الردّ جاء من جرود القلمون

جمال الكندي

تشهد الجغرافيا السورية هذه الأيام معارك كبرى تحت عنوان معارك ما قبل اجتماع «جنيف-3» ومحاولة صرف نتائج هذه المعارك في السياسة، بمعنى تحويل أي منجز ميداني إلى ورقة ضغط سياسة تقوي الجانب الحكومي أو المعارضة وقد شهد مثل هذا التصعيد في «جنيف-1» و«جنيف-2».

ومن أجل هذه الغاية فتحت جبهات معينة في الساحة السورية مؤخراً، وأنشأت لها غرف عمليات تديرها استخبارات دول إقليمية وعالمية وعربية تتوحد في غاية واحدة هي تفتيت كيان الدولة السورية مهما كلف الأمر.

هذه المعارك ضُخت لها أعداد كبيرة جداً من المسلحين في الجنوب والشمال السوري عبر دول الجوار السوري، فعين المحور المعادي لسورية هو تحقيق نصر ميداني معين، وإبرازه لسيدته أميركا قبل صدور أوامرها العليا بالتوقف وأعطاء الحلول السياسية المجال عبر «جنيف-3»، وذلك بالتوافق السياسي مع الروس، وهذا اليوم يقترب بعد إحساس كل القوى الداعمة للمعارضة والحكومة في الشأن السوري انه وبعد أربع سنوات من القتل والدمار كانت النتيجة التي وصلوا إليها انه لا غالب ولا مغلوب في الأزمة السورية، ونلحظ ذلك من خلال ما تصرح به الخارجية الأميركية ان لا حل عسكرياً في سورية، وإجتماع جنيف المقبل سوف يضع حداً لهذه المغامرات من قبل حلفاء اميركا في المنطقة.

لذا نرى هذه الإستماتة اليوم من قبل أعداء سورية للحصول على اوراق ضغط من خلال التقدم في الميدان السوري يفاوضون فيها الحكومة السورية عبر أدواتهم السياسة وأعني هنا الأحزاب المعارضة التي تأتمر بأوامر تركيا ودول الخليج، والتي باتت معروفة لدى الشارع السوري. ان فتح جبهة الشمال السوري عبر سيطرة المسلحين لمدينة إدلب وجسر الشغور لم يتم استثمارها من قبل المحور المعادي لسورية حسب ما خطط له، فلا منطقة عازلة كما كان يحلم أردوغان صباح مساء تحققت على الأرض ولا تمكين لمسلحين كجغرافيا ثابتة في المنطقة، فالجيش السوري يقوم بعمليات استنزاف كبيرة للمسلحين وقطع جميع خطوط إمداهم وحصرهم في مواقع معينة يسهل الانقضاض عليهم وهذا أدى الى منع تقدمهم الى الساحل السوري .

وهنا يأتي الرد السوري سريعاً لقطع ما كان يدبر لها قبل «جنيف-3» في الغرف السوداء، فكان العنوان السوري الجديد هو فتح معركة جرود القلمون مع المقاومة اللبنانية ضد جبهة النصر المدعومة من تركيا والخليج، والتي باعتقادي كانت الرد الحاسم والمدمر لمشروع الحلف المعادي لسورية. عملية جبال القلمون كانت سريعة ومفاجئة وصاعقة على المسلحين ومموليهم وذلك لدقتها وتحقيقها الأهداف المرسومة لها بعزل المسلحين في هذه الجرود وقطع التواصل مع مسلحي الزبداني ومسلحي جرود عرسال اللبنانية، وهذا تحقق في زمن قياسي حيّر الرؤوس التي تدير غرف عمليات خراب سورية، فجرود القلمون لها أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة الى العاصمة دمشق فهي تعتبر خاصرتها الرخوة ومنها يأتي التهديد المستمر للعاصمة دمشق من قبل المسلحين، وبالقضاء عليهم يتم تأمين دمشق بنسبة كبيرة جداً ويصبح اسقاط العاصمة وحصارها من الماضي الذي لم ولن يتحقق بفضل سواعد رجال الجيش العربي السوري وقوى المقاومة اللبنانية.

هذا هو رد سورية السريع لما تم الاتفاق عليه بين الأتراك وبعض الدول الخليجية في مرحلة ما قبل «جنيف-3»، وهي رسالة من محور المقاومة مفادها أن للجيش السوري حلفاء لن يسمحوا بسقوط سورية لقمة سائغة بيد الإرهاب وداعميه، وزيارة وزير الدفاع السوري الأخيرة لأطهران بعد سقوط مدينة إدلب وجسر الشغور غيرت المعادلة على الأرض وجاء الرد من سلسلة جبال القلمون، والتي نرى سيطرة الجيش السوري وقوى المقاومة لها حقيقة على الأرض لطالما تبجح المسلحون وداعموهم بعدم قدرة الجيش السوري وحلفائه من تحقيق اي إنجاز في قلعة المسلحين حسب زعمهم.

الرد السوري مع المقاومة في القلمون كان مزلزلاً، فالتقدم الكبير في سلسلتها الجبلية كانت صفعة قوية للدول الداعمة للمعارضة المسلحة، فتطهير هذه الجرود الممتدة الى جبال عرسال اللبنانية سوف ينهي مشروع كسر المقاومة في المنطقة، والتهديد الحاصل لمدينة دمشق وهذا بدوره يفشل مشروع استثمار سيطرة المسلحين في الشمال السوري لأن التقدم الحاصل في القلمون وهو أهم من الناحية الاستراتيجية والعسكرية مقارنة بسيطرة المسلحين لمدينة إدلب وجسر الشغور ذات المساحة البسيطة مع ما تم تحريره من مساحات واسعة في جبال القلمون والتي كانت تشرف على اكثر من 30 معبراً حدودياً غير شرعي كانت تحت سيطرة جبهة النصر.

إن هذه المعطيات الجديدة ترجح كفة الجيش السوري والمقاومة وتعوض ما خسره في الشمال السوري مع الأخذ بالحسبان ان المسلحين يستنزفون في جسر الشغور والجيش السوري مسيطر نارياً على جميع مداخل المدينة وهذا يعني بالعرف العسكري سقوط المدينة نارياً بسبب السيطرة على طرق الإمداد الرئيسية للمسلحين. ما حصل في جبال القلمون سوف تظهر نتائجه في «جنيف-3» من خلال المعطيات الميدانية الجديدة التي ترجح كفة الحكومة السورية بسب السيطرة الميدانية وهذا ما تدركه قوى العدوان على سورية. أعداء سورية يعملون ويخططون عبر غرف عملياتهم السوداء والجيش السوري مع المقاومة تحبط هذه الخطط، ومسألة فتح جبهات عدة في وجه هذا الجيش لتشتيت جهده العسكري لن تنفع في شيء، فإنجازاته الميدانية الأخيرة في سلسلة جبال القلمون أصبحت كلمة الفصل في «جنيف-3».

abojmlah gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى