً من أحد». كليمنسو إلى غورو محور من قبل بيرتولو ، 30/11/1919، ش، خ، المشرق 1918 1929، سورية لبنان 19.

دوكي، «بروجي دون انتانت سور لاسيري»، 5/4/1919، س. هـ. أ. 6 ن 76.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى