قانون الإيجارات الجديد: نافذ مع وقف التنفيذ

إنعام خرّوبي

رغم انقضاء أكثر من عام على الموعد المفترض لنفاذ قانون الإيجارات الجديد الذي أبطل المجلس الدستوري بعض مواده، ما زال هذا القانون موضوع سجال بين المالكين والمستأجرين والقانونيين والحقوقيين… والسياسيين الذين يقارب كلّ منهم الموضوع من زاوية مختلفة.

ولا شكّ في أنّ القانون الذي أقرّ في مجلس النواب في 1 نيسان من العام الماضي، بعد سلسلة مناقشات استغرقت تسعاً وثلاثين جلسة، كان بمثابة «دعسة ناقصة» حيث أنه لم يواكَب بخطة شاملة لمعالجة أزمة السكن تأخذ في الاعتبار أنّ السكن ليس سلعة أو رفاهية بل حقّ يكفله الدستور والقوانين، بحيث تمّ التعاطي معه في إطار لا يتعدّى كونه أزمة بين مالك ومستأجر، مع تجاهل كامل للتداعيات الوطنية الكبرى التي تترتب عليه.

فإذا كان الدستور اللبناني قد نصّ صراحة على كون «النظام الاقتصادي حراً يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة»، الفقرة و من مقدمة الدستور ، فقد ألزم المشترع، من جهة أخرى، بتأمين العدالة الاجتماعية.

وبموجب القانون الدولي، يعني الحصول على سكن لائق التمتع بضمان الحيازة، من دون أن يضطر المواطن إلى القلق من حدوث إخلاء له أو تجريده من بيته أو أرضه، مع ما يعنيه ذلك من العيش في مكان ما متوافق مع ثقافته، وتوافر إمكانية وصوله إلى الخدمات التي تؤمّن له العيش اللائق. وتنّص الماّدة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حقّ «كلّ شخص في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخصوصاً على صعيد المأكل والملبس والمسكن».

إنّ ما يجري اليوم هو بعيد كلّ البعد عن الالتزام بهذه المبادئ والحقوق، بحيث يتعرّض المستأجر لضغوط شتى، وإنْ ألبست لبوساً قانونياً، من أجل إخلاء منزله من دون إيجاد البديل اللائق له ولعائلته، بينما يواجه المالك، بدوره والذي له الحق في استعادة ملكه ضمن قانون متوازن يضمن له هذا الحق ولا يؤدي إلى تهجير آلاف العائلات من منازلهم، إغراءات مالية من تجار البناء والمطوّرين والمصارف والشركات العقارية والسماسرة التي لها مصلحة في إخلاء الأبنية القديمة وهدمها، الأمر الذي يرى فيه البعض مخططاً لتشريد الفقراء من المدن وخصوصاً من العاصمة وتحويلها إلى مدينة «للأغنياء فقط»، بعد أن يصبح امتلاك أو حتى استئجار منزل في العاصمة حلماً بعيد المنال.

أما المضحك المبكي في الموضوع فهو «خدعة» إنشاء صندوق دعم المستأجرين، والذي تبدو الحكومة عاجزة حتى الآن عن تمويله، وحتى إنْ توفر التمويل فإنّ للبنانيين تجارب غير مشجعة، على مرّ العقود الماضية لا تمحى من ذاكرتهم، وخصوصاً بعد مرحلة الحرب الأهلية، مع صناديق أنشئت من أجل غايات محدّدة ثمّ ما لبث حيتان المال والسياسة أن سيطروا عليها وباتوا يحصرون خدمات هذه الصناديق، التي تحوّلت إلى مزاريب للهدر والفساد، بالأزلام والمحاسيب.

وبذلك، يكون قانون الإيجارات الجديد، نافذاً مع وقف التنفيذ، إذ لا يمكن للدولة الهروب إلى الأمام من أبسط واجباتها تجاه المواطنين وحفظ حقوقهم في السكن والعيش اللائق، نحو إقرار قوانين ارتجالية غير محسوبة العواقب والنتائج، بدلاً من معالجة أصل المشكلة بدفع قطار الإنماء في المناطق البعيدة والمحرومة وتثبيت المواطنين في مناطقهم عبر تنفيذ مشاريع تنموية تساهم في خلق فرص العمل للحدّ من نزوحهم نحو المدن، بدلاً من تحميل المالك الصغير والمستأجر الفقير، مسؤولية السياسات الاستنسابية المتعاقبة للحكومات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى